د. إبراهيم علوش
لماذا أعيد إغلاق "الحدود" بين غزة ومصر، أو قل بالأحرى، أعيد فرض الحصار على غزة من قبل النظام الرسمي العربي؟
بغض النظر عن أي تحاليل سياسية ونقاط قانونية أو غيرها مما يمكن أن يثار حول إسقاط "الحدود" المصرية-الغزية بالقوة، فإن إغلاق المعبر بين غزة وسيناء، يظل بالمحصلة النهائية، نتاج ضعف حركة الشارع في مصر لإبقاء المعبر مفتوحاً. أي أن ميزان القوى بين الشعب والنظام العربي، المختل بقوة لمصلحة الأخير، بسبب عدم نزول الملايين إلى الشوارع لإبقاء المعبر مفتوحاً بالرغم من إرادة النظام، هو الذي أدى لإغلاق المعبر من جديد.
واللوم هنا ليس على الشعب كشعب، في أم الدنيا أو في غيرها من أرض أمتنا العزيزة، فما لا يقبل النقاش هو أن الناس في مصر وبقية بلادنا مع رفع الحصار عن غزة، وأن أي شريف في أمتنا لا يمكن أن يقبل على نفسه أن يكون طرفاً في حصارٍ من هذا النوع. ولكن القضية ليست قضية مشاعر أو مواقف، بل تكمن نقطة الضعف المركزية في كل حياتنا السياسية العربية، وليس فقط في حالة الحصار الرسمي العربي على غزة، في غياب حركة شعبية عربية منظمة تزلزل الأرض تحت أقدام الأنظمة التي تتجاوز حدها في الطغيان والتعاون مع الأمريكان واليهود على حساب مصلحة الأمة.
والقول نفسه كان ينسحب بالمناسبة على الحصار المجرم للعراق بين عامي 1990 و2003، وعلى التعاون الرسمي العربي في العدوان على العراق، وفي كل حالة من حالات تواطؤ أو تآمر أو تخاذل النظام الرسمي العربي أمام التحديات الكبرى للأمة، أي في كل حالة عملياً.
فلو أمعنا النظر في الوضع السياسي العربي لوجدنا أن غياب حركة مؤثرة للشارع العربي، أي غياب الأطر المنظمة الفعالة التي تمكن الشعب العربي - وهو شعب عربي واحد بالمناسبة، لا شعوب عربية، ما دمنا أمة واحدة - من ترجمة مشاعره ومواقفه إلى عمل سياسي، أي إلى خطوات فعلية لتغيير الواقع، هو المشكلة الرئيسية في العمل السياسي العربي.
فلنأخذ مثالاً أخر. لو احتُلت ولاية من الولايات الأمريكية يا ترى، هل كانت بقية الولايات الأمريكية ستسن قوانينَ وتتخذ إجراءاتٍ لمنع تدفق المتطوعين والمال والسلاح والدعم عبرها إلى الولاية المحتلة يا ترى؟ لو احتُلت دولة من دول الاتحاد الأوروبي مثلاً، هل كانت بقية الدول الأوروبية لتتخذ مثل هذا الموقف المشين؟ لو احتُلت مقاطعة من الصين أو الهند أو لو احتُل وجرُ ذئاب يا كرام أو حتى وكرُ أفاعٍ أو صراصير...........!!
الوضع الطبيعي إذن هو أن تسمح الأنظمة العربية للدعم الشعبي العربي أن يصل المناطق العربية المحتلة، حتى لو لم ترغب هي أن تحارب، ولكن الأنظمة العربية تجرم وتعتقل وتشن الحملات على من يفكر بالقتال من أبناء أمتنا في المناطق العربية المحتلة، ولا بد أن نتذكر بالإجلال هنا أخواننا المعتقلين بالسجون الأردنية ب"تهمة" السعي للتطوع للقتال في العراق.
والأنظمة العربية تغلق الحدود على المتطوعين وتفتحها أمام العدو، ولعل الاستثناء الوحيد هنا هو فتح خطوط الإمداد للمقاومة اللبنانية من قبل سوريا، وتهيئة ظروف داخلية لبنانية مناسبة لوجود واستمرار المقاومة إلى حد ما، ولولا ذلك، لن نقول أن المقاومة كانت ستنتهي، فالمقاومة هي الحياة، ونحن أموات بدونها، ولكن نصر المقاومة كان سيكون أبعد منالاً، فنصر المقاومة اللبنانية هو لسوريا كما للبنان، ولفلسطين وبقية الأمة، ويا حبذا لو تم فتح الحدود للمقاومة عبر الجولان بنفس الطريقة.
إسلامياً، يفترض أن يكون القتال في المناطق المحتلة فرض عين على أهل المناطق المجاورة لها إذا كانت هجمة العدو أكبر من طاقة المناطق المحتلة على الاحتمال، وهي كذلك في مواجهة الطرف الأمريكي-الصهيوني بدون أدنى شك. قومياً، كلنا أمة واحدة، لا تفرقنا حدود، ولا نتعامل مع المناطق المحتلة كبلد أو كشعب أخر، بل كاحتلال يقع علينا جميعاً، من جزيرة ليلى وسبتة ومليلة في المغرب إلى جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى في الخليج العربي. يسارياً، يواجه الشعب العربي في هذا الصراع هيمنة رأس المال الدولي والشركات الكبرى متعدية الحدود وما الطرف الأمريكي-الصهيوني الذي تتبدل وجوهه ولا تتبدل سياساته إلا أداة تلك الهيمنة. ذارئعياً، وبلغة المصلحة النفعية المباشرة لا المبادئ أو القناعات، ثبت بما لا يقبل الشك منذ نهاية التسعينات أن مشروع "الشرق أوسطية"، ناهيك عن مشروع "الإصلاح الديموقراطي"، يستهدف إسقاط الأنظمة العربية وتفكيكها لإفساح المجال لدول الكانتونات والطوائف، ونعرف جيداً الآن، أن المقاومة العراقية هي التي تحمي بلاد الشام والخليج العربي، لا بل إيران نفسها، من التفكيك.
إذن، كل المبررات، حتى أقلها مبدئية، موجودة لدعم المقاومة من الصومال إلى العراق. ولكن الأنظمة العربية لا تكتفي بعدم دعم المقاومة، وعدم السماح بدعمها، بل تتجاوز ذلك إلى فرض الحصار على المقاومة حيثما يطلب الطرف الأمريكي-الصهيوني، فأي فصيلة من الكائنات تنقلب على أبناء جلدتها بهذا الشكل الفاضح؟! فتخاف من "الاختراق الأمني" الذي قد يسببه رفع علم فلسطين على عامود كهرباء، وهو بالأساس العلم العربي الموحد الذي تم تبنيه لتأكيد عروبة فلسطين، ولا تستحي من رفع العلم الصهيوني في عمان والقاهرة ونواكشوط، ولا تخاف من الدور الأمني للسفارات والبعثات الديبلوماسية الصهيونية على أراضيها؟!
المشكلة ببساطة تبقى أن الشارع العربي لا يتحرك تحركاً منظماً، بل يتحرك بعفوية عندما يفيض الكيل، فيمد له النظام الرسمي العربي مؤقتاً، ليعود وينقض بعدها على أي إنجاز تم تحقيقه للأمة خلال مرحلة التحرك العفوي.
تغيير حال الأمة إذن يتطلب بالأساس تحرك الشارع العربي بشكل فعال ومنظم، وعبر الحدود، وكل من يتشدق بالديموقراطية وهو يتجاهل هذه الحقيقة، يقوم فعلياً بالتواطؤ مع الأنظمة العربية حتى لو تناول هذه القضية الجزئية أو تلك من انتهاكات حقوق الإنسان، والأهم منها طبعاً يبقى بالضرورة انتهاك حقوق الأمم. وقد ثبت الآن من خلال مثال غزة وغيره أن التجزئة العربية ظهير الاحتلال، وهو ما يعني بالمقابل أن الوحدة، وحدة الشارع لا الأنظمة، ظهير التحرير.
لماذا أعيد إغلاق "الحدود" بين غزة ومصر، أو قل بالأحرى، أعيد فرض الحصار على غزة من قبل النظام الرسمي العربي؟
بغض النظر عن أي تحاليل سياسية ونقاط قانونية أو غيرها مما يمكن أن يثار حول إسقاط "الحدود" المصرية-الغزية بالقوة، فإن إغلاق المعبر بين غزة وسيناء، يظل بالمحصلة النهائية، نتاج ضعف حركة الشارع في مصر لإبقاء المعبر مفتوحاً. أي أن ميزان القوى بين الشعب والنظام العربي، المختل بقوة لمصلحة الأخير، بسبب عدم نزول الملايين إلى الشوارع لإبقاء المعبر مفتوحاً بالرغم من إرادة النظام، هو الذي أدى لإغلاق المعبر من جديد.
واللوم هنا ليس على الشعب كشعب، في أم الدنيا أو في غيرها من أرض أمتنا العزيزة، فما لا يقبل النقاش هو أن الناس في مصر وبقية بلادنا مع رفع الحصار عن غزة، وأن أي شريف في أمتنا لا يمكن أن يقبل على نفسه أن يكون طرفاً في حصارٍ من هذا النوع. ولكن القضية ليست قضية مشاعر أو مواقف، بل تكمن نقطة الضعف المركزية في كل حياتنا السياسية العربية، وليس فقط في حالة الحصار الرسمي العربي على غزة، في غياب حركة شعبية عربية منظمة تزلزل الأرض تحت أقدام الأنظمة التي تتجاوز حدها في الطغيان والتعاون مع الأمريكان واليهود على حساب مصلحة الأمة.
والقول نفسه كان ينسحب بالمناسبة على الحصار المجرم للعراق بين عامي 1990 و2003، وعلى التعاون الرسمي العربي في العدوان على العراق، وفي كل حالة من حالات تواطؤ أو تآمر أو تخاذل النظام الرسمي العربي أمام التحديات الكبرى للأمة، أي في كل حالة عملياً.
فلو أمعنا النظر في الوضع السياسي العربي لوجدنا أن غياب حركة مؤثرة للشارع العربي، أي غياب الأطر المنظمة الفعالة التي تمكن الشعب العربي - وهو شعب عربي واحد بالمناسبة، لا شعوب عربية، ما دمنا أمة واحدة - من ترجمة مشاعره ومواقفه إلى عمل سياسي، أي إلى خطوات فعلية لتغيير الواقع، هو المشكلة الرئيسية في العمل السياسي العربي.
فلنأخذ مثالاً أخر. لو احتُلت ولاية من الولايات الأمريكية يا ترى، هل كانت بقية الولايات الأمريكية ستسن قوانينَ وتتخذ إجراءاتٍ لمنع تدفق المتطوعين والمال والسلاح والدعم عبرها إلى الولاية المحتلة يا ترى؟ لو احتُلت دولة من دول الاتحاد الأوروبي مثلاً، هل كانت بقية الدول الأوروبية لتتخذ مثل هذا الموقف المشين؟ لو احتُلت مقاطعة من الصين أو الهند أو لو احتُل وجرُ ذئاب يا كرام أو حتى وكرُ أفاعٍ أو صراصير...........!!
الوضع الطبيعي إذن هو أن تسمح الأنظمة العربية للدعم الشعبي العربي أن يصل المناطق العربية المحتلة، حتى لو لم ترغب هي أن تحارب، ولكن الأنظمة العربية تجرم وتعتقل وتشن الحملات على من يفكر بالقتال من أبناء أمتنا في المناطق العربية المحتلة، ولا بد أن نتذكر بالإجلال هنا أخواننا المعتقلين بالسجون الأردنية ب"تهمة" السعي للتطوع للقتال في العراق.
والأنظمة العربية تغلق الحدود على المتطوعين وتفتحها أمام العدو، ولعل الاستثناء الوحيد هنا هو فتح خطوط الإمداد للمقاومة اللبنانية من قبل سوريا، وتهيئة ظروف داخلية لبنانية مناسبة لوجود واستمرار المقاومة إلى حد ما، ولولا ذلك، لن نقول أن المقاومة كانت ستنتهي، فالمقاومة هي الحياة، ونحن أموات بدونها، ولكن نصر المقاومة كان سيكون أبعد منالاً، فنصر المقاومة اللبنانية هو لسوريا كما للبنان، ولفلسطين وبقية الأمة، ويا حبذا لو تم فتح الحدود للمقاومة عبر الجولان بنفس الطريقة.
إسلامياً، يفترض أن يكون القتال في المناطق المحتلة فرض عين على أهل المناطق المجاورة لها إذا كانت هجمة العدو أكبر من طاقة المناطق المحتلة على الاحتمال، وهي كذلك في مواجهة الطرف الأمريكي-الصهيوني بدون أدنى شك. قومياً، كلنا أمة واحدة، لا تفرقنا حدود، ولا نتعامل مع المناطق المحتلة كبلد أو كشعب أخر، بل كاحتلال يقع علينا جميعاً، من جزيرة ليلى وسبتة ومليلة في المغرب إلى جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى في الخليج العربي. يسارياً، يواجه الشعب العربي في هذا الصراع هيمنة رأس المال الدولي والشركات الكبرى متعدية الحدود وما الطرف الأمريكي-الصهيوني الذي تتبدل وجوهه ولا تتبدل سياساته إلا أداة تلك الهيمنة. ذارئعياً، وبلغة المصلحة النفعية المباشرة لا المبادئ أو القناعات، ثبت بما لا يقبل الشك منذ نهاية التسعينات أن مشروع "الشرق أوسطية"، ناهيك عن مشروع "الإصلاح الديموقراطي"، يستهدف إسقاط الأنظمة العربية وتفكيكها لإفساح المجال لدول الكانتونات والطوائف، ونعرف جيداً الآن، أن المقاومة العراقية هي التي تحمي بلاد الشام والخليج العربي، لا بل إيران نفسها، من التفكيك.
إذن، كل المبررات، حتى أقلها مبدئية، موجودة لدعم المقاومة من الصومال إلى العراق. ولكن الأنظمة العربية لا تكتفي بعدم دعم المقاومة، وعدم السماح بدعمها، بل تتجاوز ذلك إلى فرض الحصار على المقاومة حيثما يطلب الطرف الأمريكي-الصهيوني، فأي فصيلة من الكائنات تنقلب على أبناء جلدتها بهذا الشكل الفاضح؟! فتخاف من "الاختراق الأمني" الذي قد يسببه رفع علم فلسطين على عامود كهرباء، وهو بالأساس العلم العربي الموحد الذي تم تبنيه لتأكيد عروبة فلسطين، ولا تستحي من رفع العلم الصهيوني في عمان والقاهرة ونواكشوط، ولا تخاف من الدور الأمني للسفارات والبعثات الديبلوماسية الصهيونية على أراضيها؟!
المشكلة ببساطة تبقى أن الشارع العربي لا يتحرك تحركاً منظماً، بل يتحرك بعفوية عندما يفيض الكيل، فيمد له النظام الرسمي العربي مؤقتاً، ليعود وينقض بعدها على أي إنجاز تم تحقيقه للأمة خلال مرحلة التحرك العفوي.
تغيير حال الأمة إذن يتطلب بالأساس تحرك الشارع العربي بشكل فعال ومنظم، وعبر الحدود، وكل من يتشدق بالديموقراطية وهو يتجاهل هذه الحقيقة، يقوم فعلياً بالتواطؤ مع الأنظمة العربية حتى لو تناول هذه القضية الجزئية أو تلك من انتهاكات حقوق الإنسان، والأهم منها طبعاً يبقى بالضرورة انتهاك حقوق الأمم. وقد ثبت الآن من خلال مثال غزة وغيره أن التجزئة العربية ظهير الاحتلال، وهو ما يعني بالمقابل أن الوحدة، وحدة الشارع لا الأنظمة، ظهير التحرير.