السبت، حزيران ٢٣، ٢٠٠٧

السلطة المطلقة ... مفسدة مطلقة.../ فاقد الشيء لا يعطيه


بقلم: محمد محمود البشتاوي
كاتب وصحفي.

كان الجدل مع التيار الفتحاوي في الساحة الفلسطينية يحتدم حول بعض المسارات التاريخية، لاسيما المحطة الخلافية والتي عرفت بـ "حرب المخيمات"، وأذكر أن "حكيم الثورة" جورج حبش حين سُئل عن رأيهِ فيما جرى، أعرضَ عن تقديم إجابة حاسمة، واكتفى بالقول "هذه صفحة سوداء من تاريخ الشعب الفلسطيني، أخطأ فيها الكل، ويجب طيها".

ويبدو أن "طي الصفحة" لم يأتي بحلٍّ يذكر، حيث فتحت صفحات وفي مراحل مختلفة، والمناقشة الموضوعية للاقتتال الفلسطيني الداخلي، الذي لم يصل يوماً إلى مفهوم "الحرب الأهلية"، أن اليمين الفلسطيني – ممثلاً في فتح – يجنح دائماً إلى الاستيلاء على السلطة، وإقصاء باقي الأطراف، بدءً بمنظمة التحرير الفلسطينية – التي دفنت بمعول اتفاق أوسلو -، و"جمهورية الفكهاني" و"فتح لاند" في لبنان، مروراً بتشكيل "سلطة الحكم الذاتي الإداري" في الداخل الفلسطيني، حيث تم فيها إقصاء المعارضة عبر سلسلة اعتقالات واغتيالات، وممارسة أدوار مخابراتية تمثلت في السعي لشق صفوف المعارضة من خلال شراء بعض الأصوات بداخلها، للانسلاخ وتشكيل تنظيمات موازية لها في الميدان [حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين انسخ عن جسدها "حركة الجهاد الإسلامي لتحرير فلسطين" و"حركة الجهاد الإسلامي كتائب الأقصى"، والجبهة الديمقراطية انسلخ عنها ياسر عبد ربه لتشكيل "حركة فدا"، والشعبية كذلك الأمر – فاتني اسم المنسلخين-، والجبهة الشعبية - القيادة العامة انسلخ عنها -في غزة تحديداً - "الجبهة الشعبية القيادة العامة / لجنة الطوارئ"، و"الجبهة الشعبية – القيادة العامة العاملة"!].

والمشكلة أن المسألة تأصَّلت في النفس الفتحاوية، وبدت الأمور تأخذ مفهوماً خطيراً، أن العمالة تصبح أداة مبررة لتحقيق طموح السلطة، وهو ما تحقق في أكثر من فترة، نذكر أن اتفاق أوسلو والمحاولات التي سبقته لم تكن تحظى بتمثيل فلسطيني – باستثناء "فتح" بطبيعة الحال-، التي كانت تقول "بنضال التفاوض / نضال الطاولات المستديرة والسداسية"، والجلوس جنباً إلى جنب مع الوسيط الأمريكي "المحايد"، و"الخصم" الصهيوني – ربما كنا نلعب كرة قدم فكان خصماً لا عدواً"، وأخذنا نسمع لاحقاً دعوات تدعو للتعايش والتصافح بشجاعة (سلام الشجعان)، فأيُّ تخريصات هذه التي كانت تمطرُ مسامعنا؟، وكيفَ يكون خيار شعب – تعداده آنذاك قرابة 6 ملايين –، مرهوناً بقرار سيادة الرئيس؟!

والمشكلة الثانية أن المرحلة السابقة كانت تقوم باشتراطات واستحقاقات فلسطينية وعربية وعالمية تختلف عما هو سائد الآن؛ فكان الإعلام العربي الرسمي يدفع باتجاه تبييض صورة تيار التسوية السلمية في الساحة الفلسطينية، وكانت المنظمات الفلسطينية التي تشترك في "م.ت.ف" تتحدث بما يتلاءم ومخصصاتها المالية، قد تقول وبأعلى صوت "لا" ونصاب بالصمم!، لكن وفي أروقة التصويت داخل "م.ت.ف" تقول "نعم!"، وهو ما يفسر دور السيطرة المالية داخل المنظمة ودورها في شراء بعض الأصوات!

المشكلةُ أيضاً أن المعارضة الفلسطينية تيارات متناقضة، ليس في تحالفاتها (أو كما تريد "فتح" أن تقول "في عمالتها" لبعض الدول العربية والإسلامية والكتلة الاشتراكية سابقاً)، وإنما كونها معارضة لا تمتلك القرار، لأنه بات حكراً على فريق واحد، لا يسمح لها في الدخول بـ "اللعبة الديمقراطية"!

ولأن المحتكر للقرار السياسي الفلسطيني قد درج خلال نصف قرن من الزمان أن يكون الآمر الناهي، والمتحكم في قرار اللاجئين والمواطنين والمناضلين والفلاحين والمثقفين والبروليتاريا*، ولأنه صاحب "برنامج سياسي" – الذي تفتقده
المعارضة** -، ولأنه دخل في "اللعبة السياسية الأكبر" مع الدول العظمى، بات من الصعبِ عليه أن يتراجع ويأخذ رقم 2، لأنه كرر وبقي يكرر "أنا الرقم واحد .. الرقم الصعب"!.

المحنة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في الداخل – غزة تحديداً - تتمثل في وجود تيار يسعى إلى إعادة المعادلة إلى سابقِ عهدها، ولكن أنى يكون ذلك ونحن في زمن الإعلام المفتوح، زمن تعدد الآراء، ففيما مضى كنا نسمعُ صوتاً واحداً يقول: "المعارضة الفلسطينية عملية لسوريا، لإيران، لليبيا***!"، وأنها لا تحملُ مشروعاً وطنياً!

ونستطيع القول أن بعض قيادات "فتح" وجدت في الأحداث الحالية منفذاً لها للخروج من الأزمة الداخلية التي تعصف بها بعد رحيل مؤسسها، حيث تحولت إلى مليشيات تسيطر عليها رموز متناحرة، رموز عارية من أي غطاء أمام الشعب الفلسطيني، فكان التحول في المجرى السياسي الفلسطيني – على المستوى الانتخابي – صعقة دفعت "الرموز المتناحرة" للتوحد ضد "العدو الأكبر"، وهو العدو الذي "استلب" منهم السلطة، و"خطف" أضواء كاميرات الإعلام****، و"وضع اليد" على مقدرات "الثورة" – صدقات الدول المانحة!

في الختام؛
أعتقد أن المعادلة لن تعود كما كانت، ولا نريد لهيمنة القرار الواحد أن تعودَ مجدداً لانتعال هذا الشعب عبر المحافل الدولية والمساومة على حقوقهِ، وبناء الاستثمارات المشبوهة كأبراج دبي وكزنو أريحا..، ويجب فلسطينياً أن يتم حل معضلة العقلية المتحجرة التي تريد الهيمنة على السلطة أيًّا كانت هذه السلطة، فلا نزال نفتقد الأرض، و"فاقد الشيء لا يعطيه".
____________
هوامش:
* كونه تيار يحتوي على الفلسطيني الإقليمي والإسلامي والشيوعي والقومي، فسبحان من وحدهم على كلمةِ رجلٍ واحد!.
** تمثلت مشكلة القضية الفلسطينية في طرح برنامج سياسي في بدايات الثورة التي انطلقت في عام 1965، وتحولت إلى ثورة مسلحة عام 1967، وفي عام 1973 – 74 بدأ طرح برنامج "النقاط العشر" (الحل المرحلي-التحرير بالتقسيط المريح)، وهو برنامج يخلو من المرتكزات الوطنية، حيث يجنح إلى السلم والتفاوض في وقت يعمد فيه العدو الصهيوني لاجتاح المدن والقرى والمخيمات، فأي برنامج هذا؟، برنامج تحرير جزء من الأراضي الفلسطينية واعتمادها كـ "دولة فلسطينية لحدود العام 1967م"!، وأي مؤسسات وطنية تلك التي سترعاها دولة في قلب دولة الاحتلال!.
*** أذكر أن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين نفذت عملية استشهادية ضد العدو الصهيوني فما كان من مسئول في حركة فتح إلا أن صرح للإعلام "الجهاد الإسلامي ليس فصيلاًَ فلسطينياً .. إنه إيراني"!، وكتبرير لتدمير فتح للمكتبة الإسلامية في غزة خرج مسؤول آخر وصرح أن المكتبة كان يتواجد بها 7 خبراء إيرانيين في هندسة التفجيرات!؛ فأي إستغباء واستغفال للرأي العام!.
**** كنت أصابُ بالغثيان لكثرة ما تستضيف الفضائيات العربية ياسر عبد ربه ودحلان والرجوب وقريع .. الخ، وكنتُ في تساؤل إن كان الشعب الفلسطيني عقيماً لم ينجب إلا هؤلاء "الميامين".
____________
ملاحظة: رغم ما يعتمل داخل فتح من فساد بات يطفو على السطح، إلا أن أيَّ مراقبٍ لا يستطيع أن ينفي وجود قيادات وكوادر مناضلة وشريفة تسعى لبناء مشروع تحرر مع باقي الفرقاء في الساحة الفلسطينية.

ليست هناك تعليقات: