الاثنين، شباط ١١، ٢٠٠٨

تحية لمهاجمي السفارة الصهيونية في موريتانيا

د. إبراهيم علوش

هل يمكن فصل الهجوم على السفارة الصهيونية في موريتانيا عن تصاعد المشاعر الشعبية العربية والإسلامية تضامناً مع مبادرة جماهير غزة بإسقاط الحدود المصطنعة مع مصر، بتشجيع أهلنا في مصر، وعن تصاعد الجرائم الصهيونية والرسمية العربية بحصار غزة، وفي بقية فلسطين المحتلة؟

بجميع الأحوال، يبقى الهجوم على السفارة الصهيونية في نواكشوط خطوة مباركة وريادية، وإن شاء الله ستتبعها خطوات أخرى أكثر فعالية حيثما يلوث الصهاينة أرض العروبة والإسلام. والضرب بهذا الاتجاه حيث أمكن هو البوصلة الصحيحة، وليس استهداف السياح الفرنسيين، إن كانوا سياحاً بالفعل، أو الدخول في معارك داخلية لا طائل منها، في ظل الاحتلال، مع فصائل وقواعد المقاومة في العراق مثلاً.

فبوركت الأيدي التي عبرت بخير عمل عن أطيب مشاعر الشارع الموريتاني والعربي والإسلامي، بعد أن استبشر خيراً بزوال نظام معاوية ولد الطايع في 3/8/2005، فإذ بالعلاقات مع العدو الصهيوني تستمر، مما يدل أن مؤسسة الحكم، ممثلة بالحزب الجمهوري الديموقراطي الاجتماعي الذي فرخه ولد الطايع، والذي بقي بعده حزباً حاكماً، بعد أن غير اسمه إلى "الحزب الجمهوري للديموقراطية والتجديد" في 31/10/2005، ثم عاد معظم أقوياء الحزب ليخرجوا منه ويخوضوا الانتخابات الموريتانية مستقلين في انتخابات عام 2006 "ليكونوا أهم القوى الموجودة الآن في الجمعية الوطنية وفي المجالس البلدية"، حسب موقع البي بي سي بالعربية في 23/12/2006.

وهكذا كانت عملية إنقاذ النظام من داخله عن طريق تجديد جلده بعدما غالى نظام معاوية ولد الطايع في قمع القوى السياسية من البعثيين إلى الإسلاميين إلى غيرهم، وبعدما حملت بعض فئات من السكان السلاح ضد النظام، وتزايدت النقمة في المؤسسة العسكرية والأمنية نفسها، وتعرض لأكثر من انقلاب عسكري كان الرابع بينها هو الذي أطاح بمعاوية ولد الطايع خلال وجوده بالسعودية أبان جنازة الملك فهد.

ويبدو أن الطرف الأمريكي-الصهيوني شعر بأن مكاسبه في موريتانيا غير مستقرة، فكان لا بد من إعادة إنتاجها بعباءة "ديموقراطية"، تماماً كما تفعل كثير من الدول العربية لعيون الدول المانحة ووسائل الإعلام العالمية والعربية... وكان ولد الطايع قد أقام العلاقات الديبلوماسية مع الكيان الصهيوني في شهر أوكتوبر / تشرين أول عام 1999، وجاء ذلك في ظل تفسخ ما يسمى "عملية السلام"، وتدهور العلاقات الرسمية العربية، خاصة مصر والسعودية، مع الكيان الصهيوني منذ وصل نتن ياهو إلى رئاسة الوزارة في الكيان الصهيوني عام 1996، وهو ما أدى إلى تجميد مسيرة التطبيع آنذاك دون التراجع عما تم إنجازه (إقرأ: التنازل عنه) حتى تلك اللحظة، ولكن مؤتمر "الشرق أوسطية" الرابع في الدوحة عام 1997 مثلاً تمت مقاطعته من قبل النظام الرسمي العربي ما عدا وفود السلطة الفلسطينية والأردن وقطر.

المهم، وصل أيهود باراك لرئاسة وزارة الكيان الصهيوني رسمياً في 6/7/1999، وبقي حتى 10/12/2000 عندما أسقطته انتفاضة الأقصى واحتجاجات أهلنا في فلسطين المحتلة عام 1948، وكان باراك قد وصل الحكم ضعيفاً في انتخابات عام 1999 التي ترشح فيها أيضاً لرئاسة وزارة دولة العدو الصهيوني المناضل الفذ عزمي بشارة، لكنه سحب ترشيحه قبل يوم الانتخابات... وفي ظل ذلك الجو الذي تصاعدت فيه المقاومة اللبنانية، وتزايد فيه الدور السوري في السياسة العربية، وتصدعت العلاقات المصرية-الصهيونية، وانكشف النظام الرسمي العربي أمام مشاريع "الدمقرطة" الأمريكية والتفكيك الطائفي والعرقي تحت عنوان حقوق الأقليات، تقدم معاوية ولد الطايع من خارج الجغرافيا السياسية في أوكتوبر عام 1999 ليعلن إقامة علاقات ديبلوماسية على مستوى السفراء مع العدو الصهيوني!

وكانت علاقاته قد ساءت مع فرنسا وفقد دعمها وغطاءها بسبب اعتقالها لأحد أعمدة نظام ولد الطايع بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، عندما اعتقلت النقيب علي ولد الداده في يونيو / حزيران 1999 بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، شعر نظام ولد الطايع بالتهديد، واتخذ مجموعة من الإجراءات ضد الفرنسيين مثل طرد الخبراء العسكريين الفرنسيين وفرض تأشيرة دخول على جميع الفرنسيين الراغبين بدخول البلاد، مما زاد من شعبية معاوية ولد الطايع في البداية بين الموريتانيين الذين اكتووا بنار التبعية لفرنسا عقوداً مديدة، حسب مقالة لمحمد بن المختار الشنقيطي في الجزيرة نت.

ومن هنا جاء الهروب من فرنسا إلى حضن الطرف الأمريكي-الصهيوني نتاجاً لحسابات تتعلق أساساً بتمديد عمر النظام فحسب، أي حسابات داخلية تماماً، بالرغم من الهراء الذي أطلقه نظام ولد الطايع عن "توظيف علاقاته مع إسرائيل لمصلحة الفلسطينيين"، ولا بد أن هذه المعزوفة المهترئة قد تعلمها النظام الموريتاني في الأردن، حيث أن وزير الخارجية الموريتاني السابق، وسفير موريتانيا في الأردن عام 1999، محمد سالم ولد الأكحل كان هو الذي أدار الاتصالات السرية الموريتانية-الصهيونية في نهاية التسعينات بعد انهيار علاقة النظام مع فرنسا.

المهم، ليس النظام الموريتاني من دول الطوق، ولا يستطيع أن يزعم حتى أن تعب من عبء المواجهة مع العدو الصهيوني كما فعل غيره، مع العلم أن كل يوم يمر يثبت بأن عبء الاستسلام أكبر من عبء المواجهة. وليس له أي مبرر لإقامة العلاقات مع العدو الصهيوني وهي مرفوضة في الشارع الموريتاني، وبالنسبة للعرب والمسلمين، لولا ضرورات استمرار نظام يفتقد لأي دعم داخلي وخارجي حقيقي. ولكن ما حصل لنظام معاوية ولد الطايع يثبت بأن الطرف الأمريكي-الصهيوني لا أمان له، وأنه غير معني إلا بتحقيق أفضل الشروط لاستمرار هيمنته، وبالتالي فهو غير معني لا بمعاوية ولد الطايع ولا بغيره، حتى لو كان هو الذي فتح له الباب بيده ليحقق اختراقاً تطبيعياً، فما بالك إذا كان النفط قد تم اكتشافه في موريتانيا، وتعززت بالتالي أهمية تحقيق استقرار هيمنة الطرف الأمريكي-الصهيوني؟ عندها لا بد من التخلص من ولد الطايع لكي لا يطير الطرف الأمريكي-الصهيوني معه إذا طار... وتطير مصالحه السياسية والأمنية والنفطية.

أخيراً، مسألة تجاوز الثوابت، وإقامة العلاقات التطبيعية، والتبعية للطرف الأمريكي-الصهيوني، ليس فيها رأي ولا وجهة نظر ولا تخضع لنقاش، لأن الخيانة ليست وجهة نظر، ولذلك نقول: بوركت الأيدي التي هاجمت السفارة الصهيونية في نواكشوط.

ليست هناك تعليقات: