الأربعاء، كانون الثاني ٣٠، ٢٠٠٨

وسقط أول الجدران ولكن إحذروا القادم من الأيام

بقلم محمد رياض

كما يشار لتاريخ سقوط القسطنطينية في 27-5- 1453م بإنه تاريخ إنتهاء العصور الوسطى في أوروبا, و كما يشار لتاريخ سقوط جدار برلين في 09-11-1989م بإنه بداية إنتهاء الحرب الباردة فإن تاريخ 22-01-2008م سيشار له بإعتباره البداية العملية للوحدة العربية و سقوط الفكر الإقليمي و الحدود المصطنعة بين بلاد العرب.

فدلالات ما حدث على شقي الحدود بين مصر و غزة أعمق بكثير مما يذهب إليه بعض السطحين بإعتباره مجرد حركة (تنفيس) أو أنه وضع إستثنائي مؤقت لا يلبث أن يزول لتعود الأمور لما كانت عليه, و ذلك لأن الإستعمار و أذنابه من الحكومات العميلة بعد أن قاموا بتشيد هذه الحدود الإسمنتية العالية على الأرض أرادوا تكريس الفكر الحدودي التجزيئي في قلوب الناس و عقولهم, بحيث تزداد قدسية و رهبة هذه الحدود مع تعاقب الإجيال فيتعسر على الناس مع مرور السنين مجرد تخيل عدم وجودها, فتكتسب بهذا شرعيتها من قدمها و أنها اصبحت عند الناس بحكم القضاء و القدر.

و لهذا فإن من اهم إنجازات يوم العبور الغزاوي العظيم إلى مصر و الذي تابعه جميع العرب على الهواء مباشرة أنه أثبت للناس ان تلك الجدران حجارة لا تضر و لا تنفع و لا تملك من أمرها شيئاًَ و لا تقدر أن تذود عن حماها, و إنما ظن الناس انها لا تزول عن جهل منهم و قصر نظر.

و لهذا و بعد ان سقط جدار الخوف و الرهبة العربي بسقوط جدار رفح فإنه سيكون لهذا اليوم ايام مشهودة تليه و سنشهد سقوط المزيد من مخلفات سايكس بيكو من الجدران الفاصلة بين بلاد العرب.

حين كنت اتابع مشهد إكتساح الحدود بين غزة و مصر من قبل الجماهير الغاضبة, عادت بي الذكرى و رجعت أعواماًَ طوالاًَ إلى الوراء و تحديداًَ في رمضان لعام 1996م حيث علقت و علق معي عشرات الألوف ممن قصدوا الأراضي الحجازية لإداء العمرة لثلاثة أيام في المنطقة الفاصلة بين الحدود الإردنية و السعودية, و مع أني لا أعرف حتى لحظات كتابة هذه السطور على وجه الدقة سبب ذلك التأخير و الذي أجبرنا على إفتراش أرض الصحراء و إلتحاف سمائها طوال هذه الأيام الثلاثة (مع اني سمعت فيما بعد من مصدر غير موثوق أن السبب يرجع إلى خلاف بين السلطات الحدودية في البلدين حول بعض الإجراءات الشكلية لإدخال الباصات) , المهم, شعرت كم كنا أغبياء حينها, فالأمر لم يكن يستأهل كل هذه المعاناه و كل ما كان علينا القيام به هو الدوس على ذلك السلك الشائك اللعين و التوجه( بباصاتنا) نحو بيت الله الحرام, و لم لا! و قد كنا نزيد عن العشرة ألاف و من يحرس المعابر من الطرفين لا يتجاوز المائة عنصر.

أما الاّن و قد تعلمنا الطريقة و شاهدنا الأسلوب و إستمتعنا بالأداء فسيصبح هذا الامر موضة بإذن الله.

غير أني أخشى على هذا الإنجاز من أهله قبل غيرهم, فالأن و قد فتح المعبر عنوة بات إغلاقه مجدداًَ جرماًَ لا يغتفر, و بما ان النظام المصري بالخمسمائة جندي الذين يسمح له بنشرهم في سيناء (كحد اقصى) غير قادر على و قف زحف مئات الألاف من البشر من و إلى المعبر حتى لو أراد منعهم, فإن من بيده القرار الفعلي لإغلاق المعبر و إعادة الأمور إلى ما كانت عليه إبان حقبة سايكس بيكو هي المقاومة الفلسطينية و حركة حماس تحديداًَ .

و لهذا يحاول النظام المصري ونظام السلطة الغير وطنية في رام الله قتل الظاهرة المذهلة بما تحملة من بذور مشروع وحدوي في مهدها و ذلك بالإيقاع بحركة حماس و بعبارة اخرى إستهبالها للإلتفاف على هذا الإنجاز الجماهيري العظيم و تجيره لصالحها, فالحكومة المصرية تريد إستعادة بعض ماء الوجه المهدور تحت اقدام الغزاويات بالعودة للسيطرة على الوضع و إغلاق الحدود و تصوير الأمر و كأن النظام قد منح الفلسطينين تعطفاًَ منه و تفضلاًَ بضعة أيام لتذوق طعم الحرية و للتزود بالسلع التموينية و قد إنقضت المهلة و عاد كل إلى بيته...(طبعاًَ لو كان الامر هكذا لقامت الشرطة المصرية بفتح بوابة المعبر و لما إحتاجت المقاومة لتفجير الجدار!!!).

و سلطة الخون في رام الله تريد عودة نفوذها إلى غزة و لا يضير أن تكون البداية في المعبر و تحت ذرائع شتى, و حماس كلما كادت أن تركن إلى هذا الطرف او أن تميل إلى ذاك سخر الله لها مصيبة ترجعها إلى رشدها.

و بإختصار, على حماس أن ترفض إغلاق المعبر مجدداًَ, فالحصار الإسرائيلي لم يرفع بعد, و إستمرارية تدفق الاشخاص و البضائع و المؤن من و إلى القطاع ضرورة حيوية لا غنى عنها, و الرأى العام المصري مع فتح المعبر, و ليبعث النظام المصري بمليون جندي (إن هو أصر على غلق المعبر) ليضبطوا مليون و نصف غزاوي جائع و متمرد إن إستطاعوا, و لن يفعل طبعاًَ, ليس لأنه محكوم بإتفاقية كامب ديفد التي لا تتيح له نشر اكثر من خمسمائة جندي في سيناء فحسب, بل لأنه ليس هنالك مليون و لا حتى ألف جندي عربي مصري مستعد لضرب أهل غزة.

أما إرجاع السلطة الفلسطينية العميلة إلى معبر رفح بعد ان أخرجوا منه أذلة مهطعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم و كل منهم يقول النجاة يا نفسي فخيانة لله و للغزاويين.

ليست هناك تعليقات: