الاثنين، تشرين الثاني ٢٦، ٢٠٠٧

إعادة إكتشاف الإسلام

بقلم محمد رياض

منذ بضعة أيام بعث إلي صديق برسالة يقترح فيها علي أن ننظم حملة إلكترونية لمطالبة الحكومات العربية بزيادة عدد ساعات تدريس مادة التربية الإسلامية في المدارس الحكومية. و رددت عليه بإقتراح مقابل و هو أن توجه الحملة نحو المطالبة بإلغاء تدريس أي مادة تتعلق بالدين الإسلامي للجيل القادم في البلاد العربية. و مع أني قصدت من ردي هذا ان أفتح باباًَ للحوار حول هذا الموضوع أوضح من خلاله وجهة نظري إلا أن الله إبتلاني حينها بالإصابة بداء الأنفلونزا و الذي ألزمني الفراش عدة أيام, فلم اتمكن من الكتابة إليه بتفصيل أكثر وكذلك لم يصلني منه أي رد على مقترحي و غالب ظني أني خسرته كصديق إلى الأبد.
ربما قال صديقي في نفسه, ألحد الرجل. و انا و الله ما ألحدت, بل انني أزداد إيماني كلما تفكرت في هذا الدين القويم, غير اني متقين تماماًَ أن ديننا هذا بحاجة إلى إعادة إكتشاف, فما يقدم لأولادنا اليوم في مدارسناعلى أنه الإسلام ليس هو بالضبط ما جاء به محمد بن عبد الله قبل ما يزيد عن الف و أربعمائة عام. فخالد و عمر و على و ابو ذر لم يخبروا علم الكلام و لم تكن لهم دراية بطبقات المتكلمين و لا علم بإمهات الكتب الفقهية و لم يقرأوا علوم الفرس و اليونان, حتى نبيهم محمد لم يكن أكثر من راعي للغنم في بطون مكة .
و قطعاًَ أن لله حكمة من إختيار رسوله و بعث رسالته في هذه الامة الأمية البدوية البسيطة البعيدة عن تعقيد الحياة في المدن الكبرى كالحيرة و دمشق و القسطنطينية, و ذلك ان أهل تلك البلاد (المتحضرة ) حسب مقاييس ذلك الزمان لم يكونوا مناسبين لحمل الامانة, ذلك ان عقولهم كانت مشوشة بتعقيدات حياتهم الحضرية المتطورة نسبياًَ في و قتهم, حيث تختلط الأفكار و العلوم و تتمازج, فهناك الفلسفة اليونانية و علم الحكمة الهندي و المعتقدات الدينية الفارسية و غير ذلك من علوم و معارف الأقدمين, و حيث المجتمع مكون من طبقتين, حاكمة تمتاز بثراء فاحش و اخرى مسحوقة تمتهن العبودية و السخرة, لذلك كله لم تكن عقول أولئك الأثرياء المشوشة بكل تلك الأفكار و الفلسفات و لا عقول العبيد و المسحوقين و الذين ألفوا الإمتهان والذلة بصالحة لحمل الرسالة الالهية الواضحة و البسيطة و المعبرة جداًَ كذلك.
جاء محمد ليعلن للبشرية انه ليس من إله غير اله واحد و انه مالك كل شيء لا ينازعه احد في ملكه و سلطانه و ليس كألهة الظلام و النور الفارسية المتصارعة من الأزل أو كألهة الجمال و القبح و الخير و الشر الإغريقية الطيبة منها و الشريرة و المتنازعة فيما بينها دوماًَ. أخبر محمد قومه أن إلهه واحد لم يولد و لم يكن له ولد ليبعثه إلى الارض فيقتل تكفيراًَ عن خطايا المجرمين. و لأنه واحد قهار فأمره يسري على الجميع, الوضيع منهم و السلطان و لذلك فليس لقيصر من الامر شيء و كل الأمر لله.
جاء محمد ليعلمهم أن الناس كلهم من نفس واحدة و أن لا فضل لجنس على اّخر و أنه لا يوجد شعب مختار و اّخر مسخوط عليه, و ان الحاكم راع و مسئول امام الله و أمام رعيته و أنه عبد من عبيد الله ليس فيه دماء زرقاء و عظامه ليست من الفضة. علم محمد أصحابه انهم امة و احدة, بل جسد واحد و أخبرهم كذلك ان احدهم يخرج من الملة إن هو نام شبعاناًَ و جاره جائع. ومحمد فوق هذا أقر حسبة سنوية لإعادة توزيع الثروة حيث كان يأخذ من أموال الأغنياء ليعطي الفقراء و قد سمى ذلك حقاًَ و ليس صدقة.
و محمد لم يكن درويشاًَ على باب الله معتكفاًَ في صومعته و زاهداًَ في متاع الدنيا بل كان ثائراًَ و مقاتلاًَ صنديداًَ قضى معظم عمره في مقارعة الظالمين من الأعراب و الأعداء من اليهود و المحتلين من الروم بالسيف حتى إنه قضى إلى ربه و هو في خضم تجهيز حملة لقتال جيوش الإمبراطورية الرومانية و حلفائهم من الأعراب العملاء من المناذرة.
و هكذا كانت رسالة الإسلام و هكذا فهمها الرعيل الاول, فالوحدانية عنت لهم االكفر بعصمة أي مخلوق , أياًَ كان, و التمرد على الظلم و الظالمين لأن الله يبغضهم و مقارعة المعتدين لان الله امرنا بذلك و قول الحق من غير خوف و لا وجل من حاكم او ظالم لأن الله أخبرنا أن هذا من اعظم الجهاد, فهموه على انه نظام شامل للتكافل الإجتماعي و المساواة بين فئات المجتمع. و بإختصار فهم جيل محمد الإسلام على انه الثورة.
غير أن محمداًَ قد قضى إلى ربه و كذلك قضى صحبه المقربين ثم جاء بعدهم قوم تركوا الاصل و تمسكوا بالفرع و أهملوا الجوهر و اخذوا بالسطح, و هكذا إنقسم جسد أمة محمد الواحد إلى مذاهب يتناحر اتباعها حول إذا ما كان لمس يد المرأة يفسد الوضوء و حول طريقة و وضع اليدين في الصلاة و حول و حول (طبعاًَ محمد لم يكن عنده و قت لبحث كل هذه التفصيلات لأنه كان منشغلاًَ دوماًَ بقتال الظالمين) ثم أبتلي هؤلاء الفقهاء بعلم الكلام و تأثروا بفلسفة الاغريق و بحكمة الهنود و حتى بإساطير الفراعنة عن حياة ما بعد الموت و دمجوا كل ذلك عن قصد و بدون قصد في دين محمد. ثم ما لبثت أن ظهرت تيارات بين الناس لم يألفها احد من قبل فإنقسم الناس إلى شيعة و سنة و إنقسم السنة ألى معتزلة و أشاعرة و صوفية و سلفية و مرجئة , و إنقسمت الشيعة إلى إمامية و إسماعيلية و زيدية الى اّخر ذلك من مسميات مما لم ينزل الله به من سلطان.
وخلف هؤلاء قوم كانوا اتعس منهم , فقد ورثوا تعاسة أبائهم و زادوا عليها, فأصبغوا على أصحاب المذاهب و المتكلمين و حتى الفلاسفة هالة من التقديس و المهابة تقترب مما في نفوس المؤمنين لانبيائهم, و هكذا ظهرت علوم الطبقات و الاصول و الشروح و شروح الشروح و إختصارات شروح الشروح و إكتظت المكتبات و إمتلأت الرفوف بشتى انواع الكتب الدينية و التي تعج صفحاتها بقال فلان عليه الرضوان و زاد فلان سيد البيان.
و الأدهى من ذلك ان هذه الشروح و التفاسير و التي لم تسلم من سفسطة علم الكلام و فلسفة الإغريق فإنها كذلك لم تسلم من الروايات المدسوسة و الاحاديث المكذوبة و الإسرائيليات, بل إن هذا الدس قد وصل إلى مرحلة مرعبة في بعضها, فعلماء السنة يقولون إن هناك عشرات الألوف من الروايات الإسرائيلية في كتب التفاسير المعتمدة و كذلك فإن علماء الشيعة يقرون بإن ثلثي كتاب الكافي مثلاًَ (أكثر كتب الحديث النبوي و روايات الأئمة إعتماداًَ لدى الشيعة) مكون من روايات مدسوسة أو ضعيفة او مردودة.
ثم جاء بعد تلك الأجيال خلف أكثر منهم سوءاًَ فقد بالغوا بتقديس هذه الشروح و الملحقات لدرجة إعتقادهم بقدرتها على النفع و الضرر و صد الاذى, و كتب التاريخ تذكر أن مشايخ الجامع الأزهر كانوا قد دعوا الجماهير لإجتماع عاجل داخل المسجد حين علموا بنزول نابليون بونابرت و جيوشه البر المصري, نعم جمعوا الناس و لكن ليقرأوا شرح صحيح البخاري سبع مرات حتى ترد بركته عنهم جنود الفرنسيس. عند قرائتي لهذه الرواية شعرت بالأسف و الحزن على النبي محمد حينما حاصره المشركين في المدينة فلو كان عند هذا النبي المسكين نسخة من شرح صحيح البخاري لما إحتاج إذاًَ لإرهاق نفسه و صحبه بحفر الخندق حول مدينته.
و هل لو شاء الله ان يبعث محمدا من مرقده في يومنا هذا ! فهل سيكون عليه السلام ملماًَ بكل ما في هذه الألاف المؤلفة من الكتب و الشروح و التفاسير؟
للأسف إذاًَ فلقد تحول دين الثورة إلى دين كهنوتي ممتلئ بالطلاسم يقوم عليه رجال قد نابوا عن الله في ارضه و يستندون على كتب و مخطوطات هي عندهم مقدسة لا لشيء إلا لقدمها و فيها الحلو و المر و العجر و البجر و الغث و السمين.
و هكذا فإن ما يدرس في مدارسنا لأبنائنا هو غيض من فيض هذه الشروح و التفاسير و كأن ما جاء به محمد من امر الله قد قبر معه حين دفن عليه السلام و هكذا فإني رمت من دعوتي إلغاء مادة التربية الإسلامية في مدارسنا خيراًَ لديننا و أبنائنا لعلهم إن كبروا من غير أن يعرفوا شيئاًَ عن دينهم كان ذلك لهم محفزاًَ لإكتشاف الإسلام من جديد و من منبعه الاول .
كنت أود ان اقول كل هذا لصديقي العزيز (سابقاًَ) و لكن قبح الله الأنفلونزا.

ليست هناك تعليقات: