الاثنين، حزيران ٢٥، ٢٠٠٧

فـي نقد الرموز المكرســـة

ألقرّاء الكرام،

في تعقيب على حوار أجراه جهاد فاضل مع الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، و ذلك لمجلّة العربي، كتب عضو لائحة القومي العربي السيّد عبد الستّار الكفيري المقال الآتي، يتبعه تعليق ادارة لائحة القومي العربي:
----------------

فـي نقد الرموز المكرســـة

عبد الستار الكفـيري

مؤخرا ، فتحت صحيفة الحياة اللندنية ملفا حول المتنبي ، الشاعر الإشكالي ، رصدت فيه ، جانبا من أراء وشهادات بعض الشعراء والنقاد العرب فيمن ملأ الدنيا وشغل الناس.تباينت بين من قال فيه قولا غليظا، باعتباره شاعرا "منافقا"، وممالئا لسلطة كافور الإخشيدي. وبين من اعتبره "حاملا للقيم والمثل العليا ". ويمكن القول أن الشهادات، جميعها، تراوحت في رؤيتها لتجربة المتنبي بين مستويين : المستوى الفني لمنجزه الشعري، و مستوى الممارسة التي اختطها المتنبي لنفسه.فعلى الرغم أن تلك الشهادات لم تكن مطوله ومسهبة في التحليل. يبقى من المهم الاعتراف بأهمية استدعاء رمز شعري هام في التاريخ العربي، ليكون مادة نقد لشعراء معاصرين.

لنسجل أولا، أيا تكن وجهات النظر التي قيلت أو يمكن أن تقال في شاعرنا الغائب-الحاضر ، أو غيره : أن وضع الرموز المكرسة – ثقافيا واجتماعيا وفكريا ونضاليا- على محك النقد ونزع صفة الطهارة المطلقة والقدسية الخالصة عنها يعد فضيلة بحد ذاته. فلا يكفي النظر إلى تجربة مبدع من منظار مستواه الفني وحسب ، بل لابد من دراسة تستوفي خلفياته ومحيطة الاجتماعي والتزامه من عدمه. فالمبدع إنسان، وهو ابن بيئة لها خصائصها وشروطها وتأثيراتها وقضاياها كذلك. وبالتالي فهو ليس في منأى عن الحكم والتقييم. إلا إذا تم اعتباره خارج دائرة النقد ، بشكل مسبق ، بوصفه كينونة مافوق-بشرية !!.

وفي ملف المتنبي ، يمكن الالتفات الى شهادتين لشاعرين هامين في الساحة الثقافية العربية وهما : الشاعر الفلسطيني سميح القاسم ، واليمني عبد العزيز المقالح. فالقاسم طبقا لشهادته يأخذ على المتنبي "مسلكيته السياسية" ، بمدحه "ملوك الفرس ثم الهجاء المرير قبل جفاف مداد المديح ، ومغازلة الإخشيدي والانقلاب عليه بلا رحمة أو تؤدة.." وهذا القول يأتي استكمالا لملاحظة أبداها القاسم في بداية شهادته وفي سياق امتعاضه من صيغة السؤال الموجه إليه (من الصحيفة طبعا) والتي تنسجم في المحصلة – كما يقول ورغم احتجاجه عليها- مع موقفه الذي عبر عنه في قصيدة "إعلان نوايا"، والتي ضمنها في شهادته تلك : "وأنا اسألُ ربِّي/ لا تقابلني إذا جئتُ بوجهٍ مستعارْ/ وبشعْرٍ مستعار/ وبشعر مستعارْ/ وأنا أرفضُ تهريجَ أخينا المتنبي/ ورياءَ المتنبي/ ونفاقَ المتنبي/ ولجوء الملك الضليل والوغد امرئ القيسِ/ إلى أقرب غرْبي/ نحنُ من نبعٍِ،/ ولكنّا افترقْنا .. من مصب .. لمصبِّ "...

إلا أن القاسم يستدرك بالقول "ولي أن أخشى الخلط بين الموقف السياسي والقضية الشعرية، فلا بدّ من التنبيه إلى أن «حداثة» المتنبي وامرئ القيس من قبله، تظل أرقى وأنقى وأبقى من كل التهريج الحداثوي السائد في ما يسمى بالحركة الشعرية العربية، والتي هي في رأيي غير المتواضع، ليست حركة وليست شعرية وليست عربية!"

أما في رأيي المتواضع فأن أكثر الشهادات موضوعية، في تلك التي قدمت ، فكانت للشاعر والناقد اليمني عبد العزيز المقالح ، فما يؤلمه حقا أن " تتم محاكمته- أي المتنبي- بأفكار عصرنا وبقيم هذا العصر ومفهوماته في الحرية والاعتزاز بالكلمة، كما يؤلمني دائماً- والقول للمقالح- الصمت عن المداحين المعاصرين، وهم كثر، وفيهم شعراء كبار ينثرون جواهر شعرهم – بعد أن يدنسوها بالمديح – تحت أقدام من هب ودب ولا يجدون من النقاد من يقول لهم إن الزمن قد تغير ولو رجع المتنبي الى عصرنا لما كتب بيتاً واحداً من الشعر في كبير أو صغير لأنه بإحساسه الوجداني والفني وبكبريائه العالي سيكون أول من يدرك أن الزمن اختلف وأن الارتزاق بالكلمة جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون ويتصدى لها النقاد. وربما لن يتردد في إدانة نفسه أكثر مما يحاول الآخرون أن يدينوه لا سيما على مدائحه الإشكالية في كافور وقصائده في ابن العميد وغيرهم ممن لم يقدموا خدمة تذكر للعروبة والإسلام."

ومهما قيل في المتنبي من هذين الشاعرين إلا أننا بلا شك أننا إزاء اسمين لشاعرين مكرسين عربيا, ولهما حضور قوي و نصيب وافر من إعجاب القراء وعشاق الشعر العرب على الأقل في فترة صعود نجميهما.

لكن يبقى التساؤل الملح : ماذا لو تجرءنا على نقد احد هذين الشاعرين أو كليهما , و" مسلكيتهما السياسية " تحديدا ؟! ماذا سيكون حال مشايعيهم ومريديهم من المثقفين والمعجبين العرب؟
لنأتي إلى القاسم , ومن باب "لا تنهى عن خلق وتأتي مثله", فعلى صعيد المسلكية السياسية وبعيدا عن منطق المزايدات ,يمكن القول أن القاسم سليل " راكاح " الحزب الشيوعي الصهيوني سابقا , ورفيق درب محمود درويش فيه, يطرح رؤية خاصة لمستقبل فلسطين التي ستغدو طبقا لرؤيته هذه : فلسطينان (= إسرائيل) !! ففي تقديره أنه " لن تنجح معادلة يقوم فيها طرف بإلغاء الآخر ومحوه. إنها حالة أنا شخصيًا أعارضها (والقول للقاسم). فلا أريد للعرب أن يسقطوا في تجربة إلقاء اليهود في البحر، حتى لو كانوا قادرين، ولا أريد لليهود، لأنني أممي إنساني، أن يسقطوا في وحشية إلقاء العرب في الصحراء أو إبادتهم. ومن باب احترام إنسانيتي، أرى صورة الوطن المشترك للجميع، لجميع مواطنيه. ولأنني عروبي وحدوي تقدمي، أريد لهذا الوطن الصغير أن يكون جزءًا من الوطن الكبير: وطن يعيش فيه العرب واليهود والبربر والأرمن والشركس. أنا سعيد بهذه التعددية في الوطن العربي، أرى فيها مصدرًا للثراء الإنساني والثقافي والحضاري والتربوي."( راجع حواره في مجلة العربي الكويتية,عدد أيار/2007)
في الواقع إن طرحا ذي حس مرهف كهذا , يسقط والى الأبد فكرة الحق التاريخي في المزابل, باعتبارها "ديماغوجية " ظلامية . وإلا فماذا يعني أن على" الضحية " أن يتعايش رغما عن جرحه مع " الجلاد" في "الوطن المشترك للجميع", ماهو شكل هذا الوطن المشترك للجميع ؟؟! لاشك أنه " الجنة التي وعد فيها المتقون"!!. ماذا يعني ترويج فكرة " الأنسنة " المبالغة في استخفافها وتحقيرها للذات الإنسانية العربية على هذا النحو من " الشعرية " التسووية المحلقة في الخيال ؟؟
إن القاسم يذهب إلى ماهو أبعد إذ يقول : "... إذا أخطأنا القراءة فسنصل إلى النتيجة التي يقولها المتطرفون الصهاينة: إما نحن وإما هم! وأنا بالفعل لا أريد هذه الصيغة. حتى ولو ملكت أسلحة التدمير الشامل، السلاح النووي، لن أقصف به تل أبيب، لن أفعل ذلك. اتهموني بالخيانة! هذا شأنكم. أنتم أحرار في ذلك. لكن أنا لا أريد أن أخون حضارتي. لا أريد أن أخون عروبتي. إذا كنت بذلك أخون الصيغ الانتهازية والكاذبة وطبول الكلام الاستهلاكي الحقير، والذي ينطبق عليه ما قلته في السابق وأكرره دائمًا. في الحياة العربية احتياطي الكذب أكبر من احتياطي النفط في الصحراء العربية. أنا أرفض الكذب وأحتقر الكذابين. وقلت مرة وأكررها: المحب لا يكذب على المحبوب. وأنا أحب أمتي وأحب وطني. لا أستطيع أن أكذب على أمتي وعلى وطني. أقول ما أحسّ به حقيقة. أنا أتمنى على الإسرائيليين أن يتخلصوا من غلاة المتطرفين الهمج القتلة العنصريين، الحشرات البشرية، التي تسيطر عليهم الآن، وأن يثوبوا - كما قلت في إحدى قصائدي: الشمس في كتابنا، فأي شيء غير هذا الليل في كتابكم، عودوا إلى ثوابنا، عودوا إلى صوابنا ".
..............

خلاصة القول , أن المبدع/الرمز إنسان أولا وأخيرا. وقد تحتمل ممارساته الصواب والخطأ و قد تحتمل أبعد من ذلك. اذ لا ينبغي التعامل معه باعتباره من أنصاف الآلهة , إليه يصعد الكلم الطيب. وإلا غدونا إزاء مرض لطالما عانى منه الكثيرون من أبناء جلدتنا ألا وهو : " مرض عبادة الأشخاص".


--------------

تعليق ادارة اللائحة:

ونضيف إلى ما جاء به الأخ العزيز عبد الستار الكفيري أن سميح القاسم له هجمات معروفة في التسعينات على مقاومي التطبيع، وأنه اسماهم أولاد كلب، وهجومه على إبي الطيب المتنبي يدخل عملياً في المشروع ما بعد حداثوي في الشعر العربي الذي يستهدف وجدان الأمة ووحدة ثقافتها باعتبار المتنبي أحد أهم الرموز الشعرية العربية إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وإذا كان المتنبي يترزق من شعره، وكان مقياس إدانته هذا الأمر، فسوف نلقي بمعظم شعراء العرب في تاريخنا إلى القمامة، وقد ميز النقاد الأدبيون بوضوح ما بين النزعة العربية القومية والإسلامية التي كان يعبر عنها المتنبي في شعره في مرحلة سيف الدولة الحمداني من أعماق قلبه وعلى سجيته، وبين قصائده في كافور التي كان يغلب عليها التصنع والتي كانت تحتوي أحياناً ذماً في قالب المدح. وعلينا أن ننتبه جيداً من قصة نقد الرموز المكرسة خاصة عندما تخفي مشروعاً ثقافياً تفكيكياً يستهدف هوية الأمة، لا مشروعاً للانتقال بثقافة الأمة إلى الأعلى، والفرق دوماً هو الولاء والانتماء للأمة - المدراء

ليست هناك تعليقات: