الخميس، آب ٠٩، ٢٠٠٧

المقاومة العراقية تدك المشروع الإمبراطوري للمحافظين الجدد

د. إبراهيم علوش

في عام 1996، قدم المحافطون الجدد ورقة لبينجامين نتنياهو بعد نجاحه بالانتخابات "الإسرائيلية" بعنوان "بداية جديدة" أو Clean Break يقترحون عليه فيها أن تتبع "إسرائيل" إستراتيجية هجومية تقوم على إعادة تشكيل محيطها الاستراتيجي عن طريق العمل لإسقاط القيادة العراقية، وإقامة حكم موالي في العراق، يتم بعدها تشكيل محور أردني-عراقي-تركي-"إسرائيلي" لاحتواء سوريا. وكانت هذه الخطة تقوم على التعاون مع الولايات المتحدة لتحقيقها، وكانت تفترض بداهةً شطب فصائل المقاومة في فلسطين وحزب الله في لبنان.

وكان الكاتب الرئيسي لتلك الورقة الصادرة عن معهد الدراسات السياسية والإستراتيجية المتقدمة في الكيان الصهيوني هو ريتشارد بيرل، أحد كبار صقور المحافظين الجدد الذي تحول فيما بعد إلى رئيس للمجلس الدفاعي الاستشاري في البنتاغون بعد مجيء بوش الابن، حيث بقي إلى أن استقال بعدها بسنوات.

وبعد نجاح بوش الابن بالانتخابات الأمريكية عام 2000، وقبل استلامه رسمياً للبيت الأبيض، أعد نفس فريق المحافظين الجدد ورقة جديدة، تقوم على الورقة الأولى المقدمة لنتنياهو، وتم عرضها على الحلقة الداخلية المقربة لبوش وقتها مثل دك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول ولفوويتز، وكانت تدعو الورقة الثانية التي صدرت عن مركز دراسات أمريكي يسيطر عليه المحافظون الجدد هو Project for a New American Century (مشروع قرن أمريكي جديد) إلى تغيير النظام في العراق بهدف وضع اليد بشكل مباشر على كامل منطقة الخليج.

وكان ذلك قبل ضربات 11 سبتمبر، ولكن الورقة الجديدة كانت أكثر طموحاً من سابقتها في أنها تبنت رسمياً إستراتيجية "تغيير الأنظمة" لا في العراق وسوريا ولبنان والسلطة الفلسطينية فحسب، بل في إيران والسعودية أيضاً. وبهذه الورقة، بدأ رسمياً عصر المحافظين الجدد القائم على: 1) تغيير الأنظمة في كل مكان تريده أمريكا، 2) تحقيق ذلك بالقوة العسكرية وبشكل أحادي، 3) احتقار الوسائل الديبلوماسية والأمم المتحدة، 4) تبني مبدأ الضربة الإستباقية ضد أية قوة صاعدة منافسة للنفوذ العالمي لأمريكا، 5) إعطاء أمريكا نفسها حق التدخل السياسي أو العسكري أو الأمني دون استشارة حلفائها في أي مكان ترى فيه ذلك.

وعندما بدأ التحضير للعدوان على العراق بمشاركة بعض نفس القوى الإقليمية المستهدفة بمشروع المحافظين الجدد وقال الرئيس الشهيد صدام حسين بأن غزو الولايات المتحدة للعراق سيكون بداية نهاية زمن القطب الواحد، علق كثيرون بأن ذلك القول يدخل في باب التهويش الإعلامي الذي أدمنه العرب عوضاً عن النشاط الملموس!.

فدعونا نراجع، بعد أربع سنوات ونيف على احتلال أمريكا للعراق الحالة العامة لميزان القوى الإقليمي والدولي بين أمريكا وأعدائها، وقبل ذلك، حالة ميزان القوى بين المحافظين الجدد وأعدائهم في الساحة السياسية الأمريكية نفسها.

فنتيجة فشل أمريكا في العراق، والذي انعكس في تزايد خسائرها بشكل متصاعد حتى وصلت إلى عشرات آلاف القتلى والجرحى والمعوقين، ونتيجة خسائرها المادية في حرب العراق المتمثلة بخسارة مئات المليارات من الدولارات لتمويل الحرب ناهيك عن الاستنزاف الناجم عن دمار معداتها وأسلحتها على يد أبطال المقاومة العراقية، وبسبب فقدانها السيطرة على الموقف العسكري والسياسي واضطرارها لإبقاء أكثر من 160 ألف جندي في العراق دون التمكن من السيطرة على أكثر من جزء منه، أصبح مشروع المحافظين الجدد في حالة تهالك على الصعيد العربي والدولي، وفي الداخل الأمريكي.

وقد انعكس ذلك داخلياً بفقدان الحزب الجمهوري لأغلبيته في مجلس النواب والشيوخ الأمريكيين، وبوصول شعبية بوش إلى أدنى المستويات حسب استطلاعات الرأي، وإلى حملة في الكونغرس لعزل نائب الرئيس دك تشيني عن منصبه، وإلى انشقاقات في صفوف الحزب الجمهوري نفسه كان من أبرزها موقف جيمس بيكر، وزير الخارجية الأسبق في عهد بوش الأب، والذي انعكس في تقرير بيكر-هاملتون المخالف لتوجهات المحافظين الجدد.

وإذا أضفنا إلى المقاومة العراقية تصاعد المقاومة في أفغانستان، وهزيمة الجيش الصهيوني في لبنان في صيف 2006، وفشل خطة دايتون للقضاء على المقاومة في فلسطين، فإن الصورة تصبح قاتمة بشدة على الصعيد الإقليمي بالنسبة لمشروع المحافظين الجدد، حيث اضطروا في البداية للتخلي عن مشروع "الإصلاح" و"تغيير الأنظمة" لتأسيس "شرق أوسط كبير أو جديد"، وعادوا للحديث عن مؤتمر دولي لإحياء "عملية السلام".

وإقليمياً أيضاً، تهدد إيران بجني المكاسب التي كان يفترض أن يجنيها العدو الصهيوني من تدمير العراق... وسوريا ما برحت لاعباً رئيسياً في لبنان وفلسطين والعراق، وبالرغم من التآمر المستمر عليها والخطر والمحدق بها، فإنها ليست في موقع ضعف، أساساً بفضل المقاومة العراقية ثم اللبنانية.

دولياً، تحركت روسيا والصين لاستعادة مكانتهما الدولية المفقودة، ونهضت دول أمريكا اللاتينية لتتحدى الهيمنة الأمريكية في حديقتها الخلفية، أساساً بفضل المقاومة العراقية. وبدلاً من أن تمارس الولايات المتحدة الضربات الاستباقية، فإنها فقدت حيز المناورة بالكامل في الحلبة الدولية، وفقد حلفاؤها مواقعهم في أكثر من دولة أوروبية.

باختصار مشروع المحافظين الجدد يعاني من سكرات الموت فعلاً بفضل المقاومة العراقية ومغامرتهم الجنونية في العراق. وربما نكون فعلاً على وشك التخلص من عصر القطب الواحد. لن تنتهي أمريكا كقوة عظمى، ولربما تعيد إنتاج نفسها وسياستها بصورة جديدة، ولكنها هزمت بجدارة في هذه الجولة، وتكسرت غطرستها على صخرة العراق.

ليست هناك تعليقات: