الاثنين، كانون الأول ١٠، ٢٠٠٧

حول الأشكال الرثة لمعارضة مؤتمر أنابوليس

د. إبراهيم علوش

أولاً، المؤتمر الإسلامي في طهران: ذكر موقع الجزيرة نت في ليلة 25/11/2007 أن مؤتمراً إسلامياً قد عقد في طهران بمشاركة عدد من الحركات الإسلامية مثل حماس وحزب الله والمجلس الإسلامي الأعلى في العراق (قوات بدر) وغيرها. وكان يفترض بهذا المؤتمر أن يعقد العام الماضي ولكنه تأجل بسبب حرب لبنان. ويضيف التقرير نقلاً عن رئاسة المؤتمر بأن انعقاده الآن أتى "كخطوة عامة وجماعية لدعم المقاومة الفلسطينية ولتشكيل حركة إسلامية عالمية". وقد اعتذر حزب العدالة والتنمية التركي عن المشاركة باللقاء...! ولا يحتاج تفسير هذا اللقاء وتوقيته إلى علماء ذرة ليقولوا لنا بأنه جاء كشكل من أشكال الرد على مؤتمر أنابوليس. ولكن أي شكل من أشكال معارضة مؤتمر أنابوليس ذاك الذي يشارك فيه المجلس الإسلامي الأعلى في العراق الذي وضع يده بيد الاحتلال الأمريكي في العراق ودعا لتفكيكه واشترك في المجازر الطائفية؟! نعم، ضاق حيز المناورة أمام قوى المقاومة الفلسطينية، ولكن الفرق كبيرٌ ما بين معارضة مؤتمر أنابوليس لأنه يمثل مشروع هيمنة على الأمة، وما بين معارضة مؤتمر أنابوليس لأنه شكل محدد من مشاريع الهيمنة يمكن أن نقبل بغيره لو اضطررنا! وما كان يفترض بحماس أن تقبل المشاركة بمؤتمر تشارك فيه قوة طائفية دموية مجرمة مثل المجلس الإسلامي الأعلى في العراق.. وهو لمجلس شيطاني أقرب منه لمجلس إسلامي.

ثانياً، بالنسبة لمشاركة سوريا "التكتيكية" في مؤتمر أنابوليس: الذرائع كثيرة. والذرائع دوماً كثيرة. ولكن المشاركة في مؤتمر أنابوليس، ولو بمستوى نائب وزير خارجية، ولو بعد طرح الجولان على جدول الأعمال، ولو كان مؤتمر أنابوليس أقرب للقاء إعلامي منه لمؤتمر سياسي، هو ببساطة موقف غير مبدئي. ولا يعني ذلك أن سوريا استسلمت أو انبطحت أو أحرقت جسورها بالكامل مع طهران أو أنها تخلت عن قوى المقاومة الفلسطينية، ولكنه يعني أن شطب المؤتمر الوطني الفلسطيني في دمشق في 7/11/2007 لم يكن "تأجيلاً" بل تنازلاً. وهو يعني أن القيادة السورية اقتربت خطوة من المحور الرسمي العربي لأن لبنان على المحك، ولأنها تتعرض لحصار سياسي ولضغوط شديدة وتهديدات. ولكن مشاركتها في مؤتمر أنابوليس تبقى غير مقبولة من منظور شعبي عربي لأنها تقدم غطاءً سياسياً لمشاركة النظام الرسمي العربي والسلطة الفلسطينية في ذلك المؤتمر التطبيعي. والجميع، حتى المطبعون، يقول بأنه سيشارك دون أن يقدم تنازلات. فهنا تزين المشاركة باعتبارها شكلاً من أشكال معارضة المؤتمر "من الداخل"، وكم سئمنا من هذه المعزوفة!

ثالثاً، القوى والشخصيات الفلسطينية التي ترفض "التطبيع المجاني" وتوافق على التطبيع بثمن: ومنها بعض قوى اليسار الفلسطيني التي آلت على نفسها أن تعقد في غزة مؤتمراً موازياً لمؤتمر حماس والجهاد واللجان الشعبية الموازي لمؤتمر أنابوليس، والغريب أنها لم تعقد مؤتمرها في الضفة الغربية في حضن ديموقراطية السلطة الفلسطينية بدلاً من "ديكتاتورية حماس"!!! ومنها الشخصيات الأردنية والفلسطينية التي أصدرت بياناً، نشرته العرب اليوم الأردنية في 19/11/2007، يطالب محمود عباس بعدم المشاركة في مؤتمر أنابوليس إلا إذا "قبلت إسرائيل بحث قضايا الحل النهائي"، والتزمت بقرارات الشرعية الدولية، أي بالاعتراف والسلام العادل وحدود ال67 وإلى ما هنالك من سخافات!! والطريف أن بعض الموقعين على ذلك البيان ذيلوا توقيعهم باسم "التيار القومي العربي في فلسطين". ومن المعروف أن "القوميين الرسميين" يمثلون المعادل القومي العربي لفقهاء السلاطين في الحركة الإسلامية. والمهم أنهم يدعون للوحدة العربية (سلماً)، ولكن أيضاً "للسلام العادل مع إسرائيل"، أو لدولة ثنائية القومية في فلسطين، ومنهم من يطالب بتشكيل مجلس الأمن الدولي حكومة "وحدة وطنية في العراق"، على أن تستبدل القوات الأمريكية هناك بقوات عربية وإسلامية! والمهم أن يكونوا جزءاً من تلك الحكومة، أو أية حكومة في الواقع، كي يضمنوا "عدم خروجها عن الثوابت القومية" طبعاً...

رابعاً، إن المؤتمرات الوحيدة المناهضة حقاً لمؤتمر أنابوليس هي تلك المعبرة عن نهج المقاومة وعن الموقف الشعبي العربي الأصيل من التحالف الرسمي العربي مع العدو الأمريكي-الصهيوني، وهي تلك الرافضة من حيث المبدأ للتطبيع مع العدو الصهيوني بغض النظر عن الثمن، وهي تلك المناهضة للسمسرة على فلسطين من قبل الشريحة المرتبطة مصالحها بأعداء الأمة... تلك هي المؤتمرات واللقاءات والمواقف المعارضة حقاً التي لا تخفض سقف معارضتها حتى يكاد يصبح موالاة، والتي لا تضع نفسها تحت جناح قوى هيمنة إقليمية بدلاً من أخرى. ومنها موقف الناس الذين خرجوا بعشرات الآلاف من مساجد غزة وخان يونس، وموقف المقاومين الميدانيين الذين لم يتوقف استهداف العدو الصهيوني لهم لحظة خلال كل خرابيط عملية السلام. والحقيقة أن مؤتمر أنابوليس برمته هو في الجانب الفلسطيني منه، محاولة لإطباق الحصار على حماس ولتكريس السلطة الفلسطينية ممثلاً للفلسطينيين. ومن هنا، وضمن شروط هذه اللحظة بالذات، فإن مناهضة مؤتمر أنابوليس حقاً تقتضي تأكيد الدعم لحماس في غزة، وليس الدعوة الهلامية "لنبذ الاقتتال والتأكيد على الوحدة الوطنية".

ليست هناك تعليقات: