الاثنين، حزيران ١٨، ٢٠٠٧

هل هي داحس والغبراء فلسطينية...يا شعب الجبّارين؟


شبكة البصرة

محمد العماري

ليس غريبا أن يتفجّر الوضع في غزة والضفة الغربية بين منظمة فتح وحركة حماس بهذا الشكل الدموي المأساوي حيث يقتل فيه الفلسطيني أخاه الفلسطيني من أجل جثة عفنة إسمها السلطة. فقد سبقت ذلك جهود ومساعي "حميدة جدا" بذلها البعض, عربيا وإقليميا ودوليا, لدفع الصراع بين الأخوة الأعداء الفلسطينيين الى المواجهة المسلحة وتصفية الحسابات العالقة منذ زمن بعيد بقوة السلاح. لكنّ الغريب حقا هو أن عدوى النموذج "الديمقراطي" العراقي الناتج عن نظرية الفوضى الهدّامة البوشية بدأ ينتقل باسرع مما كان يتصوّر جورج بوش الصغير, الى دول المنطقة. وإن كان الكثيرين من السذج وقصيري النظر, من الحكام والشعوب العربية, ما زال يأمل بوصول" ثمار" ألأزدهار والمساواة وإحترام حقوق الانسان الى دياره بعد أن وضعوا كلّ بيضهم, كما يُقال, في سلّة أمريكا وإسرائيل. مع علمهم المسبق بان مفاهيم الديمقراطية والمساواة ودولة القانون وغيرها, ما هي الاّ شعارات برّاقة خادعة إن لم نقل خالية من أي مظمون, خصوصاعندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين.

إن الخطيئة الكبرى التي إرتكبتها حركة حماس هي أنها بلعت مغمضة العينين "طعم" الديمقراطية المسموم الذي قدمته أمريكا لها بشكل غير مباشر, فانخرطت فيما يسمى بالعملية السياسية.) إنظروا ما آلت اليه العملية السياسية في العراق المحتل (وشاركت في إنتخابات كانت الحركة نفسها تعرف, رغم نزاهتها وشفافيتها باعتراف الجميع, أنها لن تكسب منها شيئا غيركراسي أنيقة ومناصب لا يعترف بوجودها وشرعيتها أحد حتى الدول العربية الصديقة والشقيقة جدا! وأن أية إنتخابات تجري تحت حراب قوات الاحتلال, وقطاع غزة ما زال برأيي محتلا رغم خروج الجيش الصهيوني منه, لا تتمتع باية شرعية حتى وإن شاركت فيها الجموع الغفيرة, وهذا ما تجاهلته مع الأسف الشديد حركة حماس.

اما الخطيئة الكبرى التي إرتكبتها منظمة "فتح" فهي انها بالغت وتطرّفت في إنحيازها الأعمى, وضد الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني,الى ما يسمى "بالشرعية الدولية" وإتفاقيات أوسلو وأخواتها, حتى حلّت "أوسلو" تلك محل
الكعبة المشرفة في قلوب وعقول رجال الرئيس محمود عباس. بينما إسرائيل لم تحترم حتى سطرا واحدا من أية إتفاقية وقعتها مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية أو رجاله..على العكس تماما, فحين يزداد إنبطاح فريق الرئيس الفلسطيني الأوسلوي وخلفهم الأنظمة العربية المعتدلة, تضاعف إسرائيل بالمقايل غطرستها وعنجهيتها وجرائمها العدوانية بحق الشعب الفلسطيني. ومع إن الجميع في فلسطين المحتلة يعلم بان "السلطة" لا تملك سلطة, وهي عبارة عن"خرّاعة عصافير" وإن حكومة الوحدة الوطنية, والوطن محتل ومستباح ومحاصر, لا تملك القدرة على الحكم لأنها تتحرك داخل سجن كبير, معترف به دوليا كونه سجن, إسمه قطاع غزة.

لسنا مع حركة حماس ولا ضد منظمة فتح, ولكن الشيء المثير للجدل, ولعشرات الأسئلة أيضا,هو إن رئيس السلطة الفلسطينية, وخلافا لأي رئيس آخر في العالم, يملك حرسا وميليشيات خاصة به, تتلقى المساعدات المادية
والمعنوية, بما فيها السلاح, من جهات خارجية تكنّ العداء الشديد للحكومة التي تقودها حماس. تلك الحكومة التي أدّت اليمين الدستورية أمام رئيس السلطة نفسه. فهل هذا يعني ان الرئيس عباس لا يثق بالمؤسسات الأمنية والعسكرية" للدولة" التي هو رئيسها؟ أليس المتعارف عليه في جميع الأنظمة والدول, طبعا باستثناء العراق وأفغانستان, هو أن حماية رئيس الدولة والوزراء والمسؤولين الكبارتقع أولا وأخيراعلى عاتق السلطة التنفيذية, أي الحكومة؟ وهل يمكن للرئيس,أي رئيس كان,أن يشكّل لحسابه الخاص قوات عسكرية مستقلّة ومجهّزة جيدا وغيرمرتبطة بالحكومة؟ وما هي يا ترى حاجة الرئيس محمود عباس الى ميليشيات مسلحة أو حرس وطني أو ما شابه, وهو ليس معرّض للأغتيال لا من إسرائيل ولا من غيرها, إن لم يكن ضد حماس أو سواها من القوى الفلسطينية التي لا تغرد مع السرب الأمريكي الاسرائيلي؟

من المحزن والمؤسف حقا أن ترى فلسطينيين ينزلون العلم الفلسطيني من فوق المباني والدوائرالحكومية, ويطوونه بطريقة توحي بأنهم عازمون على طيّ وإالغاء تاريخ حافل بالتضحيات والبطولات والصمود. تاريخ نضالي فريد من
نوعه عجزت إسرائيل, بكل ما أوتيت من قوة وحبروت,عن طيّه ودفنه تحت تراب النسيان. لقد إرتكبت حركة حماس ومنظمة فتح أخطاءا فادحة وجسيمة. وعليهما, حفاظا على وحدة الشعب الفلسطيني,أن يتخلّيا نهائيا عن فكرة أن الخصم السياسي هو عدو تستوجب إبادته عن بكرة أبيه.

mkhalaf@alice.it

ليست هناك تعليقات: