الأربعاء، شباط ١٣، ٢٠٠٨

الدرس السياسي لإعادة فرض الحصار على غزة

د. إبراهيم علوش


لماذا أعيد إغلاق "الحدود" بين غزة ومصر، أو قل بالأحرى، أعيد فرض الحصار على غزة من قبل النظام الرسمي العربي؟

بغض النظر عن أي تحاليل سياسية ونقاط قانونية أو غيرها مما يمكن أن يثار حول إسقاط "الحدود" المصرية-الغزية بالقوة، فإن إغلاق المعبر بين غزة وسيناء، يظل بالمحصلة النهائية، نتاج ضعف حركة الشارع في مصر لإبقاء المعبر مفتوحاً. أي أن ميزان القوى بين الشعب والنظام العربي، المختل بقوة لمصلحة الأخير، بسبب عدم نزول الملايين إلى الشوارع لإبقاء المعبر مفتوحاً بالرغم من إرادة النظام، هو الذي أدى لإغلاق المعبر من جديد.

واللوم هنا ليس على الشعب كشعب، في أم الدنيا أو في غيرها من أرض أمتنا العزيزة، فما لا يقبل النقاش هو أن الناس في مصر وبقية بلادنا مع رفع الحصار عن غزة، وأن أي شريف في أمتنا لا يمكن أن يقبل على نفسه أن يكون طرفاً في حصارٍ من هذا النوع. ولكن القضية ليست قضية مشاعر أو مواقف، بل تكمن نقطة الضعف المركزية في كل حياتنا السياسية العربية، وليس فقط في حالة الحصار الرسمي العربي على غزة، في غياب حركة شعبية عربية منظمة تزلزل الأرض تحت أقدام الأنظمة التي تتجاوز حدها في الطغيان والتعاون مع الأمريكان واليهود على حساب مصلحة الأمة.

والقول نفسه كان ينسحب بالمناسبة على الحصار المجرم للعراق بين عامي 1990 و2003، وعلى التعاون الرسمي العربي في العدوان على العراق، وفي كل حالة من حالات تواطؤ أو تآمر أو تخاذل النظام الرسمي العربي أمام التحديات الكبرى للأمة، أي في كل حالة عملياً.

فلو أمعنا النظر في الوضع السياسي العربي لوجدنا أن غياب حركة مؤثرة للشارع العربي، أي غياب الأطر المنظمة الفعالة التي تمكن الشعب العربي - وهو شعب عربي واحد بالمناسبة، لا شعوب عربية، ما دمنا أمة واحدة - من ترجمة مشاعره ومواقفه إلى عمل سياسي، أي إلى خطوات فعلية لتغيير الواقع، هو المشكلة الرئيسية في العمل السياسي العربي.

فلنأخذ مثالاً أخر. لو احتُلت ولاية من الولايات الأمريكية يا ترى، هل كانت بقية الولايات الأمريكية ستسن قوانينَ وتتخذ إجراءاتٍ لمنع تدفق المتطوعين والمال والسلاح والدعم عبرها إلى الولاية المحتلة يا ترى؟ لو احتُلت دولة من دول الاتحاد الأوروبي مثلاً، هل كانت بقية الدول الأوروبية لتتخذ مثل هذا الموقف المشين؟ لو احتُلت مقاطعة من الصين أو الهند أو لو احتُل وجرُ ذئاب يا كرام أو حتى وكرُ أفاعٍ أو صراصير...........!!

الوضع الطبيعي إذن هو أن تسمح الأنظمة العربية للدعم الشعبي العربي أن يصل المناطق العربية المحتلة، حتى لو لم ترغب هي أن تحارب، ولكن الأنظمة العربية تجرم وتعتقل وتشن الحملات على من يفكر بالقتال من أبناء أمتنا في المناطق العربية المحتلة، ولا بد أن نتذكر بالإجلال هنا أخواننا المعتقلين بالسجون الأردنية ب"تهمة" السعي للتطوع للقتال في العراق.

والأنظمة العربية تغلق الحدود على المتطوعين وتفتحها أمام العدو، ولعل الاستثناء الوحيد هنا هو فتح خطوط الإمداد للمقاومة اللبنانية من قبل سوريا، وتهيئة ظروف داخلية لبنانية مناسبة لوجود واستمرار المقاومة إلى حد ما، ولولا ذلك، لن نقول أن المقاومة كانت ستنتهي، فالمقاومة هي الحياة، ونحن أموات بدونها، ولكن نصر المقاومة كان سيكون أبعد منالاً، فنصر المقاومة اللبنانية هو لسوريا كما للبنان، ولفلسطين وبقية الأمة، ويا حبذا لو تم فتح الحدود للمقاومة عبر الجولان بنفس الطريقة.

إسلامياً، يفترض أن يكون القتال في المناطق المحتلة فرض عين على أهل المناطق المجاورة لها إذا كانت هجمة العدو أكبر من طاقة المناطق المحتلة على الاحتمال، وهي كذلك في مواجهة الطرف الأمريكي-الصهيوني بدون أدنى شك. قومياً، كلنا أمة واحدة، لا تفرقنا حدود، ولا نتعامل مع المناطق المحتلة كبلد أو كشعب أخر، بل كاحتلال يقع علينا جميعاً، من جزيرة ليلى وسبتة ومليلة في المغرب إلى جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى في الخليج العربي. يسارياً، يواجه الشعب العربي في هذا الصراع هيمنة رأس المال الدولي والشركات الكبرى متعدية الحدود وما الطرف الأمريكي-الصهيوني الذي تتبدل وجوهه ولا تتبدل سياساته إلا أداة تلك الهيمنة. ذارئعياً، وبلغة المصلحة النفعية المباشرة لا المبادئ أو القناعات، ثبت بما لا يقبل الشك منذ نهاية التسعينات أن مشروع "الشرق أوسطية"، ناهيك عن مشروع "الإصلاح الديموقراطي"، يستهدف إسقاط الأنظمة العربية وتفكيكها لإفساح المجال لدول الكانتونات والطوائف، ونعرف جيداً الآن، أن المقاومة العراقية هي التي تحمي بلاد الشام والخليج العربي، لا بل إيران نفسها، من التفكيك.

إذن، كل المبررات، حتى أقلها مبدئية، موجودة لدعم المقاومة من الصومال إلى العراق. ولكن الأنظمة العربية لا تكتفي بعدم دعم المقاومة، وعدم السماح بدعمها، بل تتجاوز ذلك إلى فرض الحصار على المقاومة حيثما يطلب الطرف الأمريكي-الصهيوني، فأي فصيلة من الكائنات تنقلب على أبناء جلدتها بهذا الشكل الفاضح؟! فتخاف من "الاختراق الأمني" الذي قد يسببه رفع علم فلسطين على عامود كهرباء، وهو بالأساس العلم العربي الموحد الذي تم تبنيه لتأكيد عروبة فلسطين، ولا تستحي من رفع العلم الصهيوني في عمان والقاهرة ونواكشوط، ولا تخاف من الدور الأمني للسفارات والبعثات الديبلوماسية الصهيونية على أراضيها؟!

المشكلة ببساطة تبقى أن الشارع العربي لا يتحرك تحركاً منظماً، بل يتحرك بعفوية عندما يفيض الكيل، فيمد له النظام الرسمي العربي مؤقتاً، ليعود وينقض بعدها على أي إنجاز تم تحقيقه للأمة خلال مرحلة التحرك العفوي.

تغيير حال الأمة إذن يتطلب بالأساس تحرك الشارع العربي بشكل فعال ومنظم، وعبر الحدود، وكل من يتشدق بالديموقراطية وهو يتجاهل هذه الحقيقة، يقوم فعلياً بالتواطؤ مع الأنظمة العربية حتى لو تناول هذه القضية الجزئية أو تلك من انتهاكات حقوق الإنسان، والأهم منها طبعاً يبقى بالضرورة انتهاك حقوق الأمم. وقد ثبت الآن من خلال مثال غزة وغيره أن التجزئة العربية ظهير الاحتلال، وهو ما يعني بالمقابل أن الوحدة، وحدة الشارع لا الأنظمة، ظهير التحرير.

التطبيــع مع فلسطـــين

محمد سيف الدولة


الحل المبدئى والاستراتيجى الصحيح لازمة رفح وازمات اخرى كثيرة هو التخلص من اتفاقيات كامب ديفيد واتفاقيات اوسلو واتفاقيات الحدود والمعابر

ولكن فى مواجهة الازمة الحالية فان الحل البسيط المطلوب الان هو :

· مجرد تطبيع تقليدى للعلاقات المصرية الفلسطينية و تحويلها الى علاقات مماثلة لعلاقتنا بباقى الدول ، وهو اضعف الايمان
· و بالتالى توقيع اتفاق معابر مصرى فلسطينى مستقل عن اى اطراف اخرى
· اتفاق معابر بدون رقابة وقيود امريكية اسرائيلية اوروربية
· وهو ما يمكن تحقيقه بدون اخلال مصر بالتزامتها الدولية الحالية المتمثلة تحديدا فى :
o منع التهريب
o منع التسلل
o منع الارهاب

وذلك على الوجه التالى :

اولا ــ لم تسمح مصر ابدا ، او اى من دول الطوق ، على امتداد الخمسين عاما السابقة باى عمليات فدائية ضد "اسرائيل" تنطلق من اراضيها
ثانيا ــ ان لدى مصر والحمد لله ترسانة من القوانين تؤهلها لتامين المعبر بعيدا عن اى اتفاقيات دولية اضافية فهناك على سبيل المثال :
· قانون الجمارك الذى ينظم حركة البضائع من والى الاراضى المصرية بشكل يمنع جرائم التهريب و تجارة البضائع الممنوعة وتداولها
· وهناك قوانين الجنسية والسفر والاجانب التى تنظم بشكل دقيق شروط واجراءات دخول الاجانب من اى دولة من حيث التاشيرات ومدة الاقامة ونوع التاشيرة والتسجيل والاستثناءات ..الخ
· ومن ضمن هذه الاستثناءات الاتفاق الذى يسمح للاسرائيليين بالدخول الى المنطقة " ج " فى سيناء بدون تاشيرة
· وهناك قانون الاسلحة والذخائر الذى وضع قواعد الحيازة والتجارة والتداول ونص على عقوبة الاخلال بها
· وهناك قانون العقوبات الذى جرم الاضرار بالعلاقات مع دولة اخرى وجرم التواجد فى الاماكن الممنوعة وجرم تداول البضائع الممنوعة ونظم موضوع المفرقعات..الخ
· و بالاضافة الى كل ما سبق هناك قانون الطوارىء الذى يتعامل مع اى حالات لم تشملها القوانين السابقة
· بالاضافة الى هذه الترسانة من القوانين فان فى مصر والشكر لله مؤسسات امنية قوية ومتمكنة اختبرت فى مواجهة مخاطر الوجود الاسرائيلى فى مصر بعد اتفاقيات السلام وقادرة من باب اولى ان تتعامل مع الاشقاء من فلسطين اذا استدعى الامر ذلك لا قدر الله .
· وهناك سابقة تاريخية ليست ببعيدة ، عندما وقعت مصر اتفاقيات كامب ديفيد وتشكلت جبهة الصمود والتصدى مما وتر العلاقات المصرية العربية وتم التضييق على دخول بعض الاشقاء العرب الى الاراضى المصرية . ومرت الازمة بخير وعادت العلاقات الى طبيعتها . فلا مانع قياسا على ذلك فى معاملة مماثلة فى المراحل الاولى الى حين بناء قواعد من الثقة المتبادلة

انطلاقا من كل ذلك فاننا نطالب فى الازمة الحالية بتوقيع اتفاق معابر طبيعى مع الاخوة الفلسطينيين تحكمه المبادىء والقواعد الاتية :

· اتفاق محرر من التدخل الاجنبى ومن الرقابة الاجنبية
· اتفاق يضع امن مصر فى الاعتبار وليس امن اسرائيل
· اتفاق متحرر من الافتراضات الامريكية الاسرائيلية بان الفلسطينيين هم مصدر الخطر ومصدر الارهاب
· اتفاق لا يعترف بشرعية الاحتلال للاراضى الفلسطينية ومن ضمنها غزة ، و بالتالى لا يعترف بشرعية التحكم والمراقبة الاسرائيلية للمعبر الفلسطينى
· اتفاق يسمح لنا فى مصر وفى البلاد العريبة الاخرى بزيارة غزة بتاشيرة فلسطينية وليست اسرائيلية
· اتفاق لا يقيد حركة الاشخاص والبضائع الا فى حدود القانون
· اتفاق يسمح بدخول الواردات الى غزة و لا يقصر المعبر على الصادرات
· اتفاق يعامل معبر رفح معاملة معبر السلوم
· وعلى ذكر ذلك ، واذا كان لا يجوز للسودان ان تتدخل فى اتفاقية معابر مصرية ليبية . فكيف نعطى هذا الحق لاسرائيل ؟
· اننا لا نطالب بفتح الحدود وانما بتنظيم المعبر
· انها مطالب بسيطة ومشروعة لا تحتاج الا الى قدر من الارادة السياسية
· اننا حريصون على السيادة المصرية التى لن ينتهكها مثل هذا الاتفاق وانما تنتهكها التدابير الامنية القائمة فى سيناء منذ كامب ديفيد وتنتهكها الرقابة الاجنبية التى لم تثق فى الطرف المصرى فراقبته بالقوات متعددة الجنسية من هنا وبالاتحاد الاوروبى واسرائيل من هناك
· اما عن موضوع الشرعية الدولية ، فهذه هى فرصتنا لكى نترجم انتفاضة الحدود الاخيرة الى خلق شرعية جديدة تستهدف امن الفلسطينيين وبالتالى امن مصر ، وليس امن اسرائيل . وكل الاتفاقيات الدولية لم تكن الا تعبيرا عن حقائق فى الارض ، فلماذا نستثنى انفسنا من هذه القاعدة ؟
· و اما الحديث عن الشرعية الفلسطينية ، فانى اتصور انه اذا اصرت مصر على صيغة ما لحل مشكلة المعبر ، فان السلطة الفلسطينية لن تجرؤ على رفضها . لانه ليس من المقبول ان تقبل الضغوط الامريكية والاسرائيلية وتتجاهل رغبات مصر .
· وبالطبع لا قيمة لكل ما سبق بدون حملة ضغط شعبى على الساحتين المصرية والفلسطينية تتوازن مع الضغوط الامريكية الاسرائيلية الاوروبية على الادارة المصرية و التى بدات منذ اللحظة الاولى للازمة . ان احداث الاسبوع الماضى بكل تطوراتها يجب ان تكون هى بداية للحملة وليست نهاية لها .

انتهى المقال ولكنى فى نهايته ارغب فى الاعتذارعما ورد به من تجنيب مؤقت لمنطلقاتنا المبدئية ، لزوم الحوار مع الآخر : فاسرائيل ليست دولة مشروعة ، والحدود العربية كابوس نحلم بالتحرر منه ، والالتزامات الدولية هى قيود استعمارية ، والمقاومة ليست ارهابا ، والفلسطينيين اخوة و لا يمثلون خطرا على مصر ، كما ان السودان بالطبع ليس هو"اسرائيل" .

* * *
القاهرة فى : 5 فبراير 2008

الموصل بإنتظار المذبحة الحاسمة

سر تعديل قواعد الاشتباك الامريكية..الفوضى الخلاقة "لكردستان" تفتت العراق وسوريا


محمد لافي "الجبريني"

على تناقضها الصارخ مع الاديان السماوية، فإن نظرية داروين حول التطور وإعادة اصل الانسان الى سعدان لم تأت عبثا او من فراغ، فإجتهاد الرجل كان بناء على مشاهدات غذت افتراضاته عن فكرة التطور، الا أن مالم يجب عنه داروين هو إن كان بوصفه "بشريا" يفترض أن الانسان كان "تطورا" للسعدان، فلماذا لا يفترض السعدان أنه كان الحالة المتطورة للإنسان! والعلم قوانيه الجدل، خاصة اذا كانت له إنعكاسات عملية في الحياة كل من فيها يستند على تجاربه الخاصة، ضمن شروط مختلفة تفرضها البيئة والتركيبة السيكيولوجية.

وفق تلك النظرية مع الاخذ بعين الاعتبار نسبيتها، قامت حكومة المالكي العميلة في العراق المحتل بدخول مرحلة جديدة من مراحل التطور من السعدنة الى الى الغوريلا -بمعنى أخر من النطنطة فرحا على جثث الاسود وأسطح الدبابات الى العمل وفق سياسات الحالة الارقى بين القرود المعروفة علميا بإنضباطها أكثر- على طريق إعادة انتاج العراق "الجديد" بدءا من وصول العلم العراقي الى تطوره الثالث، وبشكله الذي بات نسخة مموهة للعلم الايراني، وفق تصوراتها المقتبسة من استراتيجيات الاحتلال الاجنبي بكل تسميتها وارضياته، ممتدة على اكثر من صعيد لتصل به الى النتيجة المرتجاة ضمن منظومة "الشرق الاوسط الجديد"، والشق الميداني الشامل للعمل العسكري، والسيطرة الاقتصادية ماهو الى تكتيك مرحلي يدعم الهدف الاستراتيجي القائم على شرذمة الشعور القومي الوطني للمواطن العراقي، والتحطيم النفسي، بما يتوائم مع تلك النظرية لإنتاج "العراق المعدل او المطور.

تدمير الحضارات
يخوض العراق منذ عقود حربا شرسة في الدفاع عن كيانه ووجوده الحضاري التاريخي كبلد عربي، وصل الى ذروتها بعد دخول قوات الاحتلال الامريكي الى ساحة الفردوس قبل خمس سنوات، لتأخذ أشرس أشكالها منذ ذلك اليوم بعمليات الابادة الجماعية والتدمير الشامل لبناه التحتية ثقافيا، حضاريا وإنسانيا، تساهم به أساسا أهم قوتين مسيطرتين على مجاري الاوضاع فيه "ايران وأمريكا" ضمن حالة من التنافس حينا، والتقاطع أحيانا أخرى وإن كان الهدف المشترك لكلا الحالتين إعادة تخليق العراق وفرض الامر الواقع فيه بما يناسب فكرة التوسع والاحتلال.

الشهر الحالي أو الذي يليه -وفق تصريحات المنطقة الخضراء- يحمل في طياته وعودا بأن يكون تاريخا مفصليا في أجندة العراق بعد تهديدات المالكي الصريحة والواثقة تجاه محافظة نينوى وعاصمتها الموصل، التي طالما اشتهرت بكونها أهم قلاع المقاومة العراقية، وحجته القضاء على "تنظيم القاعدة" في معركة حاسمة تخضع الموصل ومقاومتها لخطط الاحتلال.

قد تصح حجة المالكي اذا اخذناها متجردة من كل الاعتبارات الاخرى، الا انها تتحول الى مجرد قشرة جليدية سرعان ماستذوب قبل ان تكشف عما تخفيه اذا ما قرأنا الصورة بعمومها، خاصة انها تاتي بعدما تفاخر الاحتلال مرارا بتفوقه على المقاومة في بغداد ومحيطها، ثم عن عودة "الارهاب" الى الضرب بعد العملية التي ادت الى مصرع العشرات بتفجير تبين لاحقا أنه كان يمكن تفاديه، خاصة ان الشاحنة المفخخة تم تفجيرها بواسطة قوى الاحتلال الذي كان يعي حجمها التدميري على البيوت المجاورة التي لازال حطامها يخبئ العديد من الجثث التي لم تنتشل حتى الان.

ماخلف الاكمة
يراد الاعتقاد من تصريحات المالكي وأعوانه التركيز، بعد وضع عملية الموصل في خلفية التصريحات، ان الهدف هو حرب شرسة لا تنتهي الا بالقضاء على عناصر المقاومة الوطنية العراقية بكافة تشكيلاتها، الا أن تلك التصريحات بعد الاخذ بعين الاعتبار الشروط الميدانية والنتائج المحتملة والواقع يثير الريبة حول هدف آخر، خاصة وان هذه التصريحات تأتي قبل ايام من العملية المفترضة، بعد تصريحات أخرى تتحدث عن ابقاء الحدود مفتوحة مع سوريا، وهو الامر الذي يتناقض مع أبجديات العمل العسكري خاصة ونحن نتحدث عن حرب عصابات محتملة، السرية والحصار أهم شروطها المرجحة لكفة طرف على الاخر، ما يوحي أن القصد هو ان تأخذ الفصائل حذرها، فتغير مواقعها، وإما أن تحصن وتستعد اكثر، أو تنسحب الى مواقع خلفية، بل دفعها الى ذلك، حتى اجبارها على التوغل في الاراض السورية.

سوريا بإنتظار الدور
انسحاب المقاومة الى الاراض السورية، لن يكون جديدا وفق الاتهامات التي لا تنفك الادارة الامريكية عن توجيهها الى سوريا بوصفها متراخية في ملاحقة المقاومة العراقية المنسحبة، الا اذا ربطنا الامر بقرار الجيش الامريكي تعديل قواعد الاشتباك، والتي ازالت حاجزا جديدا امام جنوده، الا وهو منع الملاحقة داخل حدود الدول المجاورة، وبالتالي فإن الخطة تظهر ذريعة وإن لا يشترط وقوعها عمليا في المستقبل القريب لملاحقة القوات في الاراض السورية، والتحرش بجنودها وإنتظار الفرص المناسبة لإعتبار الاراض السورية هدفا بوصفها هانوي المقاومة العراقية.

الفتنة القومية
وإن كان هذا غير وارد على الاقل في هذه المرحلة، التي لن يتدخل فيها الجيش الامريكي رسميا تاركا الغرق في هذا المستنقع للقوات العراقية الموالية له، فإن الهدف الاكثر الحاحا هو كسر شوكة الموصل، وإعادة انتاج صراع اهلي عراقي، لكنه هذه المرة ليس طائفيا فقط، بل وقومي أيضا، يكون بشمركة الاكراد هم فتيل اشعاله، وهم الذين لا يخفون أطماعهم بالموصل لضمها الى دولتهم التي ستكون اول الدويلات الناتجة عن تقسيم العراق، قبل المرحلة الثانية التي ستقضم من سوريا.

ووفق المحلل صلاح المختار فإنه يخطأ من يظن بان العملية العسكرية هدفها ضرب المقاومة فقط، لان المشروع الاصلي للإحتلال في العراق، سواء كانو من الاتباع الايرانيين او الاكراد، يقوم على تقسيم وتقاسم العراق. ان ازاحة الموصل، كثقل سكاني عربي متماسك شكل احد اهم عوامل افشال تقسيم العراق، كان ومازال هدفا مركزيا لا يمكن اهماله في المخطط العام الامريكي لتقسيم العراق، لذلك فان من السذاجة الطوفان في مجرى مياه الهجوم العسكري واهمال الامر الاكثر خطورة الذي يستبطنه هذا الهجوم وهو القضاء على عروبة الموصل. وتحقيقا لهذا الهدف فان طبيعة تشكيل القوات المهاجمة يوضح خطوط المؤامرة، فهي تضم قوة كبيرة من اكثر عناصر البيش مركة الكردية سفكا للدماء وحقدا على العرب وهو ما اكدته تجارب كثيرة منها مجازر تلعفر، كما تضم القوات العناصر المتمرسة على القتل الجماعي على اسس طائفية خلال السنوات الخمسة الماضية، خصوصا في بغداد عقب تفجير مرقد الامام علي الهادي . واخيرا فان هذه القوات تضم مجموعات مما يسمى (الصحوة) والتي عبأت ضد القاعدة لكنها توجه لقتل كوادر المقاومة كلها وليس القاعدة وحدها!

ويريد بوش عبر عدم التدخل الرسمي ان يكون بعيدا عن العمليات الميدانية وان تكتفي قواته بدعم القوات المهاجمة للموصل، لعدة اسباب منها انه لا يريد ان يغامر بخوض معركة يدرك العسكريون انها لن تؤدي الى اضعاف المقاومة او الحاق الهزيمة بها، لان الحرب ليست حربا نظامية بل هي حرب عصابات. وهذه الحقيقة ادركها بوش جيدا من خلال نتائج معارك الانبار وديالى والتي استخدمت فيها امريكا اعظم مالديها من قوات وامكانات، ولكنها فشلت في تحقيق الهدف وهو القضاء على المقاومة. ان ابتعاد القوات الامريكية عن ميادين المعركة الارضية سيوفر لها الافراد والخسائر الضخمة ويجعل ما يسمى (القوات العراقية) تتحملها. وهكذا يمنع بوش الديمقراطيون ومعارضو الحرب داخل امريكا من تصعيد الحملة ضده ويمكن مرشح الجمهوريين للرئاسة من الدفاع عن موقف الادارة بسهولة.

الاشباح مكان الربيعين
أما اهل الموصل –وكما جاء في تقرير رصد مزاج الاهالي فيها- فانهم سيهجرون بالقتل العشوائي والجماعي نحو سوريا وغرب ووسط العراق لاكمال ترتيبات اقامة ثلاثة دويلات في العراق، دولة كردية في الشمال واخرى عربية سنية في الوسط والغرب وثالثة شيعية في الجنوب، كما توضح في المخطط الامريكي – الاسرائيلي المسمى "شبح العنقاء". لذلك فان المعركة تستهدف تحويل الموصل من مدينة عربية الى مدينة مختلطة لا اغلبية فيها لاي قومية او طائفة. أو بناء على الخطة الاحتياطية التي تتحدث عن تفجير سد الموصل لإغراق المدينة واجبار سكانها على الرحيل
ان النجاح في تحويل الموصل (أم الربيعين) على هذا النحو سيمهد لجعل الموصل منطقة اضطراب مستمر نتيجة القتال بين سكانها الموزعين بصورة طائفية وعرقية مقصودة، الامر الذي سيحجم المقاومة من جهة، ويسمح بتحويل الصراع من صراع ضد الاحتلال الى صراعات عبثية حول السيطرة الفئوية لا تخدم الا الاحتلال. وفي هذا الاطار فان عرب الموصل سيصبحون معزولين في جزر متناثرة محاطة باكراد مجلوبين من ايران وتركيا وشمال العراق، وباتباع ايرانيين مجلوبين من ايران وجنوب العراق.

www.ezza3tar.spaces.live.com


الاثنين، شباط ١١، ٢٠٠٨

مجموعة الأزمات الدولية: إعلام مستقل أم مبرمج؟

منظمة غير حكومية بالشكل، حكومية بالجوهر، وفيها أسماء عربية


العرب اليوم، 10/2/2008
http://www.alarabalyawm.net/uploads/q16_new21.pdf
http://www.alarabalyawm.net/pages.php?news_id=72798

د. إبراهيم علوش

تظهر دورياً في وسائل الإعلام العربية والأجنبية تقارير منسوبة ل"مجموعة الأزمات الدولية" International Crisis Group حول هذه القضية أو تلك من قضايا الساعة. وتقدم تلك التقارير عادةً تشخيصاً ما ومجموعة من المقترحات لمعالجة النزاع موضع البحث، فيتم عرضها في الصحف ووسائل الإعلام غالباً ضمن التقارير الإخبارية المتعلقة بالنزاعات الدولية نفسها، كتتمة لها، لا كرأي أو كوجهة نظر، وهو ما يعطي الانطباع الخاطئ بأن "مجموعة الأزمات الدولية" جهة محايدة أو منزهة عن الأجندات الخاصة لقوى الهيمنة الخارجية، سوى أن الواقع أبعد ما يكون عن ذلك.

ويتكرر اسم "مجموعة الأزمات الدولية" في وسائل الإعلام، في الاقتباسات من تقاريرها في الصحف، وتحت أسماء "المتخصصين" الذين يتناولون قضايا دولية معقدة في الفضائيات والإذاعات. فما هي مجموعة الأزمات الدولية يا ترى؟ وكيف نشأت؟ ومن يمولها؟ ولماذا تُعامل بهذا القدر من التبجيل، حتى باتت واحدة من أشهر مراكز الأبحاث العالمية في ظل النظام الدولي الجديد، لا بل "أهم مصدر مستقل وغير حكومي للمعلومات والتحاليل والتوصيات للحكومات والمنظمات الدولية حول قضايا النزاعات" حسب "مجموعة الأزمات الدولية" نفسها؟! فهي بالأساس مجموعة تعمل لإنتاج إجماع سياسي من خلال: 1) وسائل الإعلام على نطاق واسع، و2) العلاقات السياسية لمديريها.

وحسب موقع مجموعة الأزمات الدولية على الإنترنت يوم 30/1/2008، فإن مجموعة "إنترناشونال كرايسز غروب" - ومن الملفت أن المجموعة لا تستخدم الترجمة العربية لاسمها (مجموعة الأزمات الدولية) في القسم العربي من موقعها، بل تكتب اسمها بالإنكليزية بأحرف عربية (كرايسز غروب) - تعرف نفسها كما يلي: "إن إنترناشونل كرايسز غروب منظمة مستقلة غير ربحية متعددة الجنسيات يعمل بها مائة موظفا في خمس قارات، يعملون من خلال التحاليل الميدانية الموجهة للمستويات القيادية لمنع وحل النزاعات".

وفي القسم الإنكليزي والفرنسي يقول الموقع أن المنظمة غير حكومية، دون ذكر تعبير "متعددة الجنسيات" كما في التعريف العربي، ولكن يذكر في القسم الإنكليزي أن للمنظمة المذكورة 145 موظفاً في خمس قارات. وفي القسم الفرنسي يقول موقع المنظمة بأن لديها 130 موظفاً في خمس قارات. بينما سبق الذكر في القسم العربي أن عدد موظفي المنظمة هو مائة في خمس قارات... وهو قدر لا بأس به من الدقة بالنسبة لمنظمة دولية غير حكومية تزهو بأن موظفيها، الذين يختلف عددهم حسب اللغة المستخدمة على ما يبدو (أو أن هناك إهمالاً شديداً بتحديث أقسام الموقع غير الإنكليزية!!)، يقومون بالتحاليل الميدانية الموجهة للقيادات بغرض منع وحل النزاعات!!

والمنظمة مسجلة كجمعية غير ربحية في واشنطن دي سي، عاصمة الولايات المتحدة، ولكن مقرها الرئيسي يقع في بروكسل في بلجيكا، وحسب موقعها على الإنترنت، فإنها مسجلة أيضاً في بلجيكا كمنظمة غير ربحية، كفرع لمنظمة أمريكية غير ربحية، ورقم التسجيل في بروكسل هو 0872.781.947.

ويوجد لمجموعة الأزمات الدولية، بالإضافة إلى ذلك، مكاتب في نيويورك ولندن وموسكو، وهذه المكاتب، بالإضافة إلى مكتبي بروكسل وواشنطن دي سي الرئيسيين، مهمتها تبني قضايا النزاعات والترويج لمقترحات محددة لحلها، بينما يوجد أيضاً عدد كبير من المكاتب الميدانية في القارات الخمس مهمتها الأساسية القيام بالأبحاث وجمع المعلومات، وهذه المكاتب الميدانية منتشرة من هايتي في أمريكا الوسطى وبوغوتا في كولومبيا إلى برتوريا في جنوب أفريقيا إلى داكار في السنغال ونيروبي في كينيا، وفي نيروبي أكثر من مكتب للمجموعة، إلى عدة مكاتب في آسيا الوسطى الإسلامية، بشكيك في قرغيزستان ودوشنبه في طاجيكستان، إلى إسلام أباد في باكستان، إلى سيول في كوريا الجنوبية، إلى كولومبو في سيريلانكا، إلى كاتمندو في نيبال، إلى جاكرتا في أندونيسيا، وعودة إلى أوروبا الشرقية، تبليسي في جورجيا وبريستينا في كوسوفو وبلغراد في الصرب واسطنبول في تركيا، وانتهاء طبعاً بما يسمى زوراً "الشرق الأوسط"، حيث توجد مكاتب لمجموعة الأزمات الدولية في القاهرة وعمان، ومندوبين موزعين في أكثر من عاصمة عربية أخرى.

ويشرف على قسم "الشرق الأوسط" في مجموعة الأزمات الدولية الدكتور جوست هتلرمان من مكتب اسطنبول تركيا ومن عمان، وهو يحمل دكتوراة في علم الاجتماع من جامعة سانتا كروز في كاليفورنيا، وقد عمل في "مؤسسة الحق" في رام الله طوال الثمانينات، ورئسها بعد الانتفاضة الأولى. وثمة سنتان بين عامي 90 و92 ليس واضحاً فيها أين كان جوست هتلرمان، انتقل بعدها إلى مؤسسة منظمة حقوق الإنسان هيومن رايتس واتش التي رئس فيها قسم وثائق العراق بين عامي 92-94، ليذهب بعدها إلى رئاسة قسم التسلح في هيومن رايتس واتش حتى عام 2002. ويشرف جوست هتلرمان في مجموعة الأزمات الدولية على فريق من الباحثين في بيروت وعمان يعطي الأولوية في أبحاثه على العراق وفلسطين، ويقوم بإجراء الأبحاث أيضاً في سوريا وإيران ولبنان والسعودية والخليج...

وللتعرف على توجهات جوست هتلرمان في "حل النزاعات"، يمكن تصفح هذا الرابط لمقالة له حول العراق نشرت في 12/3/2007 يدعو فيها لحكم ذاتي موسع للأكراد، مع عدم منح نفس الصلاحيات لغير الأكراد خوفاً من وقوع أجزاء من العراق تحت هيمنة الدول المجاورة:

http://www.crisisgroup.org/home/index.cfm?id=4694&l=1

ويعتبر جوست هتلرمان خبيراً في الشأن العراقي، وهو من دعاة "الحل السياسي"، واحتواء المقاومة سياسياً، ومن منتقدي نزعة بوش للحل العسكري، وله نصائح نفاذة في هذا المجال. أما بالنسبة للصراع العربي-"الإسرائيلي"، فيمكن أن نرى على هذا رابط توجه عز الدين شكري، الديبلوماسي المصري السابق، ومسؤول ملف فلسطين في "مجموعة الأزمات"، في مقالة له في 9/1/2008، تسمسر في وقف إطلاق نار يعقد برعاية مصر بين الفصائل الفلسطينية – بالأخص حماس- والكيان الصهيوني في غزة، "مع تشغيل منافذ القطاع وفقاً لاتفاق المعابر تحت إشراف هيئة المعابر الفلسطينية الشرعية مدعومة بقوة أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية الشرعية":

http://www.crisisgroup.org/home/index.cfm?id=5260

ومع أن هذه المادة نشرت في الحياة اللندنية، فإن إعادة نشرها على موقع "مجموعة الأزمات" يؤشر بحد ذاته على توجه عام لا رأي فردي... وعندما تنتشر أخبار في وسائل الإعلام عن صفقات لوقف إطلاق النار بين حماس والكيان الصهيوني، فيجب أن نعرف الآن أحد مصادر تلك "الأخبار"... ويمكن أن نجد على القسم العربي من موقع "مجموعة الأزمات" مثلاً، فضلاً عن ذلك، مقالات عن دور العشائر في زعزعة سلطة حماس في غزة! ويمكن أن نجد في نفس القسم "توصيات لحل الأزمة اللبنانية" تقوم على تخلي حزب الله عن مطلب تحرير شبعا، وفك الحصار الشعبي عن رئاسة الوزارة اللبنانية مقابل تبني الحكومة لمطلب "وضع المزارع تحت الوصاية المؤقتة للأمم المتحدة" : ) : ) : )

وعندما تبدأ عمليات الأمريكان في العراق لاحتواء المقاومة سياسياً واحتواء جماعة إيران عسكرياً، بعد فشل محاولات الحسم العسكري مع المقاومة، فإننا يجب أن نبحث عن الرائحة في مطابخ سياسية دولية مثل مطابخ "مجموعة الأزمات الدولية".

والرائحة قوية جداً في الواقع. فمعظم القائمين على "مجموعة الأزمات الدولية" مسؤولون سابقون في الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وفي إدارات الدول العظمى. وقد تأسست "مجموعة الأزمات الدولية" عام 1995 من قبل وزير بريطاني سابق هو مارك مالوخ براون، نائب الرئيس السابق للبنك الدولي، ومن قبل ديبلوماسي أمريكي سابق هو مورتون أبراموفيتز، وأبراموفيتز اسم يهودي أكثر من الشمعدان السداسي... واليوم يرأس "مجموعة الأزمات الدولية" مجلس ثلاثي على رأسه ديبلوماسي بريطاني سابق هو كريستوفر باتن، وديبلوماسي أمريكي سابق هو السفير توماس بيكرينغ، ويرأس المجلس وزير خارجية أسترالي سابق هو غاريث إيفنز.

وتدير "مجموعة الأزمات الدولية" حالياً لجنة تنفيذية تضم أسماء معروفة مثل أبراموفيتز والمتمول جورج سورس وغيرهما، وتحت أسماء هؤلاء على موقع "مجموعة الأزمات" تجد خطاً ثم مجموعة أخرى من الأسماء تضم عدنان أبو عودة وشلومو بن عامي، وزير الخارجية "الإسرائيلي" السابق، والأخضر الإبراهيمي، وزبينغيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأسبق في إدارة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وويزلي كلارك، رئيس سابق لقوات حلف الناتو في أوروبا، وليزلي غيلب، الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية وصاحب مشروع تقسم العراق، وغسان سلامة، الوزير اللبناني السابق، وغيرهم ممن تجدون اسمه على موقع "مجموعة الأزمات".

التمويل: حسب موسوعة ويكيبديا على الإنترنت، فإن أربعين بالمئة من تمويل "مجموعة الأزمات الدولية" عام 2006 أتى من 22 دولة، و32 بالمئة من التمويل أتى من خمس عشرة جمعية خيرية، والباقي من أفراد ومؤسسات خاصة. ولكن ما لا تذكره ويكيبديا هو أن تلك الدول الاثنين والعشرين هي بالأساس حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية الاتحاد الأوروبي وسويسرا وكندا واستراليا واليابان... زائد تايوان وتركيا. وتقول مقالة بعنوان "مجموعة الأزمات الدولية: من يدفع للزمار؟"، في 15/4/2005، أن 40 بالمئة من تمويل "مجموعة الأزمات الدولية" عام 2005 جاء من الحكومات، وجاء 43 من مؤسسات مانحة مثل مؤسسة روكفلر، ومؤسسة فورد، ومؤسسة ماك أرثر، ومعهد الولايات المتحدة للسلام (أسسه رونالد ريغان)، ومعهد كارنغي، وصندوق وقف الجالية اليهودية في سارلو، وغيرها ممن تم تناوله وأجندته السياسية في مبحث أخر، خاصة بالنسبة لمؤسستي روكفلر وفورد...

وتضيف تلك المقالة: "لو تخيلنا عالماً مثالياً، تأتي فيه الأموال الحكومية، عاماً بعد عام، بدون أية شروط على الإطلاق، فهل يقود أشخاص غير حكوميين مجموعة الأزمات الدولية"؟! والجواب بالطبع هو النفي، بالنظر للسجل المهني لمعظم الأشخاص الذين يديرون "مجموعة الأزمات"، ومعظمهم من خلفيات حكومية مئة بالمئة، فإذا كانت لهم خبرة عملية في التعامل مع النزاعات، فإنهم على الأقل ليسوا ذوي خبرة في إجراء الأبحاث في أعم الأحوال، خاصة من النوع الجدي المعمق، ولذلك تأخذ "أبحاثهم" شكل تعليقات سياسية مطولة أكثر مما تأخذ شكل أبحاث، وفي مكتب واشنطن مثلاً، يضيف الكاتب، تجد موظفي "مجموعة الأزمات الدولية" وقد أتوا، بدون استثناء، من وزارة الخارجية الأمريكية، ومجلس الأمن القومي الأمريكي، ووكالة الإنماء الدولية التابعة للحكومة الأمريكية USAID، وهيئة السلام Peace Corps. وتمكن قراءة بقية تلك المقالة بالإنكليزية على الرابط التالي:

http://www.spinwatch.org/content/view/1043/9


التعلق بالاحتلال

عبد الستار قاسم

أرى أن أشد ما يثير الانتباه في كسر الحدود الافتراضية مع مصر ويدق نواقيس الخطر ويسم صفحات من التاريخ الفلسطيني والعربي هو تعلق فلسطينيين وعرب بالاحتلال الإسرائيلي وإصرارهم على التمسك باتفاق مع إسرائيل ولو كان ذلك على حساب فلسطينيين. من المذهل أن يشن فلسطينيون وعرب هجوما على الذين حطموا الحدود تحت ضغط الفاقة والمرض والحصار الشديد المطبق. كان ظن بعض الذين يظنون في الأنظمة العربية خيرا أن تصنع الأنظمة شيئا لإنقاذ غزة من الحصار، فإذا بالمرحلة التاريخية الموصوفة بالانحطاط العربي تنفذ حكمها في أهل غزة.

عندما قررت إسرائيل الخروج من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات خرجت صرخات من صفوف الشعب الفلسطيني ضد التفاوض مع إسرائيل بشأن المعابر. ما دامت إسرائيل قد قررت الخروج فعليها أن تحمل أمتعتها وتخرج، ومن واجب الفلسطينيين أن يحرصوا على كامل حريتهم في القطاع وفتح الحدود. أبت السلطة الفلسطينية أن تبقى بعيدة عن طاولة المفاوضات وأصرت على التفاوض بشأن معبر رفح. كانت النتيجة أن إسرائيل بقيت مسيطرة على حركة الفلسطينيين خروجا ودخولا من خلال الأجهزة الإليكترونية والأوروبيين، وأن الفلسطينيين زفوا لشعبهم بشرى وهمية بالسيطرة على المعبر.

كان التفاوض حول المعبر ضربة قوية للشعب الفلسطيني وآماله في طرد الاحتلال والتحرر، وكانت الاتفاقية بمثابة دعوة مجانية وكرمية لبقاء الاحتلال. كنت أنا من الذين كتبوا في حينه وقلت بأن لا أسف على الاحتلال ولتذهب إسرائيل إلى الجحيم وبدون قشة نجاة من الفلسطينيين. الآن تكتمل الصورة بأن السيد أبو مازن ومعه أنظمة عربية كثيرة تطالب بتطبيق اتفاق معبر رفح مع إسرائيل، أي بعودة إسرائيل إلى المعبر والعودة إلى تسلبمها المفاتيح. ويبدو أنه لا يوجد قائد عربي سواء كان أبو مازن أو مبارك يربط تطبيق اتفاق المعبر بتطبيق إسرائيل للقرار 194 أو 181. إذا كان أبو مازن وفيا للاتفاقيات فلماذا لا يطلب الوفاء بالقرارات الدولية التي يعتبرها من الشرعية الدولية؟

لن يكون من المستغرب أن يوافق السيد رئيس السلطة الفلسطينية غدا على تسليم ما يدعي اليهود بأنه قبر يوسف للإسرائيليين لأن الاتفاقيات تنص على بقاء القبر وقبته بيد إسرائيل. لقد قدم فلسطينيون تضحيات من أجل إخراج جنود إسرائيل من المدرسة الدينية التي كانت محيطة بالقبر، فهل سيتم الدوس على هذه التضحيات أيضا؟

ليس جديدا بالنسبة لي أن زعماء عربا يجدون في إسرائيل صديقة كما يجدون صداقة لهم في أمريكا. لكن الأمر فاقع الآن بحيث أن التحالف مع إسرائيل ضد قوى محلية وإقليمية يأخذ أشكالا علنية ويتم التحدث عنه في وسائل الإعلام بلا وجل أو خجل. وما هو مثير أن هناك قطاعات واسعة من الجمهور تؤيد هذه التوجهات العلنية نحو الاحتلال وبشعارات وطنية على رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. بعد كل هذه التجارب، هناك من الفلسطينيين من يظن أن طاولة المفاوضات ستأتيه بدولة مستقلة، وأن إسرائيل ستربط له القطاع بالضفة بطريق حر خدمة لهذه الدولة.

يبدو أن هناك مشكلة عميقة الجذور وهي أن بعض الفلسطينيين قد أصبحوا متعلقين بالاحتلال الإسرائيلي ويرون ضرورة التمسك به. هناك فلسطينيون يرون في إسرائيل وأمريكا مصدرا للنغنغة المالية والنفوذ، ومنهم من بات غريبا عن أجواء الحرية ولا يرى راحته إلا في أجواء الذل والإهانة. ومن منطلق عادات العرب في الاستقواء بالغريب ضد القريب، ربما يجد بعضهم أن الاحتلال يوفر غطاء الأمان. ربما على علماء هذه الأمة أن يبحثوا مطولا في هذه العادة العربية القبيحة التي لا تفرط بالاستعمار وترحب بالاحتلال. لماذا نحن العرب لا نتهاون بعداواتنا الداخلية بينما تنحني رقاب العديد منا للأعداء الخارجيين؟

كنا نتحدث قديما عن تحرير فلسطين شبرا شبرا، وندعي بأننا سنبارك تحرير أي جزء من فلسطين. يبدو الآن أن بعضنا لا يرى التحرير إلا من خلال الاحتلال، وفقط بمشاركة الاحتلال، وهم يرون أن فك ارتباط غزة بإسرائيل عبارة عن تقسيم للوطن الذي يعتبرونه فقط الضفة الغربية وقطاع غزة. إنهم يقولون بأن وحدة الوطن تتطلب بقاء غزة في كنف الاحتلال.

أخال بأننا بحاجة للعودة إلى رشدنا. ما نقوم به الآن عبارة عن استنزاف أخلاقي ووطني وإنساني للمواطنين، وإمعان في التمزيق الاجتماعي.

تحية لمهاجمي السفارة الصهيونية في موريتانيا

د. إبراهيم علوش

هل يمكن فصل الهجوم على السفارة الصهيونية في موريتانيا عن تصاعد المشاعر الشعبية العربية والإسلامية تضامناً مع مبادرة جماهير غزة بإسقاط الحدود المصطنعة مع مصر، بتشجيع أهلنا في مصر، وعن تصاعد الجرائم الصهيونية والرسمية العربية بحصار غزة، وفي بقية فلسطين المحتلة؟

بجميع الأحوال، يبقى الهجوم على السفارة الصهيونية في نواكشوط خطوة مباركة وريادية، وإن شاء الله ستتبعها خطوات أخرى أكثر فعالية حيثما يلوث الصهاينة أرض العروبة والإسلام. والضرب بهذا الاتجاه حيث أمكن هو البوصلة الصحيحة، وليس استهداف السياح الفرنسيين، إن كانوا سياحاً بالفعل، أو الدخول في معارك داخلية لا طائل منها، في ظل الاحتلال، مع فصائل وقواعد المقاومة في العراق مثلاً.

فبوركت الأيدي التي عبرت بخير عمل عن أطيب مشاعر الشارع الموريتاني والعربي والإسلامي، بعد أن استبشر خيراً بزوال نظام معاوية ولد الطايع في 3/8/2005، فإذ بالعلاقات مع العدو الصهيوني تستمر، مما يدل أن مؤسسة الحكم، ممثلة بالحزب الجمهوري الديموقراطي الاجتماعي الذي فرخه ولد الطايع، والذي بقي بعده حزباً حاكماً، بعد أن غير اسمه إلى "الحزب الجمهوري للديموقراطية والتجديد" في 31/10/2005، ثم عاد معظم أقوياء الحزب ليخرجوا منه ويخوضوا الانتخابات الموريتانية مستقلين في انتخابات عام 2006 "ليكونوا أهم القوى الموجودة الآن في الجمعية الوطنية وفي المجالس البلدية"، حسب موقع البي بي سي بالعربية في 23/12/2006.

وهكذا كانت عملية إنقاذ النظام من داخله عن طريق تجديد جلده بعدما غالى نظام معاوية ولد الطايع في قمع القوى السياسية من البعثيين إلى الإسلاميين إلى غيرهم، وبعدما حملت بعض فئات من السكان السلاح ضد النظام، وتزايدت النقمة في المؤسسة العسكرية والأمنية نفسها، وتعرض لأكثر من انقلاب عسكري كان الرابع بينها هو الذي أطاح بمعاوية ولد الطايع خلال وجوده بالسعودية أبان جنازة الملك فهد.

ويبدو أن الطرف الأمريكي-الصهيوني شعر بأن مكاسبه في موريتانيا غير مستقرة، فكان لا بد من إعادة إنتاجها بعباءة "ديموقراطية"، تماماً كما تفعل كثير من الدول العربية لعيون الدول المانحة ووسائل الإعلام العالمية والعربية... وكان ولد الطايع قد أقام العلاقات الديبلوماسية مع الكيان الصهيوني في شهر أوكتوبر / تشرين أول عام 1999، وجاء ذلك في ظل تفسخ ما يسمى "عملية السلام"، وتدهور العلاقات الرسمية العربية، خاصة مصر والسعودية، مع الكيان الصهيوني منذ وصل نتن ياهو إلى رئاسة الوزارة في الكيان الصهيوني عام 1996، وهو ما أدى إلى تجميد مسيرة التطبيع آنذاك دون التراجع عما تم إنجازه (إقرأ: التنازل عنه) حتى تلك اللحظة، ولكن مؤتمر "الشرق أوسطية" الرابع في الدوحة عام 1997 مثلاً تمت مقاطعته من قبل النظام الرسمي العربي ما عدا وفود السلطة الفلسطينية والأردن وقطر.

المهم، وصل أيهود باراك لرئاسة وزارة الكيان الصهيوني رسمياً في 6/7/1999، وبقي حتى 10/12/2000 عندما أسقطته انتفاضة الأقصى واحتجاجات أهلنا في فلسطين المحتلة عام 1948، وكان باراك قد وصل الحكم ضعيفاً في انتخابات عام 1999 التي ترشح فيها أيضاً لرئاسة وزارة دولة العدو الصهيوني المناضل الفذ عزمي بشارة، لكنه سحب ترشيحه قبل يوم الانتخابات... وفي ظل ذلك الجو الذي تصاعدت فيه المقاومة اللبنانية، وتزايد فيه الدور السوري في السياسة العربية، وتصدعت العلاقات المصرية-الصهيونية، وانكشف النظام الرسمي العربي أمام مشاريع "الدمقرطة" الأمريكية والتفكيك الطائفي والعرقي تحت عنوان حقوق الأقليات، تقدم معاوية ولد الطايع من خارج الجغرافيا السياسية في أوكتوبر عام 1999 ليعلن إقامة علاقات ديبلوماسية على مستوى السفراء مع العدو الصهيوني!

وكانت علاقاته قد ساءت مع فرنسا وفقد دعمها وغطاءها بسبب اعتقالها لأحد أعمدة نظام ولد الطايع بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، عندما اعتقلت النقيب علي ولد الداده في يونيو / حزيران 1999 بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، شعر نظام ولد الطايع بالتهديد، واتخذ مجموعة من الإجراءات ضد الفرنسيين مثل طرد الخبراء العسكريين الفرنسيين وفرض تأشيرة دخول على جميع الفرنسيين الراغبين بدخول البلاد، مما زاد من شعبية معاوية ولد الطايع في البداية بين الموريتانيين الذين اكتووا بنار التبعية لفرنسا عقوداً مديدة، حسب مقالة لمحمد بن المختار الشنقيطي في الجزيرة نت.

ومن هنا جاء الهروب من فرنسا إلى حضن الطرف الأمريكي-الصهيوني نتاجاً لحسابات تتعلق أساساً بتمديد عمر النظام فحسب، أي حسابات داخلية تماماً، بالرغم من الهراء الذي أطلقه نظام ولد الطايع عن "توظيف علاقاته مع إسرائيل لمصلحة الفلسطينيين"، ولا بد أن هذه المعزوفة المهترئة قد تعلمها النظام الموريتاني في الأردن، حيث أن وزير الخارجية الموريتاني السابق، وسفير موريتانيا في الأردن عام 1999، محمد سالم ولد الأكحل كان هو الذي أدار الاتصالات السرية الموريتانية-الصهيونية في نهاية التسعينات بعد انهيار علاقة النظام مع فرنسا.

المهم، ليس النظام الموريتاني من دول الطوق، ولا يستطيع أن يزعم حتى أن تعب من عبء المواجهة مع العدو الصهيوني كما فعل غيره، مع العلم أن كل يوم يمر يثبت بأن عبء الاستسلام أكبر من عبء المواجهة. وليس له أي مبرر لإقامة العلاقات مع العدو الصهيوني وهي مرفوضة في الشارع الموريتاني، وبالنسبة للعرب والمسلمين، لولا ضرورات استمرار نظام يفتقد لأي دعم داخلي وخارجي حقيقي. ولكن ما حصل لنظام معاوية ولد الطايع يثبت بأن الطرف الأمريكي-الصهيوني لا أمان له، وأنه غير معني إلا بتحقيق أفضل الشروط لاستمرار هيمنته، وبالتالي فهو غير معني لا بمعاوية ولد الطايع ولا بغيره، حتى لو كان هو الذي فتح له الباب بيده ليحقق اختراقاً تطبيعياً، فما بالك إذا كان النفط قد تم اكتشافه في موريتانيا، وتعززت بالتالي أهمية تحقيق استقرار هيمنة الطرف الأمريكي-الصهيوني؟ عندها لا بد من التخلص من ولد الطايع لكي لا يطير الطرف الأمريكي-الصهيوني معه إذا طار... وتطير مصالحه السياسية والأمنية والنفطية.

أخيراً، مسألة تجاوز الثوابت، وإقامة العلاقات التطبيعية، والتبعية للطرف الأمريكي-الصهيوني، ليس فيها رأي ولا وجهة نظر ولا تخضع لنقاش، لأن الخيانة ليست وجهة نظر، ولذلك نقول: بوركت الأيدي التي هاجمت السفارة الصهيونية في نواكشوط.

فيلم مايكل مور Sicko: نقد للنظام الأمريكي ومديح لمعتقل غوانتنامو!

http://www.freearabvoice.org/arabi/maqalat/Sicko.htm

د. إبراهيم علوش

اشتهر مايكل مور بأفلامه الوثائقية اللاذعة والناقدة للنخبة الحاكمة في الولايات المتحدة، وكان أشهرها على الإطلاق طبعاً فيلم فهرينهايت 11/9 حول أحداث الحادي عشر من سبتمر، الصادر رسمياً في 25/6/2004، وهو يعتبر أشهر فيلم وثائقي في تاريخ صناعة الأفلام، وصلت عائداته إلى مئتي مليون دولار حسب أحد المصادر، و220 مليوناً حسب مصدر أخر، منها 120 مليوناً في الولايات المتحدة والباقي خارجها، وهو رقم لم يصله فيلم وثائقي أبداً، ناهيك عن حصوله على جائزة "سعف النحيل" الذهبية في مهرجان "كان" للأفلام، مع أنه لم يُرشح لأية جوائز أوسكار في الولايات المتحدة حيث يعيش ويعمل مخرج الفيلم مايكل مور، ومع أن شركة ديزني للأفلام، منتج الفيلم، حاولت منع توزيعه، حتى اشترت حقوقه شركة أفلام أخرى.

وفيلم فهرينهايت 11/9 ينتقد نفاق وعدم كفاءة إدارة الرئيس بوش الابن بقسوة، ويعري "الحرب على الإرهاب" وحجج العدوان على العراق، ولكنه يتجاهل تماماً دور اللوبي اليهودي/الصهيوني في الولايات المتحدة في التحريض على العدوان على العراق، مركزاً عوضاً عن ذلك على العلاقة المالية والتجارية ما بين عائلة بوش وعائلة بن لادن.

وكان مايكل مور قد أخرج عدداً من الأفلام الوثائقية قبل فهرينهايت 11/9، منها مثلاً Bowling for Columbine الصادر رسمياً في 11/10/2002، وهو فيلم ينتقد ثقافة العنف اليومي واقتناء السلاح الفردي في الولايات المتحدة الأمريكية، مع العلم أن حق اقتناء السلاح الفردي من أهم مواضيع الصراع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، حيث يصطف الجمهوريون ولوبيات السلاح مع هذا الحق، ويصطف الديموقراطيون في معظمهم، وليس كلهم، واليساريون، ضده.

وقبلها أخرج مايكل مور فيلماً وثائقياً بعنوان The Big One يهاجم فيه طرد مئات آلاف العمال من وظائفهم في شركات تحقق أرباحاً مهولة، وقد صدر هذا الفيلم عام 1997، وركز على شركة Nike التي نقلت مصانعها من أمريكا إلى أندونيسيا، حيث العمالة أرخص.

ولمور بنفس التوجه فيلمٌ وثائقيٌ أخر صدر عام 1989 عما جرى في بلدته فلينت Flint، في ولاية ميشيغن الأمريكية، عندما أغلقت شركة جنرال موتورز GM مصانعها هناك ورحلت إلى المكسيك، مخلفة البطالة والخراب خلفها، وهذا الفيلم هو فيلم مايكل مور الأول، ويحمل عنوان Roger and Me، أي "روجر وأنا"، نسبة إلى الاسم الأول للسيد روجر سميث رئيس مجلس إدارة شركة جنرال موتورز وقتها. وهو فيلم يهاجم فيه مايكل مور بحدة وجهة النظر الليبرالية الجديدة في العولمة، وعواقبها على الناس والعمال والبيئة.

أما الفيلم الوحيد غير الوثائقي الذي أخرجه مايكل مور، فصدر عام 1995، وهو Canadian Bacon أو "لحم مقدد كندي"، وهو بنفس التوجه اللاذع، عن رئيس أمريكي خيالي يعلن الحرب على كندا المجاورة.

ولا يعتبر مايكل مور نفسه يسارياً، مع أنه يُصنف كذلك، بل هو أقرب في الواقع إلى الليبرالية كما يصنف نفسه، زائد حس اجتماعي مرهف لا يتسق مع الليبرالية. وعملياً يقع في المشهد السياسي الأمريكي في أقصى يسار الحزب الديموقراطي، وقد جاء فيلمه Sicko الصادر رسمياً في صيف عام 2007، في 22/6/2007 بالتحديد، مباشرة بعد فيلم فهرينهايت 11/9، جزءاً لا يتجزأ من نقد النخبة السياسية الحاكمة والنظام الأمريكي في أفلام مور السابقة.

وفيلم Sicko يعالج بنفس الأسلوب الساخر مشكلة سيطرة شركات التأمين والأدوية على نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية، مظهراً أن الجمهوريين أساساً وبعض الديموقراطيين، منهم هيلاري كلينتون، سمحوا بإعطاء أرباح الشركات أولوية أكبر من صحة الناس، وتركوا نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة يتدهور حتى بات: 1) يترك عشرات الملايين من الأمريكيين بلا تأمين صحي، أو أي شكل من أشكال الرعاية الطبية إلا على نفقتهم الخاصة، 2) يترك ثغرات قانونية في نظام الرعاية الصحية يسمح للشركات أن تمتنع عن تغطية علاج الكثير من الحالات العادية المؤمنة صحياً، من أجل تقليل الكلفة، حتى عندما يتعلق الأمر بأمراض أو حالات تهدد حياة المريض المؤمن صحياً، 3) يعتبر أكثر نظام رعاية صحي متخلف ليس فقط بين الدول المتقدمة، ولكن أيضاً مقارنةً بدولة مثل كوبا المجاورة يتمتع شعبها بالرعاية الصحية المجانية.

وللتأكيد على كل نقطة من النقاط السابقة، كان مايكل مور يعرض مقابلات مع أشخاص حقيقيين، بعضهم توفي بسبب منع الرعاية الصحية عنه، في أغنى دولة في العالم. ومن الأمثلة الأخرى هنا، قصة واقعية عن رجل أمريكي قطع أصبعان له وهو يعمل على آلة، ولم يكن يتمتع بالتأمين الصحي، فقيل له في المستشفى ما معناه: "إعادة تركيب الأصبع الصغير يكلفك اثني عشر ألف دولار، أما الكبير فإعادة تركيبه ستكلفك ستين ألف دولار"!! ولأن الرجل لم يكن مؤمناً صحياً، ولم يكن يملك المال، فقد بذل وعائلته جهوداً ضخمة للحصول على اثني عشر ألف دولار وركب الأصبع الصغير وترك الأخر مقطوعاً!!

ومن هنا جاء اسم الفيلم Sicko وهي كلمة عامية أمريكية مشتقة من كلمة Sick أي مريض، باستثناء أنها تقال في أحاديث الأمريكيين اليومية للتعبير عن الاختلال العقلي والنفسي، وقد استخدمها مور لوصف نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية المفترض أنه سيعالج المرض، وهي غير كلمة psycho، أو سايكو بالعربية.

وقد فعل مايكل مور الشيء نفسه بالمناسبة مع عنوان فيلم فهرينهايت 11/9، وهو يوحي بدرجة حرارة مرتفعة جداً تؤدي للذوبان، كما حدث للبرجين يوم 11 سبتمبر، ولكن الاسم بالأساس مأخوذ من رواية خيال علمي صدرت عام 1953 بعنوان "فهرينهايت 451" عن مستقبل مظلم تمنع فيه الكتب، ويقمع الفكر النقدي، ويصبح فيه الناس غير اجتماعيين وطلاباً للمتعة فحسب. والرقم "451" هو درجة الحرارة في مقياس فهرينهايت التي يحترق عندها الورق، أو الكتب، وقد تحولت الرواية إلى فيلم بنفس العنوان عام 1966، ويقول أحد المواقع على الإنترنت أن نسخة جديدة من نفس الفيلم سوف تطلق عام 2008.

وعودة إلى فيلم Sicko، فقد كلف حوالي تسعة ملايين دولار، وحقق عائدات مقدراها نصف هذا المبلغ في أول يومين أطلق فيها في بعض دور العرض الأمريكية، بالرغم من القيود عليه، فأصبح بذلك ثاني أشهر فيلم وثائقي في تاريخ السينما الوثائقية، بعد فهرينهايت 11/9 طبعا! ومن الواضح طبعاً أن كثرة العائدات تعني كثرة المشاهدين، وما زال الوقت مبكراً طبعاً لتحديد عائدات الأشهر الأربعة أو الستة الأولى التي لم تمضِ بعد.

ويكشف مور في فيلمه Sicko، من خلال الزيارات الميدانية لمستشفيات وأطباء ومواطنين في كندا وبريطانيا وفرنسا، أن المواطنين الغربيين في كل العالم يتمتعون برعاية صحية أفضل بما لا يقاس من المواطن الأمريكي، وأن سبب ذلك الفرق هو جشع الشركات وتواطؤ السياسيين من الحزبين معها.

ولكن السقطة التي يقع فيها مور في الفيلم، وهي نفسها الزاوية الميتة للكثير من الغربيين الذين ينتقدون أنظمتهم بمرارة، تبقى العرب والمسلمين... ففي سعي مور لتحريض المواطن الأمريكي على من يأكلون حقوقه، يأخذ معه إلى كوبا مجموعة من الأمريكيين الذين تطوعوا في نيويورك بعد أحداث 11 سبتمبر لإزالة الركام والبحث عن المفقودين والجثامين. وكان هؤلاء قد أصيبوا بأمراض مستعصية أو مزمنة نتيجة عملهم المطول (التطوعي) بين ركام البرجين، فرفض النظام الصحي الأمريكي معالجتهم، وتركوا يعانون. المهم، يأخذهم مور إلى كوبا بالسفينة على مقربة من معتقل غوانتنامو لتتم معالجتهم هناك. وهذا المفصل هو الأسوأ في الفيلم، حيث يظهر مور المعتقل بأنه مكان مريح يتمتع فيه "الإرهابيون" بعناية صحية مجانية أفضل من تلك التي يحصل عليها المواطن الأمريكي في بلده، ويظهر مور بعض المعتقلين في غوانتنامو يلعبون كرة القدم، وزنازين كغرف الفنادق يلعب فيها الهواء العليل والشمس الساطعة! ويطلب مور، بالسماعة، على مقربة من المعتقل، من المشرفين عليه، أن يأخذوا الأمريكيين الذين معه ليعالجوهم أسوةً بالمسجونين غير الأمريكيين عندهم الذين يتم علاجهم على حساب دافع الضرائب الأمريكي....

وهنا لا يشط مور عن الحقيقة في وصف ظروف الاعتقال في غوانتنامو فحسب، بل يقدم خدمة مجانية لإدارة الرئيس بوش الصغير بعدما عانت سمعتها الأمرين نتيجة ممارساتها في غوانتنامو وأبو غريب... وكان الحري بمايكل مور أن يتحدث عن التعذيب الجسدي والنفسي الذي يتعرض له سجناء أبو غريب، والحرمان من الحقوق، والاعتقال على مدى سنوات بدون وجه حق أو محاكمة، وكل ذلك.

المهم، يأخذ مور الأمريكيين الذين أتوا معه إلى كوبا، التي يوضح مور عداءه لنظامها، لكي تتم معالجتهم مجاناً هناك، أسوةً بأي مواطن كوبي، وليحصلوا على الدواء مجاناً عملياً أو مقابل فتات.

النتيجة، أرسلت وزارة المالية الأمريكية رسالة لمكتبه تبلغه فيها أنها انتهك قانون حظر التعامل مع كوبا، ويقول موقع على الإنترنت أنه ربما يتعرض لملاحقة من جراء ذلك، ولكن هذا فيلم أخر...

فيلم الملوك الثلاثة: جورج كلوني وغطرسة القوة الأمريكية قبل احتلال العراق

د. إبراهيم علوش

قبيل الذكرى الأولى لاغتيال الرئيس الشهيد صدام حسين، أعادت قناة دبي الفضائية عرض فيلم "الملوك الثلاثة" Three Kings من بطولة الممثل المشهور جورج كلوني، وهو فيلم تدور أحداثه حول عملية سرقة ينظمها عددٌ من الجنود الأمريكيين للذهب الكويتي الذي زعموا أن الجيش العراقي أخذه عام 1990 لإحدى مدن جنوب العراق. وقد أطلق الفيلم رسمياً في 1/10/1999، وبالتأكيد لم يكن توقيت إعادة عرضه على قناة دبي صدفة قبيل الذكرى الأولى لاستشهاد صدام حسين بأيام، وقبل تلك الذكرى بثلاثة أسابيع تقريباً، في 9/12/2007 بالتحديد، كان جورج كلوني يفتتح الدورة الرابعة لمهرجان دبي السينمائي الدولي، بحضور عدد كبير من الممثلين المشهورين العرب والأجانب، وعندما كان عريف الحفل يقدم كلوني، كان التصفيق يعلو بشكل مفتعل كلما ذكر فيلم "الملوك الثلاثة"!

لذا، كان لا بد من العودة للفيلم ومن نقده، خاصة أن كلوني عرف عنه عداءه لسياسات جورج بوش. ولكنه عام 98 لم يكن ممثلاً سينمائياً مشهوراً، بل كان معروفاً في التلفزيون، ولذلك قفز على فرصة تمثيل فيلم الملوك الثلاثة قفزاً، ولو من فوق قناعاته.

وقبل تحطيم المقاومة العراقية لغطرسة القوة الأمريكية، كان نموذج أفلام الكابوي الأمريكية التي تسحق فيها حفنة من الجنود الأمريكيين جيوشاً بأكملها، تلك الأفلام التي تتعامل مع العرب والمسلمين بازدراء واستخفافٍ تكرسا في صور نمطية ذات بعد إمبريالي بالضرورة، وهذه "الحقيقة الموازية"، التي تسقيها هوليوود ووسائل الإعلام العالمية للأمريكيين وشعوب الأرض، وللعرب أنفسهم، كانت الزيف المتعالي الذي غشي فيلم "الملوك الثلاثة"، فأزالته خسائر الأمريكيين وممارساتهم في العراق. ولكن يبدو أن بعض العرب ما فتئوا يصرون على تكريس تلك الصورة النمطية، ولو على حساب أنفسهم، فقط بسبب عدائهم للقيادة العراقية وللمقاومة العراقية!

ونلاحظ أن الأفلام التي تتناول العراق اليوم باتت تركز على معاناة الجنود الأمريكيين أكثر من السابق، ولم تعد تتعامل مع الميدان العراقي كنزهة صيد بري بلا خسائر. وكان الإعلام الأمريكي عشية احتلال بغداد في 9/4/2003 يجري مقابلات مع جنود أمريكيين يتذمرون بأنهم لم تتح لهم الفرصة للمشاركة بالمعارك. والآن طبعاً لم يعد أحد منهم يتذمر أبداً لهذا السبب! وكانت شركة ورنر برزارذ التي أنتجت الفيلم قد قررت عام 2004 أن تعيد إطلاق فيلم "الملوك الثلاثة" في دور العرض وعلى الدي في دي بعد حرب العراق لأنها اعتبرت أن الحرب جعلت من مادته أكثر قيمة، وبالنظر لطبيعة المادة المؤيدة للحرب والداعية لإسقاط صدام حسين، فإن الاستنتاج الواضح هنا هو أن هوليوود تلعب دوراً سياسياً تعبوياً مباشراً في التحريض على العدوان والحروب الإمبريالية في الكثير من الأحيان، ولو وجدت بعض الأفلام الناقدة بشكل محسوب جيداً للحروب الخارجية. وفي هذه الحالة، يتبنى الفيلم موقفاً تحريضياً طائفياً بشكل مباشر، حيث يعتبر أن رسالته هي طرح قضية اضطهاد الشيعة في جنوب العراق، وتدخل الجنود الأمريكيين للدفاع عنهم، وفي خضم ذلك، يقدم الفيلم الخطاب الطائفي التحريضي بشكل علني ومباشر.

وقد كلف الفيلم 48 مليون دولاراً، وبلغت عائداته حوالي 150 مليون دولار في أمريكا الشمالية فقط، وقد تم تصويره في صحارى كاليفورنيا واريزونا والمكسيك، أما مخرج فيلم "الملوك الثلاثة" فاسمه ديفيد رسل David Russell، وهو يحمل شهادة بالعلوم السياسية واللغة الإنكليزية، وأبوه يهودي وأمه كاثوليكية، أما عنوان الفيلم، الملوك الثلاثة، فمأخوذ من إحدى التراتيل عن ميلاد السيد المسيح عن "الحكماء الثلاثة" الذين قدموا إليه من الشرق بعد ميلاده عليه السلام، وإحدى تراتيل عيد الميلاد بالإنكليزية تحمل عنوان "نحن ملوك الشرق الثلاثة"، والصلة الوحيدة لهذا العنوان بالفيلم هو قول أحد "أبطاله"، بعد اكتشافهم المزعوم لخريطة تدل على مكان الذهب الكويتي في العراق: "نحن الملوك الثلاثة سنسرق الذهب..."، في تهكمٍ واضحٍ يفترض أنه "خفة دم"! فأبطال الفيلم من الجنود الأمريكيين أربعة لا ثلاثة...

والفيلم يبدأ أساساً بعملية قتل لجندي عراقي يرفع العلم الأبيض لأن أحد الجنود الأمريكيين قال أنه يخفي رشاشاً. ليست مشكلة طبعاً! لا أحد يعاقب أو يُسأل هنا. وبعدها يبدأ اعتقال الجنود والضباط العراقيين بطريقة مهينة، ليتم اكتشاف خريطة سرية مخبئة في جسد أحد الضباط العراقيين في مكان خاص. وتقع الخريطة بيد ثلاثة من الجنود وضباط الصف الأمريكيين الذين يحاولون فهم ما تعنيه حتى يأتي جورج كلوني، الذي يلعب في الفيلم دور رائد في القوات الخاصة، فيقنع الثلاثة الذين وجدوا الخريطة أنها الطريق للذهب الكويتي، وأن الأفضل أن يخفوا أمرها عن القيادة حتى يصلوا للذهب ويسرقوه لأنفسهم. وهكذا يتم تكريس فكرة نهب الكويت بقرار رسمي من العراق في صيف عام 1990... وبالمقابل، يتم تصوير أي تجاوز من قبل الجيش الأمريكي باعتباره تجاوزاً فردياً لا علاقة للجيش الأمريكي به، وهو الأمر الذي انكشفت حقيقته بجلاء في أبو غريب وكل ممارسات الاحتلال في العراق.

المهم يقرر الأربعة الذهاب إلى داخل العراق لسرقة الذهب، في ظل وقف إطلاق النار الذي ساد بعد حرب الخليج عام 1991، وهنا تبدأ أحداث الفيلم لتتجلى عقدته الدرامية من خلال الحس الأخلاقي للجنود الأربعة الذين يقررون سرقة الذهب...! جورج بوش الأب كان قد دعا العراقيين للتمرد على القيادة العراقية، وتذهب الرواية الرسمية بعد ذلك إلى أنه خذلهم بعدما تجاوبوا معه وقاموا بالتمرد فعلاً، مما عرضهم للتنكيل من قبل صدام حسين. وعلى خلفية الصراع في جنوب العراق بين "المتمردين" وبين الحرس الجمهوري، يدخل كلوني وفرقته ليسرقوا الذهب من التحصينات التي شيدها الجيش العراقي تحت الأرض. وكأنها سرقة مشروعة باعتبارها سرقة من سارق، أليس كذلك؟ والجيش العراقي لا يمانع لأن همه هو قمع التمرد فحسب. ولكن السارقين الأربعة يقعون هنا في مأزق أخلاقي ومعنوي كبير يمثل حجر الرحى الذي تقوم عليه كل البنية الدرامية للفيلم: هل يسرقون الذهب ويهربون، أم يتركون المدنيين والمتمردين العراقيين في المدينة التي دخلوها يتعرضون لبطش جنود صدام؟

وينحاز السارقون الأربعة لحسهم الأخلاقي طبعاً، ويساعدهم المتمردون على تهريب الذهب، ويساعدون المتمردين وعائلاتهم على الهرب للحدود الإيرانية، فيربح الجميع وينال ما يريده إلا صدام وجنوده، ويصور الجنود العراقيون كعساكر غير كفوئين، وهناك مشهد كامل يتعلق بجنود عراقيين فارين من القتال، إلا اثنين من بين عشرات، وخلال ذلك يُقتل من الأمريكيين الأربعة جندي ويصاب أخر في سياق القتال مع الحرس الجمهوري، ولكنهم يصورون كأي كاوبوي أمريكي في مواجهة شعوب العالم الثالث يقضي على جنود العدو بإشارة من أصبعه، فيقتلون عشرات بدون عناء، ويقوم أحد الجنود الأمريكيين بتدمير طائرة مروحية عراقية بإطلاق لعبة يد يحمِّلها بالمتفجرات، بينما يصور الجنود العراقيون كالعادة كمجرمين يرتكبون الفظائع بحق المدنيين العراقيين، وبحق أسير أمريكي يقع بين أيديهم، بينما يصفح الأسير الأمريكي عن الضابط العراقي الذي عذبه عندما يقع بين يديه...

ويتصل الرائد جورج كلوني بالقاعدة العسكرية ويطلب شاحنات، بصورة غير رسمية، عارضاً مئة ألف دولار على كل سائق شاحنة، ويعطي كل متمرد من الجنوب بقي معه لوحاً من الذهب، وفي النهاية، عندما يصل الرائد جورج كلوني وما تبقى من جنوده، مع المتمردين العراقيين وعائلاتهم إلى الحدود الإيرانية، يوقفهم الجيش الأمريكي، ويعتقلهم، فيعرض ما تبقى معه من الذهب الذي سرقه على الأمريكيين، في لفتة أخلاقية منقطعة النظير، لكي يسمحوا بمرور اللاجئين العراقيين إلى إيران!!

ويبرأ كلوني ومن معه من التهم الموجهة إليهم بفضل التقارير الإخبارية للمراسلة الإعلامية أدريانا كروز التي كان الرائد كلوني على علاقة معها منذ بداية الفيلم، ولعل ذلك يظهر أيضاً أن التأثيرات الإعلامية من الجيش تأتي بفضل مبادرات فردية أيضاً، وليس كسياسة منهجية، وهو ما ثبت عكسه أيضاً عندما انتشرت قصة "المراسلين المزروعين" مع القوات الأمريكية التي هاجمت العراق.

الثلاثاء، شباط ٠٥، ٢٠٠٨

FILM CRITICISM: The Battle For Haditha

A British Attempt to Mimic Hollywood War Movies with a Pretentious Humanitarian Flavor


Dr. Ibrahim Alloush

A humanist perspective theoretically encompasses a wider scope than a nationalist dimension. However, when the humanitarian perspective becomes a cover for humanizing the invader in Iraq or Palestine independently of politics, it changes into an arrogant, orientalist mechanism of reducing the Arab cause to a form of shallow humanitarian advocacy at best, and political misguidance based on conflation of henchman and victim at worst.

The Hussain Cultural Center in Ras Al-Ayn in Amman, Jordan, displayed the movie The Battle For Haditha, by British director Nicholas Broomfield on the evening of Saturday, December 15, 2007. The movie had not yet been released in North America and Europe, with the exception of Spain which showed the movie on December 14, 2007, according to the various websites. The movie will not be released in France and Britain until February 2008. Various film festivals showed the movie in Toronto, Canada; London and San Sebastian, Spain, where it won the Silver Shell award.

The Hussain Cultural Center played the movie (without Arabic translation) on December 15, 2007, before its official release in theatres internationally, because it was filmed in Jarash, Jordan. Hence, the director Nick Broomfield and a number of actors were available at the Hussain Cultural Center where Broomfield spoke, thanking Jordan.

Nick Broomfield gained widespread fame as a documentary film director. He established this particular model in filmmaking, which is taught in colleges and schools of theatre. Some of the most famous documentary film directors subscribe to this filmmaking model, including Michael Moore, Louis Theroux, and Morgan Spurlock. The Broomfield school of thought refuses to treat a documentary as a cold reflection of reality. Rather, it aims to convey the filmmaker’s point of view, considering that reality is subjective and malleable according to various interpretations. Nick Broomfield also introduced to documentary filmmaking the idea of taking the audience behind the scenes to expose its creation process, including failed attempts at interviews or dead ends or even showing the director and photographer’s faces and movements. Michael Moore’s movies typically exemplify these film strategies.

However, The Battle For Haditha, is not a documentary movie. Instead, it is the second non-documentary film by Nick Broomfield, after Ghosts. The Battle For Haditha has no written script, only a general plan for the viewer. By keeping the scenes open to likely possibilities, The Battle For Haditha seeks to construct a dramatic plot around the Marines’ massacre of Iraqi civilians in Haditha on November 19, 2005. The background of this massacre was the killing of one of the Marines and the wounding of two others by an explosive that targeted their convoy. This compelled their cohorts to barge into adjacent houses and slaughter 24 innocent Iraqi civilians, among them women and children who were killed in their own houses. The story surfaced several months later, and American Forces reluctantly pressed charges against four of the Marines for committing the massacre. The most serious charge of first degree murder was dropped from all defendants in spite of the fact that the trials are still ongoing as of the date of this writing.

Nick Broomfield borrowed from the documentary movie tradition to his dramatic movies so they seem more realistic. Specifically, he uses more dialogue scenes than battle scenes, which is the usual standard for war movies. His actors are largely unknown, and some were Iraqi citizens who had fled to Jordan from Haditha. Broomfield assigned the protagonist roles to actual Marines who had fought in Iraq, some of whom were present at the Hussain Cultural Center, which gave the dramatic movie another realistic touch of chaos and spontaneity.

The movie's politically naive and “humanitarian” message, which is suspicious if we look beyond supposed good intentions, is delivered on three different wavelengths simultaneously. The movie presents perspectives of three groups 1) the Marines in Iraq; 2) the Iraqi civilians in Haditha; 3) the resistance or “terrorists”. In each of the three, Nick Broomfield attempts to present the scene through the prism of the particular beholder.

Marines in Iraq: according to Broomfield, the Marines are merely victims. While this is the most dangerous message in the movie, it fits in perfectly with the left liberal current, especially in the United States, which carries a contradictory slogan about the war on Iraq, such as “Oppose the war, support the troops and bring them home!”

In reality, Nick Broomfield gives maximum exposure to “the Marines’ suffering”, the victims of politicians and political decisions who are targeted at all times. The Marines are stressed because they are subject to the politicians’ abandonment and crumbs of pity if they resign from the military due to injury from battle. So they become out of control and end up committing massacres, but that should be understandable because they feel guilty afterwards and they even incur psychological problems and sometimes they cry! So they are the victims, not the enemies! The most pathetic scene in the movie is perhaps the last one in which the commander of the battalion that committed the massacre holds an Iraqi girl’s hand and walks towards the light, exiting the dark house, after he and his buddies killed her entire family!

We cannot accept these false messages based on propaganda under the excuse that the director made the movie for a Western audience. The movie treats an Arab cause and should therefore be evaluated by Arab standards primarily. A Western, not an Arab audience needs understanding of that cause.

Some elements in the West attacked Nick Broomfield’s movie. There is an entire website devoted to criticism of the movie. It contains letters from American current and ex-soldiers in Iraq who didn’t like the movie’s dramatic spin which “presumes” that a massacre did in fact take place in Haditha. The plot, according to this website, should have explored whether or not soldiers committed a massacre, especially since military courts, known as Section 32, have not yet found any of the defendants guilty!

Haditha’s Residents: Haditha’s residents are victims of the resistance who threaten them with death if they do not cooperate, and victims of the Marines who commit massacres and attacks. For example, the first part of the movie shows the corpse of an English language teacher who the main resistance fighter says was killed by al-Qaeda. He does not mention reasons for his death, which gives the implication that he was killed only because he knows English. In addition, the Iraqi people are portrayed as cooperating with the resistance because of fear only, not patriotism or religion or the desire to resist the occupation. The movie also portrays the Iraqi people as facing the Marines’ attacks, arrest and arbitrary killing in the streets as victims of the Jihadist ideology embodied by Al-Qaeda or the sheikh whom Haditha residents consult. They are victims not only literally, but also victims of a specific kind of political or religious discourse.

After the massacre we see women at a funeral calling on Arab and European countries to find a solution to Iraq’s problems! The youth, on the other hand, were victims of the sheikh’s (a spiritual leader) speeches on the necessity of resistance and revenge. It is noteworthy here that according to a western audience’s perspective, the Iraqi resistance seems as a reaction to Marines’ mistakes. The movie implicitly requests an understanding of this interpretation. But in reality, the resistance is not the result of errors or miscalculations. To portray it in such terms is incorrect. Instead, resistance is a legitimate right and a duty that stems from the occupier’s very existence, even if the occupier does not commit a single mistake.

The Resistance: there are two types of resistance. The first type is the main resistance fighter, who is an Iraqi ex-officer, Ahmad, who plants an explosive that destroys the Marines’ convoy. Ahmad is a young Iraqi man whom he successfully recruits to the resistance due to his obsession with the war movies he sells and rents. The movie presents Ahmad as an ex-soldier entering old age who drinks alcohol and receives five hundred dollars in return for planting the explosive. He decides to resist only after Paul Bremer, the US occupation’s administrator, dissolves the Iraqi army. Later, Ahmad regrets planting the explosive after seeing that it led to the civilians’ massacre. Ahmad also introduces us to the second type of resistance fighter, “the ones who killed the English teacher.” This second type gives Ahmad five hundred dollars to plant the explosive “as a material reward, not to mention the reward in the hereafter,” then they threaten to harm him if he drinks! At this point, the ideologically-driven resistance fighter becomes the Iraqi counterpart to the Western politicians who decided to wage the war. Both Iraqi and Western decision-makers use other bodies to advance their respective agendas. The movie portrays Haditha’s leader, Mr. Nabil Kuni, as a malicious character who watches the massacre and orders to videotape it so he can use it for propaganda purposes.

Undeniably, the movie’s message is tricky: it is in an effort to exonerate the Marines in Iraq and the non-ideological resistance; present the residents as aimless barn animals ready for slaughter; and to indict major politicians in the West and ideologists in the East. Ultimately, it is a liberal message and stems from lack of comprehension of the ongoing battle between the occupation and the resistance on Iraq’s soil.

It is naturally difficult for those who do not understand our land, culture and heritage and its language to understand the essence of its ongoing battles. I attempted to draw the director’s attention to that fact after the movie ended: “Mr. Broomfield, in the scene where the Marines’ battalion enters Haditha (Jarash), you forgot to remove from the clip a Jordanian government sign that appeared behind them that said “The Hashemite Kingdom of Jordan”!

The director was very surprised!!

فيلم "معركة حديثة": محاولة بريطانية لتقليد أفلام هوليود الحربية بنكهة إنسانية مفتعلة

د. إبراهيم علوش

نظرياً، يفترض بالبعد الإنساني أن يكون أوسع من البعد الوطني أو القومي. ولكن عندما يصبح البعد الإنساني مدخلاً "لأنسنة الغزاة"، في العراق أو في فلسطين، فإن الشعور الإنساني المحض، المنفصل عن السياسة، يصير مدخلاً إستشراقياً متغطرساً لاختزال القضايا العربية لشكلٍ من أشكال التبشير والسطحية الإنسانوية في أحسن الأحوال، أو لشكلٍ من التضليل السياسي القائم على الخلط بين الجلاد والضحية في أسوأها.

فيلم "معركة حديثة" The Battle of Haditha لمخرجه البريطاني نيكولاس بروومفيلد تم عرضه في مركز الحسين الثقافي في رأس العين في عمان ليلة السبت الموافق في 15/12/2007. وحتى ذلك التاريخ، لم يكن الفيلم قد أطلق رسمياً بعد في أمريكا الشمالية وأوروبا، مع عدا إسبانيا التي أطلق فيها الفيلم رسمياً في 14/12/2007 كما تقول مواقعُ على النت، ولن يطلق الفيلم رسمياً في فرنسا وبريطانيا حتى شهر شباط/فبراير 2008. وقد سبق عرض الفيلم في مهرجانات للأفلام السينمائية في تورنتو في كندا وسان سباستيان في اسبانيا، حيث نال جائزة "الصدفة الفضية"، وفي مهرجان لندن للأفلام السينمائية.

أما سبب عرض الفيلم (بنسخة غير مترجمة للعربية) في مركز الحسين الثقافي في 15/12/2007، قبل إطلاقه رسمياً في دور العرض عالمياً، فهو أن الفيلم قد تم تصويره في جرش في الأردن، ولذلك كان مخرج الفيلم نك بروومفيلد، وعددٌ من ممثليه، موجودين في مركز الحسين الثقافي حيث قدم العرض بكلمة منه، شكر فيها الأردن.

المخرج نِك بروومفيلد اكتسب شهرة عظيمة كمخرج للأفلام الوثائقية، وهو صاحب مدرسة في هذا المضمار، تدرس في كليات ومدارس السينما، وقد تأثر بها بعض أشهر مخرجي الأفلام الوثائقية في العالم مثل مايكل مور ولويس ثيرو ومورغان سبيرلوك. وتقوم هذه المدرسة على رفض التعامل مع الفيلم الوثائقي كانعكاس جامد للواقع، وضرورة جعله معبراً عن وجهة نظر مخرجه، باعتبار رؤية الواقع مسألة تخضع لوجهات النظر. أما من ناحية المبنى، فإن نِك برومفيلد أدخل إلى الفيلم الوثائقي فكرة إظهار هيكله للجمهور، ومنه المقابلات الفاشلة أو الطرق المسدودة، أو حتى وجه وحركة المخرج والمصور، وهو النهج الذي نجده في أفلام مايكل مور مثلاً.

ولكن فيلم "معركة حديثة" ليس فيلماً وثائقياً. بل هو الفيلم الثاني غير الوثائقي لنِك برومفيلد بعد فيلم "أشباح". ولا يوجد لفيلم معركة حديثة نص مكتوب، بل مخطط عام للمشاهد فحسب. وبإبقاء المشاهد مفتوحة على الاحتمالات الواقعية هكذا، يسعى فيلم "معركة حديثة" لبناء حبكة درامية حول قصة مجزرة قوات المارينز بالمدنيين العراقيين في حديثة يوم 19/11/2005 . وقد جاءت على خلفية مقتل عنصر من المارينز، وجرح اثنين، بمتفجرة مزقت عربتهم، مما دفع زملاؤهم لاقتحام البيوت المجاورة وذبح أربعاً وعشرين عراقياً مدنياً بريئاً بينهم عدد من النساء والأطفال قتلوا في غرف منازلهم... وبعد انفضاح أمر المجزرة بعد أشهر طويلة من وقوعها، اضطرت القوات الأمريكية لاتهام أربعة من قوات المارينز بارتكابها. ومع أن تلك المحاكمات ما زالت جارية حتى تاريخ كتابة هذه السطور، فإن أخطر التهم، أي تهم القتل المتعمد، قد أسقطت عن المتهمين بالمجمل.

وقد نقل نِك برومفيلد القادم من تقليد الأفلام الوثائقية بعضاً من خبرته من ذلك الحقل إلى فيلمه الدرامي، حتى يكاد يوحي بأنه يقدم فيلماً وثائقياً أخر، وهو ما يجعل نسبة الكلام أكثر، ونسبة المشاهد القتالية أقل، مما تجده في فيلم هوليودي حربي عادي. وقد استخدم لهذا الغرض ممثلين غير معروفين تقريباً، وبعض المواطنين العراقيين النازحين من حديثة إلى الأردن، وأعطى دور البطولة لعدد من جنود المارينز الحقيقيين ممن سبق أن قاتلوا في العراق، وقد كان بعضهم حاضراً في مركز الحسين الثقافي، وهو ما يضفي لمسة واقعية أكثر منها درامية على ذلك الفيلم الدرامي بالأساس، ويملاً مشاهده بفوضى الواقع وتدفقه التلقائي.

أما رسالة الفيلم، الإنسانية الجوهر، الساذجة سياسياً، المشبوهة إن شئنا تغييب حسن النوايا، فتقوم على البث على ثلاث موجات في آنٍ معاً. فالفيلم يُطرح من ثلاث وجهات نظر: 1) وجهة نظر المارينز في العراق، 2) وجهة نظر المدنيين العراقيين في حديثة، 3) وجهة نظر المجاهدين أو "الإرهابيين". وفي كل حالة من هذه الحالات، يحاول نِك برومفيلد أن يظهر وكأنه يقدم المشهد من خلال خطاب الطرف المعني نفسه.

فالمارينز في العراق مجرد ضحايا، وهذه أخطر رسالة في الفيلم، ولكنها تنسجم تماماً مع توجه اليسار الليبرالي الذي يرفع، في الولايات المتحدة بالأخص، شعاراً سياسياً ملتبساً إزاء غزو العراق هو: "معارضة الحرب ودعم القوات المسلحة"!

والحقيقة أن نِك برومفيلد يقترب أكثر ما يكون ل"معاناة المارينز"، ضحايا السياسيين والقرار السياسي حسب رايه، المستهدفين في كل وقت، والمعرضين للتخلي عنهم إذا تقاعدوا نتيجة إصابة قتالية ليلقى إليهم بالفتات... لهذا يفقدون أعصابهم، وينتهي بهم الأمر لارتكاب مجزرة، ولكننا يجب أن نتفهم لأنهم يشعرون ببعض الذنب بعدها، ولأنهم يصابون بعقد نفسية بسبب وجودهم المطول في ساحة القتال... وهم يبكون أحياناً!! إنهم ضحايا إذن، لا جلادون! ولعل أسخف مشهد في الفيلم هو المشهد الأخير الذي يمسك فيه قائد فصيل المارينز الذي ارتكب المجزرة بيد طفلة عراقية ويسير بها نحو الضوء، إلى خارج المنزل المعتم، بعد أن قام وزملاؤه بذبح كل عائلتها!

ولا يجوز أن نقبل تمرير مثل هذه الرسائل تحت عنوان أن المخرج وضع الفيلم لجمهور غربي... فالفيلم يتناول قضية عربية، وبالتالي يجب أن يقاس بمقياس القضايا العربية بالأساس. والجمهور الغربي هو الذي يجب أن يتفهم لا نحن!

وليكن واضحاً أن هذا لم يعفِ نِك برومفيلد من النقد في الغرب. فهناك موقع كامل على الإنترنت لنقد الفيلم يحتوي رسائل من جنود أمريكيين حاليين وسابقين في العراق لم تعجبهم الحبكة الدرامية للفيلم التي "تفترض"، حسب الموقع، أن المارينز ارتكبوا مجزرة حديثة. فالحبكة برأيهم كان يجب أن تدور حول ما إذا كانوا قد ارتكبوها أم لا، خاصة أن المحاكم العسكرية، المعروفة باسم "البند 32"، ما زالت لا تجدهم مذنبين بتهمة القتل العمد!

مواطنو حديثة: ضحايا للمجاهدين الذين يهددونهم بالقتل إذا لم يتعاونوا، وضحايا للمارينز الذين يرتكبون فيهم المجازر والانتهاكات. وفي بداية الفيلم نرى في الشارع جثة أستاذ لغة إنكليزية يقول المقاوم الرئيسي في الفيلم أن القاعدة قتلته، بدون إبداء الأسباب، مما يوحي أنه قتل لأنه يعرف اللغة الإنكليزية فحسب.. والمواطنون العراقيون في الفيلم يتعاونون مع المجاهدين بدافع الخوف فحسب، لا بدافع الوطنية أو الدين أو الرغبة بمقاومة الاحتلال مثلاً. والمواطنون العراقيون الذين يتعرضون للمداهمات والاعتقال والقتل العشوائي في الشارع من قبل المارينز يصورون كضحايا لفكر المجاهدين الذي تمثله القاعدة أو الشيخ الذي يحتكم له مواطنو حديثة. فهم ضحايا طرح سياسي أو ديني، لا ضحايا بالمعنى الحرفي للكلمة فحسب. وبعد المجزرة تشاهد النساء الجالسات في العزاء وهن يرفعن الصوت للدول العربية والأوروبية لكي تجد حلاً لمشكلة العراق! أما الشباب فوقعوا ضحية لطرح الشيخ بضرورة المقاومة والانتقام... وهنا لا بد من الاعتراف، من وجهة نظر الجمهور الغربي، أن المقاومة العراقية تصور كرد فعل على أخطاء المارينز، وهو ما يمثل مطلباً ضمنياً بتفهمها، ولكن المقاومة ليست نتيجة أخطاء أو تجاوزات، ويخطئ من يضعها هكذا، بل هي حق وواجب بمجرد وجود الاحتلال، حتى لو لم يرتكب تجاوزاً واحداً.

المجاهدون: نوعان، النوع الأول يتمثل بالمقاوم الأساسي في الفيلم، الضابط العراقي السابق أحمد، الذي يزرع القنبلة التي تدمر آلية المارينز، مع شاب عراقي بسيط نجح باستقطابه للمقاومة من شدة هوسه بالأفلام الحربية التي يبيعها ويؤجرها. وأحمد يصور كجندي سابق على أبواب الشيخوخة، يشرب الكحول، ويتلقى خمسمئة دولار مقابل زرع القنبلة، ويعلن أنه قرر المقاومة فقط بعد قرار الاحتلال حل الجيش العراقي، ثم يعلن ندمه على زرع القنبلة بطريق المارينز بعدما رأي كيف أدت إلى حدوث مجزرة بالمدنيين... وهو أيضاً من يعرفنا بالنوع الثاني من المجاهدين "الذين قتلوا أستاذ اللغة الإنكليزية". وهؤلاء المجاهدين يعطونه خمسمئة دولار لزرع القنبلة، "كأجر دنيوي.. غير أجر الآخرة"، ثم يهددونه إذا شرب! وهنا يصبح المقاومون العقائديون الوجه الأخر، العراقي، المقابل للسياسيين الغربيين متخذي قرار الحرب. وكلاهما يقاتل بأجساد الآخرين بسبب أجندة خاصة به. ويصبح شيخ حديثة (الصديق نبيل كوني) شخصية خبيثة تقف متفرجة على المجزرة وتحرض فقط على تصويرها لكي يتم استغلالها إعلامياً. فإذا كان هناك من رسالة في الفيلم، فهي تبرئة المارينز في العراق والمقاومين غير العقائديين، وإظهار الناس كنعاج تنتظر الذبح، لا إرادة لها، وإدانة كبار السياسيين في الغرب والعقائديين في الشرق. وهي رسالة ليبرالية في النهاية... وتنم عن قلة استيعاب لطبيعة المعركة الجارية على أرض العراق بين المقاومة والاحتلال.

وأنى لمن لا يفهم بلادنا ولغتها أن يدرك طبيعة الصراع فيها. وقد حاولت لفت نظر المخرج لهذا الأمر بملاحظة عابرة بعد انتهاء الفيلم: سيد برومفيلد، في المشهد الذي تظهر فيه قافلة المارينز تدخل إلى حديثة (جرش)، نسيت أن تزيل من الشريط السينمائي لافتة ظهرت خلفهم بسرعة لمؤسسة حكومية أردنية وقد كُتب عليها بالعربية "المملكة الأردنية الهاشمية"!

!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! (علامات التعجب من المخرج)!

الاثنين، شباط ٠٤، ٢٠٠٨

تضامنوا مع مجلة الآداب ورئيس تحريرها الدكتور سماح إدريس

إلى الكتاب والأدباء المناضلين

في الوقت الذي يستمر فيه العدو الأمريكي في محاصرة أبناء شعبنا العربي في العراق ، وبتدمير العراق بكل مكوناته، وبارتكاب جرائمه البشعة من تشريد وتهجير وتجويع وإبادة، بالإضافة إلى التفتيت الطائفي والإثني بتوجيهات من عملاء الموساد الصهيوني والميليشيات الطائفية والعنصرية الحاقدة على عروبة العراق في سياق المخطط الاستعماري الصهيوني المعادي لكل الأمة، يطالعنا أحد "المثقفين" ممن باع ضميره للعدو، وبشّر بسياسة الاحتلال وديمقراطيته الكاذبة، يطالعنا برفع دعوى قضائية ضد مجلة الآداب اللبنانية، المنبر الحرّ العصيّ على التطويع والانخراط في سوق النخاسة الثقافي، وضد رئيس تحريرها الدكتور سماح إدريس، في محاولة بائسة للجم الأصوات والمنابر الحرّة المدافعة عن حق الأمة في مقاومة الاحتلال المجرم لأرض الرافدين وفي فضح سياساته القائمة على الهيمنة والتبعية والاحتواء، بينما يغض بعض المثقفين العرب الطرف عن جرائم الاحتلال وعملائه وأصدقائه في المنطقة العربية، ومن بينهم حكام شمال العراق المحتل الذين نزلوا بضيافتهم...

وفي محاولة لمحاكمة من يجرؤون على مساءلة وتسليط الضوء على من يسعون لشطب العراق وإحلال دويلات طائفية وإثنية مكانه تستضيف مؤتمرات ومهرجانات ثقافية خاصة بها، بحضور عشرات المثقفين العرب، لتضفي على وجودها الزائف بعض المشروعية بمعيتهم،

وفي محاولة لاجتثاث ثقافة "مجلة الآداب" الداعية إلى مقاومة الاحتلال الأمريكي والصهيوني للعراق وفلسطين ولبنان، ونشر الرعب في أرض لبنان العربي بين كتّابه ومثقفيه، بما يمثّله لبنان العربي ثقافيا، وما تعنيه مجلة الآداب من تاريخ وطني وقومي في خدمة الحركة الثقافية العربية على مدى عقود،

تأتي هذه الدعوى المرفوعة نيابة عن المدعو "فخري كريم" أمام القضاء اللبناني كشكل من أشكال الإرهاب الثقافي، ولمنع طرح أية أسئلة حول مسيرته التخاذلية منذ انخراطه في الحزب الشيوعي العراقي والثورة الفلسطينية، وثرائه غير المشروع على حسابهما، إلى تعاونه مع سلطات الاحتلال الأمريكي وأدواته في العراق الشقيق المقاتل.

لذا ، نعلن ما يلي:

أولا : تضامننا الكامل مع مجلة الآداب اللبنانية ورئيس تحريرها الدكتور سماح إدريس
ثانيا : نطالب جميع الكتّاب والمثقفين العرب الأحرار باستنكار هذه الدعوى وشجبها، وفضح القائمين عليها بكتابة المقالات عبر الصحف والمجلات ومواقع الانترنت، وتوقيع عرائض الشجب والاستنكار وغيرها من الوسائل المتاحة
ثالثا : العمل على تشكيل هيئة دفاع عن مجلة الآداب ورئيس تحريرها، من كتّاب ومحامين من عدة أقطار عربية، بحيث تتحول هذه المحكمة إلى محاكمة لكل من تسول له نفسه التلاعب بالثقافة العربية، والترويج لثقافة الاحتلال
رابعا : نطالب اتحاد الكتّاب والأدباء العرب واتحاد المحامين العرب بتشكيل لجنة مشتركة للدفاع عن مجلة الآداب ورئيس تحريرها الدكتور سماح إدريس

عاشت المقاومة العراقية .. الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي
عاشت فلسطين حرة عربية .. من النهر إلى البحر
عاشت الكلمة الحرة الصادقة والمثقفون الأحرار، والعار لكتبة السلاطين والاحتلال

التيار القومي في رابطة الكتّاب الأردنيين
4/2/2008


الأحد، شباط ٠٣، ٢٠٠٨

القانون الدولي مع عروبة المعبر

عبد الستار قاسم

يظهر على شاشات التلفاز عدد ممن يقولون عن أنفسهم خبراء في القانون الدولي وهم يبررون ضرورة تطبيق الاتفاق مع إسرائيل بخصوص معبر رفح، ويدعون إلى عودة أوضاع المعبر إلى ما كانت عليه قبل سيطرة حماس على قطاع غزة، ومن ثم على المعبر. إنهم يعتبرون الاتفاقات الجانبية مع الاحتلال جزءا من شرعة دولية يجب التمسك بها.

أنا لست من المؤمنين بالشرعية الدولية، وأومن بأن القوة هي التي تصنع القانون، وأن القانون الدولي يعكس مصلحة الأقوياء. على الرغم من ذلك، ينص القانون الدولي على التالي:

لا يجيز القانون الدولي الاستيلاء على أرض الغير بالقوة، وهذه عبارة تتصدر القرار الدولي الصادر عن مجلس الأمن رقم 242. ويجيز القانون الدولي المقاومة من أجل إنهاء الاحتلال.

إسرائيل عبارة عن دولة محتلة، وهي يجب أن تنهي احتلالها وفق القانون الدولي للأرض التي احتلتها عام 1967، وعلى إسرائيل أن تعيد اللاجئين الفلسطينيين وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وأن تعيد للفلسطينيين أراض خصصت لهم وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181.

الاتفاقات مع دولة محتلة ليست واردة في القانون الدولي، وكل ما بني على باطل هو باطل. عقد اتفاق مع دولة محتلة من قبل الناس الذين يقعون تحت الاحتلال مبني على باطل، وهو بالتأكيد باطل. اتفاق معبر رفح ليس قانونيا وفق القانون الدولي لأنه يكرس الاحتلال الذي يدعو القانون الدولي إلى إنهائه. وفق القانون، على كل الدول بما فيها مصر وباقي الدول العربية أن تمتنع عن المشاركة في اتفاق مع قوة محتلة يعتبر القانون الدولي احتلالها غير شرعي ويجب العمل على إنهائه.

مشكلة القائلين بشرعية اتفاق رفح وبمسؤولية مصر تجاه تطبيق الاتفاقيات أنهم يريدون إرضاء أصحاب السلطان الذين هم أمريكا وإسرائيل بالدرجة الأولى. أمريكا وإسرائيل تحاولان التهرب من قرارات الأمم المتحدة ومن القانون الدولي خدمة لمصالحهما، وذلك من خلال عقد مؤتمرات وفق مزاجهما. وقد أكد بوش في زيارته الأخيرة للمنطقة العربية على أن الأمم المتحدة لا تشكل مرجعية بخصوص القضية الفلسطينية.

لا توجد نصوص في القانون الدولي تجعل من الاتفاقات الثنائية فوق القانون الدولي. الاتفاقات الثنائية التي تتناقض مع أو تخالف القانون الدولي لا تعتبر جزءا من القانون الدولي وهي باطلة. اتفاق السلطة الفلسطينية مع دولة محتلة بخصوص بقاء الاحتلال بطريقة أو بأخرى يتناقض مع القانون الدولي الذي لا يجيز احتلال أرض الغير بالقوة.