الاثنين، تشرين الثاني ٢٦، ٢٠٠٧

مليارديرات الإعلام...سلفيو برلسكوني نموذجاً

مصادر تمويل غير معروفة وأجندة المحافظين الجدد

د. إبراهيم علوش

أنهم حفنة ممن يلعبون بمليارات الدولارات، ولهم وجود طاغٍ في وسائل الإعلام في بلدانهم أو على مستوى عالمي، وهم يوظفون أموالهم ووسائل إعلامهم بوعي وتركيز وبشكل منسق في خدمة أجندة سياسية محددة غالباً ما تكون أجندة المحافظين الجدد، أي أجندة التدخل الخارجي في السياسة الدولية، وأجندة تحرير السوق وتجاوز الحدود والثقافة القومية في السياسة الداخلية، وأجندة الوله الأعمى باليهود وكل ما يمت لهم بصلة في كل شيء، وأجندة تحويل الثقافة إلى سلعة والإنسان إلى شيء والإعلام إلى سلاح لتحقيق كل ذلك.

إنك لتجدهم في كل الدول الغربية اليوم، وبعض الدول غير الغربية، وهم يشتركون بالكثير من الصفات سوى أن أسماءهم مختلفة. وقد سبق أن تناولنا في هذا السياق السيد روبرت ميردوخ، أهم شخصية من شخصيات هذا المنتدى العالمي، على حلقتين، وكان ذلك على خلفية سيطرته على صحيفة الوول ستريت جورنال Wall Street Journal في الولايات المتحدة، وعلى خلفية تضارب التقارير حول أصله اليهودي. وقد نشرت تلك المادة على الرابط التالي:

http://www.freearabvoice.org/arabi/maqalat/Meradookh.htm

ومن أجل استكمال فهم هذه الظاهرة، ظاهرة "مليارديرات الإعلام"، تتناول هذه الحلقة رئيس الوزراء الإيطالي السابق سليفيو برلسكوني، على أن نتناول لاحقاً بعض زملائه في الظاهرة من روسيا وكندا وغيرها. ومليارديرات الإعلام ينتجون دوماً إعلام المليارديرات، أي ينتجون دوماً إعلاماً يخدم في المحصلة مصلحة رأس المال المالي الدولي، وقد وظف برلسكوني ملياراته ووسائل إعلامه المهيمنة على الفضاء الإيطالي لتحقيق أجندة شخصية وسياسية من نفس النوع في إيطاليا، ولإلحاق بلاده بسياسة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة بعيداً عن أوروبا، وباتجاه غزو العراق.

برلسكوني بملياراته الأحد عشر (عام 2006) هو أغنى رجل في إيطاليا، وقد شكل أول حكومة يمينية صارخة في البلاد منذ عشرات الأعوام. فكيف تكونت هذه الظاهرة؟

البداية: كان والد سيلفيو برلسكوني موظفاً في بنك صغير في مدينة ميلانو الإيطالية اتهم لاحقاً بغسيل الأموال لمصلحة المافيا. وقد ولد برلسكوني الابن في ميلانو وترعرع فيها ودرس الحقوق في جامعاتها، وتخرج محامياً ولم يخدم إجبارياً في الجيش حسب القانون، وتزوج في نفس المدينة في بداية الستينات. وخلال تلك الفترة، اشتغل برلسكوني في المقاولات وتعهدات البناء. وفي نهاية الستينات، خطر له أن يبني مدينة سكنية تحتوي 3500 شقة اسماها ميلانو 2. وقد بناها قرب مدرج مطار حيث الأراضي أقل قيمةً بسبب الضجيج والطلب على الشقق السكنية أقل. وفجأةً، انتقلت حركة الطائرات "بالصدفة" إلى مطار أخر جديد، وازدادت قيمة الشقق أضعافاً مضاعفة وباتت "ميلانو 2" منجماً للذهب.

وجاء دخوله إلى عالم الإعلام جزءاً من مخططه لبناء المدينة الجديدة عام 1973 من خلال الكبل Cable التلفزيوني، أو الخط الذي يوصل التلفزيون للمدينة مثل خطوط الماء والكهرباء والهاتف. وفي عام 1978 أسس مجموعته الإعلامية الأولى "فيننفيست" Finenvest التي ربحت مئات الملايين من الدولارات خلال خمس أعوام من تأسيسها، وما زالت مصادر التمويل غير معروفة حتى الآن، بالرغم من الجهود المبذولة من عدد من المدعين العامين في إيطاليا على مدى سنوات، بسبب الشبكة المعقدة من الشركات القابضة التي تم جمع الأموال عبرها!

وقد سيطرت أو أسست شركة "فيننفست" Fininvest تدريجياً سلسلة كبيرة من محطات التلفزيون المحلية التي تقدم برامج متشابهة، قبل الفضائيات، مما خلق شبكة تلفزيون قومية عملياً يسيطر عليها شخص واحد. وكان القانون الإيطالي وقتها يمنع تأسيس المحطات القومية إلا من خلال الدولة. ولكن برلسكوني أسس ثلاث محطات قومية خاصة ابتداءً من عام 1980. وأسس رابعة اشترتها منه عائلة أخرى. وكان كل ذلك مخالفاً للقانون، وصدر حكم قضائي بإيقاف تلك المحطات. ولكن علاقة برلسكوني الخاصة في الثمانينات مع رئيس الوزراء ورئيس الحزب الاشتراكي الإيطالي بتينو كراكسي جعلت كراكسي يصدر مرسوماً عاجلاً من مكتب رئاسة الوزراء بالسماح لشركات البث التلفزيوني الخاصة ببرلسكوني بالبث!

وأدى ذلك المرسوم إلى حدوث فوضى سياسية في البلاد، ومنعت محطات برلسكوني من بث الأخبار والتعليقات السياسية على مدى سنوات، حتى صدر قانونٌ عام 1990 يسمح لها بالبث كما تشاء، ولكن برلسكوني كان قد توسع خلال تلك الفترة إلى إنتاج الأفلام والمسلسلات... وفي عام 1990 نال فيلم "مديترانو" Mediterraneo الذي أنتجه جائزة الأوسكار.

وكان برلسكوني قد طلق زوجنه عام 1985، ثم تزوج عام 1990 من الممثلة الإيطالية التي كان قد أنجب منها ثلاثة أطفال قبل الزواج، وأقام حفلة عرس باذخة كان رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق بتينو كراكسي أحد شهوده فيها أو "شبينه".

وفي عام 1999 توسع برلسكوني بقوة في وسائل الإعلام، مؤسساً مع شركة "كيرش" الألمانية مجموعة إعلامية ضخمة اسمها مجموعة أبسلون الإعلامية Epsilon MediaGroup.

أما شركة برلسكوني الأساسية فهي "مجموعة الإعلام" Media Set وهي تتألف من ثلاث محطات تلفزيونية إيطالية يشاهدها نصف جمهور التلفزيون الإيطالي، كما تتألف من واحدة من أكبر وكالات الإعلان والدعاية في إيطاليا واسمها Publitalia، وتضم أكبر دار نشر في البلاد واسمها Arnoldo Mondadori، وهي تصدر واحدة من أكثر المجلات شعبيةً في البلاد، وهي "بانوراما". ولبرلسكوني امتدادات في صناعة السينما وشركات توزيع الأفلام والمسلسلات، وفي شركات التأمين والمصارف، وفي عدد أخر من الشركات.

ويملك أخو برلسكوني "المجلة" وهي صحيفة يومية يمنية موالية لبرلسكوني، والمقصود موالية بشكل شخصي، وليس فقط سياسي، حيث تغطي الجريدة الاهتمامات الشخصية لبرلسكوني التي يحب أن يقرأ عنها في الصباح على حساب الأخبار اليومية!!

وتشارك زوجة برلسكوني بملكية صحيفة يومية غير تقليدية تثير قضايا خلافية وتطرح وجهات نظر خلافية، ولكن معادية للشيوعية بشكل عام كما يقول أحد التقارير.

وقد تملك برلسكوني فريق ميلانو لكرة القدم الذي لعب دوراً كبيراً في نجاحه السياسي، حيث أسس حزباً اسمه "إيطاليا إلى الأمام" Forza Italia على اسم فريق مشجعي فريق ميلانو! وقد أسس الحزب قبل شهرين من الانتخابات الإيطالية عام 1994، وربح حزبه فيها، وأصبح بعدها رئيساً للوزراء، ولكن حكمه لم يدم طويلاً بسبب تفكك ائتلافه الانتخابي. وفي عام 2001 ربح برلسكوني الانتخابات من جديد، وخسرها عام 2006 بفارق بسيط جداً. وقد قالت مجلة الإيكونوميست البريطانية عن فترة حكمه الممتدة ما بين عامي 2001 و2006 أنه كان يسيطر خلالها بشكل مباشر على 90 بالمئة من الإعلام الإيطالي سواء كمالك، أو بصفته رئيساً للوزراء.

والباقي معروف، من التحريض على العدوان على العراق، إلى التحالف الدولي مع بوش الابن، إلى المشاركة بالعدوان على العراق، الخ... والمهم هو توظيف الثروة الهائلة غير معروفة المصادر، ووسائل الإعلام العملاقة التي تصنع الرأي العام والتي تكونت تلك الثروة في جنباتها، من أجل الوصول للسلطة بشكل "ديموقراطي" أو لتمرير أجندة العولمة المالية.

على فكرة، ملكية فرق كرة القدم كان روبرت ميردوخ بدوره قد حاول الدخول إليها أيضاً. وهو نوع من السيطرة على الموارد الخام، ويشبه سيطرة شركة سيارات على مصنع إطارات، وذلك أن تغطية مباريات كرة القدم، والحق بتغطيتها، من أكثر البنود كلفةً في موازنات التلفزيون!!!

ليست هناك تعليقات: