الخميس، حزيران ٢٨، ٢٠٠٧

عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء ولو رغبت حماس

د. إبراهيم علوش

ازدواجية الموقف الرسمي العربي والأوروبي والأمريكي والصهيوني من ما يسمى "حكومة إنفاذ الطوارئ" في رام الله، من جهة، ومن "حكومة الوحدة الوطنية" الحمساوية في غزة من جهة أخرى، يفترض أن يلخص بحد ذاته كل الموقف السياسي في الساحة الفلسطينية اليوم.

فقرار رفع الحصار السياسي والمالي عن حكومة سلام فياض بعد سيطرة حماس على غزة يدين تلك الحكومة وكل سلطة أوسلو لأنه يعني ببساطة، فيما يعنيه، أن تلك الحكومة مرضيٌ عنها صهيونياً وأمريكياً - وهو الرضا الذي لا يأتي إلا بمقابل معلوم – وهذا يكفي بحد ذاته كإدانة لتلك الحكومة عند الذين ما برحت بوصلتهم واضحة الاتجاه، إسلاميين كانوا أم غير إسلاميين.

وبالمقابل، يشرف حماس ولا يعيبها أن يأتي تشديد الحصار الرسمي العربي والدولي عليها بعد حسم كتائب القسام المعركة في غزة وتحول حماس عملياً للقطيعة مع الامتداد الأمريكي-الصهيوني في الساحة الفلسطينية، وكان سيعيبها أكثر بكثير لو حضر إسماعيل هنية مع محمود عباس مثلاً لقاء القمة الرباعية في شرم الشيخ الذي يضم رئيس الوزراء الصهيوني أولمرت!

وقد كشفت الأدلة والوثائق التي حصلت عليها حماس من مقرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية في غزة، كما كشفت قبلها كل سلوكيات السياسية ومواقف تلك الأجهزة والقائمين عليها، أن ارتباط السلطة الفلسطينية بالطرف الأمريكي-الصهيوني كان عضوياً وحميماً ويتجاوز الساحة الفلسطينية نفسها.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن القطيعة مع القطاع جاءت بسبب تجاوز حماس للخطوط السياسية الحمراء التي رسمها الطرف الأمريكي-الصهيوني وأذنابه (شطب ما يسمى شرعية سلطة أوسلو غير المشروعة)، وبسبب تهشيم كتائب القسام لدمى أمنية متضخمة الحجم والصلاحيات أنفق الطرف الأمريكي-الصهيوني أعواماً ومئات ملايين الدولارات في تصنيعها وفرضها على الشعب العربي الفلسطيني، فإن حماس تكون قد اتخذت عملياً خطوات حميدة ولكن يصعب التراجع عنها تجعل رفع الحصار عنها أمراً عسيراً إلا بأن تنقلب على نفسها، تماماً كما فعلت حركة فتح من قبلها.

فالمطلوب من حماس إذن لم يعد فقط إعادة كتائب القسام مقرات السلطة والأجهزة الأمنية في غزة لأذناب الطرف الأمريكي-الصهيوني، ولا بانسياق حماس تدريجياً باتجاه تنازلات سياسية جوهرية كما حدث في "وثيقة الأسرى" و"اتفاق مكة" والإعلان عن "هدنة طويلة الأمد" و"اعتراف واقعي بإسرائيل"، بل بأن تقبل حماس بأن تحل نفسها عملياً وأن تسلم رأسها بطواعية لأعدائها.

وبالتالي، حتى لو افترضنا جدلاً بأن حماس أقدمت على الحسم الميداني مع التيار الليكودي في الساحة الفلسطينية بداعي التنافس على الحصص والمكاسب ضمن إطار السلطة نفسها، فإن الخطوات العملية التي اتخذتها في غزة لا تمحوها إعادة حماس عقارب الساعة إلى الوراء، ولو افترضنا جدلاً أنها قبلت بذلك... ولا بد من تأديب حماس جدياً على تجاوزها للخطوط الحمراء الأمريكية-الصهيونية بمثل هذه البساطة. ولن يقبل الطرف الأمريكي-الصهيوني أن تبقى كتائب القسام وحماس قادرة على تكرار ما قامت به، فلا بد من تدميرها تدميراً، ومن هنا التوجه لإعلانها "منظمة إرهابية" ورفض سلطة أوسلو أي حوار مع حماس.

فالقطيعة مع حماس، وفرض الحصار الصارم عليها، وفرض العقاب الجماعي على الشعب الفلسطيني في غزة، يؤذن هذه المرة بتغير قوانين اللعبة، ومن المفترض بقيادة حماس الآن، وكل القوى والشخصيات المقاومة، أن تعد العدة لحصار طويل ومعركة صعبة ومعقدة لن يخفف من وطأتها استعداد حماس لمحاورة محمود عباس أو التفاهم مع سلطة أوسلو.

باختصار، عقارب الساعة لن تعود للوراء حتى لو رغبت حماس، فالثبات الثبات!

- نشرت في موقع الصوت العربي الحرّ


ليست هناك تعليقات: