السبت، شباط ٠٢، ٢٠٠٨

خطوة أخرى نحو استكمال تحرير غزة

نشرت في صحيفة السبيل الأردنيّة بتأريخ 29/01/2008


د. إبراهيم علوش

شكل قيام المقاومة والجماهير بفتح معبر رفح بالقوة في 22/1/2008 خطوةً تاريخية لاستكمال تحرير القطاع، كما شكل التخلص من هيمنة الأدوات الأمنية المرتبطة بالعدو الصهيوني خطوة سابقةً لها بنفس الاتجاه...

فبعد الانسحاب الصهيوني القسري من غزة عام 2005، بقيت السيادة على البحر والجو والمعابر بيد الكيان الصهيوني، وبقيت الأجهزة الأمنية المرتبطة بالعدو الصهيوني تمارس فوضاها وفسادها داخل غزة، ولذلك لم يكتمل تحرير غزة وقتها، مع العلم أن ثمة شريطاً حدودياً محتلاً في القطاع أكبر بكثير من مزارع شبعا لو عدنا لخرائط الهدنة عام 1949، وهي مجرد نقطة تقنية عابرة يمكن أن تستغلها قوى المقاومة إعلامياً وقانونياً حسب الضرورة (تماماً كما تفعل المقاومة اللبنانية مع مزارع شبعا)، والأساس طبعاً أن فلسطين من البحر للنهر كلها عربية وكلها محتلة لا بد من تحريرها، ما خلا قطاع غزة الذي تحرر جزئياً، تحت نيران المقاومة وبدون قيد أو شرط، بفضل تضحيات المقاومين.

ولولا أن تحرير غزة، أي الانسحاب الصهيوني القسري، كان جزئياً وغير مكتمل، لما تمكن العدو الصهيوني من فرض الحصار على القطاع بعد إعلانه «كياناً معادياً». ولكن تتمة معادلة إغلاق القطاع وخنقه، عقاباً له على خطواته باتجاه التحرر الفعلي، كانت طبعاً إغلاق الحدود القطرية المزيفة التي تفصل غزة عن مصر، وهي مثل كل الحدود المزيفة بين الأقطار العربية، حدودٌ ما أنزل الله بها من سلطان، وليس لها أي مبرر تاريخي أو عروبي أو إسلامي، إلا كإحدى النفايات النتنة لاتفاقية سايكس-بيكو، وكتتمة طبيعية لوعد بلفور. فما كان لوعد بلفور أن يتحقق لولا التجزئة القطرية التي تعانيها بلاد المشرق بالأخص، تماماً كما يسهم وجود الكيان الصهيوني، بموقعه المستعصي بين الجناحين الآسيوي والأفريقي للأمة العربية، بتعزيز التجزئة القطرية.

وتسهم الحدود القطرية بالمناسبة بخنق مشروع تحرير فلسطين عبر حدود دول الطوق، وليس فقط عبر «الحدود» المصرية-الفلسطينية. ولنا أن نتخيل فقط كيف يمكن أن تتصاعد المقاومة الفلسطينية لولا الستار الحديدي الذي تحمي به الأنظمة العربية دولة العدو. ومن الواضح أن العائق الأساسي اليوم أمام الجهاد في فلسطين هو الأنظمة العربية. ولننسَ الجهاد عبر الحدود هنيهة إن شئتم، فلا نريد من الأنظمة العربية أن تشتغل بالمقاومة أصلاً... فمن الواضح أن خطوط الإمداد للمقاومة داخل فلسطين تقطعها الأنظمة العربية، ولو قطعت سوريا مثلاً خطوط إمداد المقاومة اللبنانية، لما تمكنت الأخيرة من تحقيق الإنجازات التي حققتها إلا بأضعاف الجهد والتضحيات، وهو الأمر الذي يفسر لماذا تضحي المقاومة الفلسطينية أكثر وتنجز أقل، إلى جانب ضياع بوصلة الثوابت والاستعداد العالي للمساومة والتفريط عند قيادة «م.ت.ف».

حصار غزة إذن هو حصار مزدوج، صهيوني-رسمي عربي بالشكل، ولكن مضمونه يقوم على علاقة التكامل ما بين الاحتلال والتجزئة، تماماً كما كان حصار العراق بين عامي 1990 و2003 من قبل النظام الرسمي العربي تكاملاً للاحتلال والتجزئة. ومن هنا، تمثل المبادرة التاريخية التي قامت بها المقاومة والجماهير الفلسطينية، باقتحام معبر رفح بالقوة، خطوة مزدوجة لتحقيق هدف التخلص من الاحتلال، من جهة، من خلال استكمال تحرير القطاع، ولتحقيق هدف إسقاط حدود التجزئة من جهةٍ أخرى. ومن الطبيعي بالمقابل أن مشاعر الجماهير المصرية المتعاطفة بقوة مع غزة تكاملت بالضرورة مع هدف إسقاط «الحدود» المفتعلة ما بين مصر وفلسطين، وأن خطوة اقتحام المعبر ما كانت لتتم أبداً لولا رضا الشارع المصري عنها، وهو أمر طبيعي، لأن مصر هي الشعب لا النظام، والوطن العربي هو الشعب العربي لا النظام الرسمي العربي...

بالرغم من ذلك، أتحفنا عددٌ من كتاب التدخل السريع والمارينز الإعلامي بمقالات وتعليقات تحاول إعادة تأويل حدثٍ تاريخيٍ عظيمٍ بمستوى إسقاط «الحدود» بين مصر وفلسطين كفورة عمياء لثلة من «الجياع» أو «اليائسين»، لا باعتباره مبادرة تاريخية من أصحاب قضية وحق.

فهل دخل الغزيون العريش ورفح المصرية كالرعاع ليخربوا ويعيثوا فيها الفساد، أم دخلوها آمنين؟! ثم كيف نفسر دخول آلاف المصريين بالاتجاه الآخر، من سيناء إلى غزة، إلا كمكمل ضروري لمبادرة إسقاط حدود بين أبناء الشعب الواحد لا مبرر لها أصلاً، ناهيك عن المشاركة في حصار غزة؟! هل ذهب المصريون ليأكلوا في غزة أيضاً؟! وعلى أية حال، إن قبلنا جدلاً بأن اقتحام المعبر وتدمير الحدود جاء بسبب الجوع الفيزيولوجي فحسب، فإن ذلك يثبت أن الجوع والخوف يقبعان ضمن الحدود القطرية، وأن الرفاهية والأمان يقبعان خارجها.

إن الذين يتباكون اليوم على فصل غزة عن الضفة، يفضلون أن تبقى غزة بيد العدو الصهيوني على أن تتحرر، وهؤلاء يبكون على سلطتهم الضائعة، لا على غزة. وأصحاب الخطاب الذي يطالب بإعادة الحدود الوهمية إلى مكانها بذريعة عدم السماح للعدو الصهيوني التنصلَ من مسؤولياته القانونية تجاه غزة، يتجاهلون بأنهم قبلوا تنصل الاحتلال من مسؤولياته عندما رضوا بتأسيس سلطة فلسطينية تتولى مسؤولية الحكم الذاتي وحماية أمن العدو الصهيوني. أولئك الذين طالبوا العدو الصهيوني بإغلاق المعابر أصلاً لا يحق لهم ادعاء الحرص على المحاصرين في غزة. ومن يفصل غزة عن الضفة، ويفصلهما عن باقي فلسطين، هو الاحتلال. وبالتالي فإن أي خطوة باتجاه استكمال تحرير غزة تقربها أكثر من القدس، لأنها خطوة باتجاه تحرير باقي فلسطين. وبدلاً من التباكي على «المسؤولية القانونية لسلطة الاحتلال»، علينا أن نطرح بقوة أكبر مسؤولية الأمة في مشروع تحرير فلسطين.

ليست هناك تعليقات: