الاثنين، تشرين الثاني ٢٦، ٢٠٠٧

رياض منصور مندوب "إسرائيل" الثاني في الأمم المتحدة

د. إبراهيم علوش

المدعو رياض منصور الرمحي، سفير بعثة السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة، عرفه الفلسطينيون في الولايات المتحدة كأمين سر إقليم الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين لسنوات طويلة. ومع أنه يفترض أنه ترك قبل فترة ذلك التنظيم الذي ترعرع وتبوأ فيه مواقع قيادية، فإن الجبهة الديموقراطية مطالبة بتحديد موقف واضح من منهج رياض منصور ومواقفه في الأمم المتحدة، خاصة أن تركه للجبهة الديموقراطية لم يأخذ شكل بينونة كبرى، وأن مواقف الجبهة الديموقراطية السياسية في الظرف الراهن تشكل الأرضية الموضوعية لما يقوم به المذكور من أفعال وما يعبر عنه من مواقف!

وقد سبق أن تخرج من صفوف ذلك التنظيم عددٌ كبيرٌ من الكتاب والشخصيات السياسية من أمثال ياسر عبد ربه وأمثاله... ويُقال بأن ياسر عبد ربه هو الذي زكَّى رياض منصور الرمحي عند محمود عباس ليحتل (بكل ما للكلمة من معنى) موقع سفير بعثة السلطة في الأمم المتحدة، والله أعلم.

وقد تعالت صيحات الاحتجاج الجماهيري في فلسطين وخارجها على الاصطفاف الصهيوني السافر للمدعو رياض منصور، وهذا أمر طبيعي جداً بالنسبة للشعب العربي الفلسطيني وأبناء أمتنا العربية. وهناك أيضاً أنباء تناقلها أفراد من عائلة الرمحي بأن ثمة توجه ومداولات تجري حالياً بينهم للتبرؤ من هذه الشخصية المتفاخرة بموالاة أعداء الأمة. وهو ما خلق لديهم استياءً بالغاً، من حيث المبدأ، ولمخالفته لتاريخ تلك العائلة الوطني العريق، وليس مستغرباً عليها أبداً أن تأخذ مثل هذا الموقف المشرف، خاصة أن فيها عدداً كبيراً من المناضلين، منهم على سبيل المثال لا الحصر الأسير محمود أحمد الرمحي، أحد ممثلي حماس في التشريعي.

أما الداعي للاستياء، فهو أن المدعو رياض منصور قدم مشروعي قرار في الأمم المتحدة، أحدهما يحمل عنوان "التسوية السلمية للقضية الفلسطينية" ويتضمن فيما يتضمنه إدانة لحماس باعتبارها "ميليشيات خارجة عن القانون"، مما يمهد لاعتبارها واعتبار كل قوى المقاومة الفلسطينية "منظمات إرهابية" بقرار دولي. ويؤيد ذلك القرار أيضاً مبادرة الرئيس الأمريكي بوش لعقد مؤتمر سلام (مؤتمر أنابوليس)، ويطالب بإعادة قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية.

أما القرار الثاني، فيحمل عنوان "انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين" وهو يدعو الأمم المتحدة فيما يدعو إليه إلى التعبير عن القلق من استمرار القصف الصاروخي على "إسرائيل"!!

فأية مسخرة هذه ممن يفترض أنه مندوب فلسطين في الأمم المتحدة؟! وحتى لو كنا لا نعول بشيء على "الشرعية الدولية" وما يسمى المجتمع الدولي، فإن ذلك لا يعني أن نتغاضى عن تأجير السلطة الفلسطينية لموقعها في الأمم المتحدة علناً للطرف الأمريكي-الصهيوني!!

ويشار إلى أن نفس الشخص كان قد أحبط قراراً تقدمت به قطر وأندونيسيا قبلها بأشهر لرفع الحصار عن قطاع غزة... ولكن هذا السلوك المشين لا يرتبط بشخص في الواقع، ويخطئ من يربطه بشخصية فرد، لأنه يرتبط بنهج كامل هو نهج سلطة رام الله لصاحبها الطرف الأمريكي-الصهيوني، ولعل أبرز دليل على ذلك هو تنسيق أجهزة السلطة أمنياً مع العدو الصهيوني ضد خلايا المقاومة المسلحة من فتح وحماس والجهاد والشعبية وغيرها، والتناغم السياسي واللقاءات ما بين قيادة السلطة والكيان الصهيوني فيما كان الأخير يعلن ممارسة العقاب الجماعي على غزة بقطع الكهرباء عنها وارتكاب الجرائم اليومية فيها، مما أعفى "إسرائيل" عن مسؤوليتها القانونية والمعنوية أمام العالم عن جرائم الحرب هذه ما دام ممثلو الفلسطينيين لا يمانعون!

والطريف حسب السفير اللبنانية في 8/11/2007 أن المدعو رياض منصور اشتبك مع ممثلي مصر والسودان وليبيا وسوريا واليمن في الأمم المتحدة عندما أنبوه لأنه لم يستشر المجموعة العربية كما جرت العادة قبل عرض مشروع قراريه. ولكنه أصر أنه استشار المجموعة الأوروبية!! فهل أصبحت فلسطين جزءاً من الاتحاد الأوروبي دون أن نعلم مثلاً!! ثم أصر على عناده مطالباً الدول العربية المعارضة للقرار أن تصوت ضده إن كان لا يعجبها!!

والمهم في هذا الأمر ليس فقط القيمة الترفيهية للابتذال الذي يعبر عنه هذا الموقف، بل في أنه: 1) يجعل السقف السياسي للسلطة الفلسطينية أدنى من السقف السياسي لأنظمة عربية سقفها السياسي متهافت أصلاً، 2) يكرس ارتباط السلطة الفلسطينية بالطرف الأمريكي-الصهيوني على حساب وقبل النظام الرسمي العربي. وهذا مهم بحد ذاته، ليس لأن النظام الرسمي العربي هو موضع آمالنا وطموحاتنا مثلاً، بل لأنه يكشف مدى التردي الذي وصلت إليه السلطة، ورغبة الطرف الأمريكي-الصهيوني في تفكيك النظام الرسمي العربي نفسه بعدما استنفذ مفعوله وحقق أغراضه.

ومن الجيد أن نستمر بالتمسك بالمطالبة المشروعة بمحاكمة المدعو رياض منصور ومن يقف خلفه، ولكن ذلك يجب أن يترافق مع وعي كامل بأن السلطة تذهب إلى نقطة اللاعودة في علاقتها بالطرف الأمريكي-الصهيوني، وأن الحديث عن "وحدة وطنية" معها هو ضرب من الوهم وأحلام اليقظة.

وفي الساحة الفلسطينية، آن أوان تبنى موقف المقاومة العراقية والمقاومة اللبنانية، والجزائرية وكل مقاومة، من كل من يتعاون مع الاحتلال. فهذه القضية لا تحتمل المجاملات أو التساهل إن كنا نريد أن ننتصر فعلاً، وأن لا يصبح هؤلاء المتعاونون ناطقين رسميين باسمنا. ومثل هؤلاء لا يمكن أن تقوم "وحدة وطنية" معهم، فهم ليسوا فقط غير وطنيين، بل أنهم ليسوا حتى من أبناء الوطن، وولاؤهم وجيوبهم وقلوبهم ومواقعهم ليست للوطن.

ليست هناك تعليقات: