الاثنين، شباط ١١، ٢٠٠٨

فيلم مايكل مور Sicko: نقد للنظام الأمريكي ومديح لمعتقل غوانتنامو!

http://www.freearabvoice.org/arabi/maqalat/Sicko.htm

د. إبراهيم علوش

اشتهر مايكل مور بأفلامه الوثائقية اللاذعة والناقدة للنخبة الحاكمة في الولايات المتحدة، وكان أشهرها على الإطلاق طبعاً فيلم فهرينهايت 11/9 حول أحداث الحادي عشر من سبتمر، الصادر رسمياً في 25/6/2004، وهو يعتبر أشهر فيلم وثائقي في تاريخ صناعة الأفلام، وصلت عائداته إلى مئتي مليون دولار حسب أحد المصادر، و220 مليوناً حسب مصدر أخر، منها 120 مليوناً في الولايات المتحدة والباقي خارجها، وهو رقم لم يصله فيلم وثائقي أبداً، ناهيك عن حصوله على جائزة "سعف النحيل" الذهبية في مهرجان "كان" للأفلام، مع أنه لم يُرشح لأية جوائز أوسكار في الولايات المتحدة حيث يعيش ويعمل مخرج الفيلم مايكل مور، ومع أن شركة ديزني للأفلام، منتج الفيلم، حاولت منع توزيعه، حتى اشترت حقوقه شركة أفلام أخرى.

وفيلم فهرينهايت 11/9 ينتقد نفاق وعدم كفاءة إدارة الرئيس بوش الابن بقسوة، ويعري "الحرب على الإرهاب" وحجج العدوان على العراق، ولكنه يتجاهل تماماً دور اللوبي اليهودي/الصهيوني في الولايات المتحدة في التحريض على العدوان على العراق، مركزاً عوضاً عن ذلك على العلاقة المالية والتجارية ما بين عائلة بوش وعائلة بن لادن.

وكان مايكل مور قد أخرج عدداً من الأفلام الوثائقية قبل فهرينهايت 11/9، منها مثلاً Bowling for Columbine الصادر رسمياً في 11/10/2002، وهو فيلم ينتقد ثقافة العنف اليومي واقتناء السلاح الفردي في الولايات المتحدة الأمريكية، مع العلم أن حق اقتناء السلاح الفردي من أهم مواضيع الصراع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة، حيث يصطف الجمهوريون ولوبيات السلاح مع هذا الحق، ويصطف الديموقراطيون في معظمهم، وليس كلهم، واليساريون، ضده.

وقبلها أخرج مايكل مور فيلماً وثائقياً بعنوان The Big One يهاجم فيه طرد مئات آلاف العمال من وظائفهم في شركات تحقق أرباحاً مهولة، وقد صدر هذا الفيلم عام 1997، وركز على شركة Nike التي نقلت مصانعها من أمريكا إلى أندونيسيا، حيث العمالة أرخص.

ولمور بنفس التوجه فيلمٌ وثائقيٌ أخر صدر عام 1989 عما جرى في بلدته فلينت Flint، في ولاية ميشيغن الأمريكية، عندما أغلقت شركة جنرال موتورز GM مصانعها هناك ورحلت إلى المكسيك، مخلفة البطالة والخراب خلفها، وهذا الفيلم هو فيلم مايكل مور الأول، ويحمل عنوان Roger and Me، أي "روجر وأنا"، نسبة إلى الاسم الأول للسيد روجر سميث رئيس مجلس إدارة شركة جنرال موتورز وقتها. وهو فيلم يهاجم فيه مايكل مور بحدة وجهة النظر الليبرالية الجديدة في العولمة، وعواقبها على الناس والعمال والبيئة.

أما الفيلم الوحيد غير الوثائقي الذي أخرجه مايكل مور، فصدر عام 1995، وهو Canadian Bacon أو "لحم مقدد كندي"، وهو بنفس التوجه اللاذع، عن رئيس أمريكي خيالي يعلن الحرب على كندا المجاورة.

ولا يعتبر مايكل مور نفسه يسارياً، مع أنه يُصنف كذلك، بل هو أقرب في الواقع إلى الليبرالية كما يصنف نفسه، زائد حس اجتماعي مرهف لا يتسق مع الليبرالية. وعملياً يقع في المشهد السياسي الأمريكي في أقصى يسار الحزب الديموقراطي، وقد جاء فيلمه Sicko الصادر رسمياً في صيف عام 2007، في 22/6/2007 بالتحديد، مباشرة بعد فيلم فهرينهايت 11/9، جزءاً لا يتجزأ من نقد النخبة السياسية الحاكمة والنظام الأمريكي في أفلام مور السابقة.

وفيلم Sicko يعالج بنفس الأسلوب الساخر مشكلة سيطرة شركات التأمين والأدوية على نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية، مظهراً أن الجمهوريين أساساً وبعض الديموقراطيين، منهم هيلاري كلينتون، سمحوا بإعطاء أرباح الشركات أولوية أكبر من صحة الناس، وتركوا نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة يتدهور حتى بات: 1) يترك عشرات الملايين من الأمريكيين بلا تأمين صحي، أو أي شكل من أشكال الرعاية الطبية إلا على نفقتهم الخاصة، 2) يترك ثغرات قانونية في نظام الرعاية الصحية يسمح للشركات أن تمتنع عن تغطية علاج الكثير من الحالات العادية المؤمنة صحياً، من أجل تقليل الكلفة، حتى عندما يتعلق الأمر بأمراض أو حالات تهدد حياة المريض المؤمن صحياً، 3) يعتبر أكثر نظام رعاية صحي متخلف ليس فقط بين الدول المتقدمة، ولكن أيضاً مقارنةً بدولة مثل كوبا المجاورة يتمتع شعبها بالرعاية الصحية المجانية.

وللتأكيد على كل نقطة من النقاط السابقة، كان مايكل مور يعرض مقابلات مع أشخاص حقيقيين، بعضهم توفي بسبب منع الرعاية الصحية عنه، في أغنى دولة في العالم. ومن الأمثلة الأخرى هنا، قصة واقعية عن رجل أمريكي قطع أصبعان له وهو يعمل على آلة، ولم يكن يتمتع بالتأمين الصحي، فقيل له في المستشفى ما معناه: "إعادة تركيب الأصبع الصغير يكلفك اثني عشر ألف دولار، أما الكبير فإعادة تركيبه ستكلفك ستين ألف دولار"!! ولأن الرجل لم يكن مؤمناً صحياً، ولم يكن يملك المال، فقد بذل وعائلته جهوداً ضخمة للحصول على اثني عشر ألف دولار وركب الأصبع الصغير وترك الأخر مقطوعاً!!

ومن هنا جاء اسم الفيلم Sicko وهي كلمة عامية أمريكية مشتقة من كلمة Sick أي مريض، باستثناء أنها تقال في أحاديث الأمريكيين اليومية للتعبير عن الاختلال العقلي والنفسي، وقد استخدمها مور لوصف نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية المفترض أنه سيعالج المرض، وهي غير كلمة psycho، أو سايكو بالعربية.

وقد فعل مايكل مور الشيء نفسه بالمناسبة مع عنوان فيلم فهرينهايت 11/9، وهو يوحي بدرجة حرارة مرتفعة جداً تؤدي للذوبان، كما حدث للبرجين يوم 11 سبتمبر، ولكن الاسم بالأساس مأخوذ من رواية خيال علمي صدرت عام 1953 بعنوان "فهرينهايت 451" عن مستقبل مظلم تمنع فيه الكتب، ويقمع الفكر النقدي، ويصبح فيه الناس غير اجتماعيين وطلاباً للمتعة فحسب. والرقم "451" هو درجة الحرارة في مقياس فهرينهايت التي يحترق عندها الورق، أو الكتب، وقد تحولت الرواية إلى فيلم بنفس العنوان عام 1966، ويقول أحد المواقع على الإنترنت أن نسخة جديدة من نفس الفيلم سوف تطلق عام 2008.

وعودة إلى فيلم Sicko، فقد كلف حوالي تسعة ملايين دولار، وحقق عائدات مقدراها نصف هذا المبلغ في أول يومين أطلق فيها في بعض دور العرض الأمريكية، بالرغم من القيود عليه، فأصبح بذلك ثاني أشهر فيلم وثائقي في تاريخ السينما الوثائقية، بعد فهرينهايت 11/9 طبعا! ومن الواضح طبعاً أن كثرة العائدات تعني كثرة المشاهدين، وما زال الوقت مبكراً طبعاً لتحديد عائدات الأشهر الأربعة أو الستة الأولى التي لم تمضِ بعد.

ويكشف مور في فيلمه Sicko، من خلال الزيارات الميدانية لمستشفيات وأطباء ومواطنين في كندا وبريطانيا وفرنسا، أن المواطنين الغربيين في كل العالم يتمتعون برعاية صحية أفضل بما لا يقاس من المواطن الأمريكي، وأن سبب ذلك الفرق هو جشع الشركات وتواطؤ السياسيين من الحزبين معها.

ولكن السقطة التي يقع فيها مور في الفيلم، وهي نفسها الزاوية الميتة للكثير من الغربيين الذين ينتقدون أنظمتهم بمرارة، تبقى العرب والمسلمين... ففي سعي مور لتحريض المواطن الأمريكي على من يأكلون حقوقه، يأخذ معه إلى كوبا مجموعة من الأمريكيين الذين تطوعوا في نيويورك بعد أحداث 11 سبتمبر لإزالة الركام والبحث عن المفقودين والجثامين. وكان هؤلاء قد أصيبوا بأمراض مستعصية أو مزمنة نتيجة عملهم المطول (التطوعي) بين ركام البرجين، فرفض النظام الصحي الأمريكي معالجتهم، وتركوا يعانون. المهم، يأخذهم مور إلى كوبا بالسفينة على مقربة من معتقل غوانتنامو لتتم معالجتهم هناك. وهذا المفصل هو الأسوأ في الفيلم، حيث يظهر مور المعتقل بأنه مكان مريح يتمتع فيه "الإرهابيون" بعناية صحية مجانية أفضل من تلك التي يحصل عليها المواطن الأمريكي في بلده، ويظهر مور بعض المعتقلين في غوانتنامو يلعبون كرة القدم، وزنازين كغرف الفنادق يلعب فيها الهواء العليل والشمس الساطعة! ويطلب مور، بالسماعة، على مقربة من المعتقل، من المشرفين عليه، أن يأخذوا الأمريكيين الذين معه ليعالجوهم أسوةً بالمسجونين غير الأمريكيين عندهم الذين يتم علاجهم على حساب دافع الضرائب الأمريكي....

وهنا لا يشط مور عن الحقيقة في وصف ظروف الاعتقال في غوانتنامو فحسب، بل يقدم خدمة مجانية لإدارة الرئيس بوش الصغير بعدما عانت سمعتها الأمرين نتيجة ممارساتها في غوانتنامو وأبو غريب... وكان الحري بمايكل مور أن يتحدث عن التعذيب الجسدي والنفسي الذي يتعرض له سجناء أبو غريب، والحرمان من الحقوق، والاعتقال على مدى سنوات بدون وجه حق أو محاكمة، وكل ذلك.

المهم، يأخذ مور الأمريكيين الذين أتوا معه إلى كوبا، التي يوضح مور عداءه لنظامها، لكي تتم معالجتهم مجاناً هناك، أسوةً بأي مواطن كوبي، وليحصلوا على الدواء مجاناً عملياً أو مقابل فتات.

النتيجة، أرسلت وزارة المالية الأمريكية رسالة لمكتبه تبلغه فيها أنها انتهك قانون حظر التعامل مع كوبا، ويقول موقع على الإنترنت أنه ربما يتعرض لملاحقة من جراء ذلك، ولكن هذا فيلم أخر...

ليست هناك تعليقات: