الجمعة، آب ٠٣، ٢٠٠٧

تخلّف دبلوماسية العرب

بروفيسور عبد الستار قاسم

في لقاءاتها مع إسرائيل من خلال وزيري الخارجية الأردني والمصري، تجدف الجامعة العربية بعيدا وفي زمن لم تعد فيه هذه الدبلوماسية ذات معنى حتى في معايير الاستسلام. تتهالك الجامعة العربية على طاولة التفاوض مع إسرائيل بطريقة تخلو من الاحترام الذاتي، وتجعل من مواقف الطرف الآخر أكثر صلابة وابتزازا. لا تتمسك الجامعة العربية بالمبادرة العربية، وتستجدي من إسرائيل الجلوس على الطاولة لمناقشة المبادرة.

بالنسبة لإسرائيل، هناك الآن تهديد استراتيجي لاحتكارها للهيمنة العسكرية ولوجودها، وما يشغلها ليس الدول العربية المتهالكة على التفاوض وإنما أولئك الذين يسلحون أنفسهم ويحفرون في الجبال ويستعدون لمعارك قد لا تكون بعيدة. هناك خلل واضح في معادلة القوى التقليدية في المنطقة بحيث أن إسرائيل لم تعد ذات الانتصارات المضمونة، ولم تعد تلك القوة التي ترتجف منها الأوصال. حزب الله وسوريا وإيران وحماس يشكلون الآن جبهة متراصة غير معلنة في مواجهة إسرائيل، وقد أثبتت حرب لبنان/2006 أن إسرائيل قابلة للهزيمة العسكرية.

ما يشغل بال إسرائيل الآن ليس المفاوضات مع العرب ولا حل الدولتين، وإنما مسائل الاستعداد لاستعادة قوتها وهيبتها وإبقاء كل قوى المنطقة تحت السيطرة، وبالتأكيد أمريكا مشغولة معها. إسرائيل تعي تماما أن جبهة التفاوض العربي متهالكة ولا يوجد لديها مطالب مؤرقة، ولا ضرورة للاستعجال أو تقديم تنازلات. الأولويات الإسرائيلية مختلفة الآن، وهناك حقائق موضوعية تفرض نفسها على المنطقة، ولم يعد الحوار على الطاولة هو عنوان المرحلة. أغلب الأنظمة العربية بعيدة جدا عن هذا التطور، وهي ما زالت تعيش في الماضي الذي لا يرى مستقبل العرب إلا من خلال الرضا الإسرائيلي، والجامعة العربية عبارة عن مرآة هذه الغيبوبة العربية.

إسرائيل الآن تستعمل الجامعة العربية وأنظمة عربية من أجل تعزيز التطبيع مع العرب، وتقوية المحور العربي-الإسرائيلي غير المعلن. إسرائيل تعرف ماذا تريد، وتعي بأن أغلب الأنظمة العربية لا تستحق أكثر من أن تكون مطايا نظرا لاعتمادها على غيرها في استمرارية حكمها، أما الأنظمة العربية فممزقة بين هواها تجاه إسرائيل وبين عدم انكشافها الفاضح أمام الشعوب. لا تريد الأنظمة أن تخسر إسرائيل فتضعف احتمالات بقائها في الحكم، ولا تريد أن تتهاوى بتسارع حتى لا يأتي وقت تعجز فيه قوى الحماية الخارجية عن رد أي تمرد محتمل.

يحاول من يبحث عن طاولة المفاوضات أن يجعل لنفسه هيبة من أجل أن يكون له وجود فعلي على الطاولة، وهكذا تتصرف الدول والكيانات المتصارعة عبر التاريخ الجامعة العربية ومعها أغلب الأنظمة تعمل عكس التاريخ تماما، وتعمل جاهدة على التفاوض من موقف ضعف، والأنكى أنها لا تحاول إخفاء الضعف، بل تتعمد التأكيد عليه. كان بإمكان الجامعة العربية أن تقول إن على إسرائيل أن تقبل المبادرة العربية كما هي، لكن هذا العملاق العربي يصر على أن المبادرة عبارة عن مادة للتفاوض؛ وكان بالإمكان القول بأن العرب قد قدموا آخر ما عندهم، وإن على إسرائيل أن تأتي إليهم. فهل إسرائيل بهذا الغباء لكي تقدم شيئا للعرب وهي تراهم يتذللون أمام وزيرة خارجيتها؟

ربما تسابق الجامعة العربية الزمن، وتحاول إتمام صفقة حل نهائي للقضية الفلسطينية لكي تقطع الطريق على كل قوى الممانعة العربية والإسلامية وتزيل أسباب وجودها. هناك قوى وتنظيمات وحركات مسلحة في المنطقة تهدد كلا من إسرائيل والأنظمة العربية، وترى أغلب الأنظمة أن عدم حل القضية الفلسطينية يؤدي إلى تزايد عظمة هذه القوى وتأثيرها المعنوي والعسكري على شعوب المنطقة. فإذا زالت العلة، وتمت تسوية القضية الفلسطينية فإن المعلول سيزول. هذا منطق قد يكون سليما في حالة واحدة وهي أن ترضى هذه القوى عن التسوية التي يتم التوصل إليها.

تعرف إسرائيل أن القوى التي تخشاها هي والأنظمة العربية لا تقبل بالتسويات المطروحة من اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر إلى اتفاقيات أوسلو مع السلطة الفلسطينية، واتفاقية الصلح مع الأردن. تعي إسرائيل أن أي تسوية غير مقبولة لهذه القوى لن تجلب الأمن والسلام، ومن المحتمل أن تتفاقم الأمور بالمزيد ذلك لأن تقارب الأنظمة مع إسرائيل يؤدي عادة إلى ردود فعل سلبية من قبل جهات عربية وإسلامية عديدة. وإسرائيل تشهد كيف تطورت حركات المقاومة في المنطقة تزامنا مع خطوات غير منسجمة مع تطلعات أهل المنطقة، وأن الأزمة لا تطالها هي فحسب وإنما تطال الولايات المتحدة أيضا. فهل تقدم إسرائيل على تقديم تنازلات لأنظمة عربية لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، ولا تستطيع إقناع الشعوب العربية بمواقفها؟ ولها عبرة فيما جرى في غزة، إذ وجدت أن كل الجهود والأموال التي تم تقديمها للسلطة الفلسطينية لم تؤهل الأجهزة الأمنية الفلسطينية للصمود ساعات في وجه حماس.

ستتسلى إسرائيل بالجامعة العربية، وستعمل على الإفادة من التهالك العربي لتعزيز علاقاتها التطبيعية، لكنها لن تراهن عليها لصنع سلام حقيقي مع العرب. تجاوزت المرحلة حل الدولتين، ولم تعد المرحلة التفاوضية التي سادت عبر العشرين سنة السالفة صالحة لعبور المآزق. نجح نمط أوسلو جزئيا، لكن نجاحه لم يخل من تأثيرات جانبية تضمنت القضاء عليه؛ وهكذا هو الحال بالنسبة لمحاولات العرب استجداء إسرائيل.

ليست هناك تعليقات: