السبت، آب ١٨، ٢٠٠٧

إذا احتلّت ارضك.. اُصمت و حارب

وليد سلامة - كاتب و محام عربيّ من تونس

الإحتلال هو حالة إنسانيّة سلبيّة تعني سيطرة سلطة أجنبيّة على شعب هو في الأصل لا يرجع إليها بالنّظر. لذلك فإنّ المباديء تقتضي أن يقاوم الشّعب المستعمَر محتلّيه بشتّى الأشكال بدءً بالعصيان المدنيّ وصولا إلى المواجهات المسلّحة.

ما يفوت بعض الشّعوب ، هو أنّ مجرّد التّفاوض مع المستعمر يعني تمكينه من فرص لإلتقاط الأنفاس و ترتيب الأمور بحيث يتمكّن من تأصيل حالة من التّبعيّة تستمرّ حتّى بعد زوال الإحتلال. إنّه الأمر الذّي حصل لأقطارنا العربيّة التّي فاوضت زعاماتها المحتلّ بغية إخراجه .

هذا الفخّ وقعت فيه" حماس" بعد نصف قرن من تبعيّة أقطارنا "المستقلّة" لمستعمريها السّابقين. قد يقول قائل بأنّ حماس لم تتفاوض يوما مع الصّهاينة و لم تعقد معهم المؤتمرات لتسوية الأوضاع النّهائيّة. نجيبهم بأنّ دخولها معترك الإنتخابات في إطار قوانين ما يسمّى بالسّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة التّي تستمدّ شرعيّتها من مؤتمر" أوسلو" واتّفاقيّاته الإستسلاميّة، هو في حدّ ذاته إعتراف عمليّ بمبدء مسالمة الكيان الصّهيونيّ.

ملامح الفخّ تمثّلت في تحوّل قادة السلطة الفلسطينيّة فجأة لزعماء ديمقراطييّن يقبلون الهزيمة الإنتخابيّة بصدر رحب، و يعترفون" لحماس" بأحقّيتها في تشكيل حكومة بناء على الإختيار الشّعبيّ. وما فات حماس آنذاك( أو الشّرفاء منهم على الأقلّ) هو أنّ السّلطة- بإيعاز من الصّهيونيّة و الإمبرياليّة- قد إستدرجتها إلى مستنقع الصّراع السّياسي الدّاخليّ الذّي تتقنه " فتح" أشدّ الإتقان.

لهذا الأمر ما بعده، فمنذ إنتخاب "حماس" و صعودها لممارسة السّلطة ، هدأت الحياة داخل المجتمع الصّهيونيّ و كادت شعلة المقاومة تنطفيء في مقابل إشتعال نيران العداوة بين مكوّنات المشهد السّياسيّ الفلسطينيّ. عداوة كانت في الماضي القريب تعتبر من قبل الجميع( صادقين و منافقين) خطّا أحمر من غير المقبول تجاوزه.

دهاة "فتح" يسعون لإثبات أمرين:

أوّلا : أنّ "حماس" لا تتميّز عنهم في شيء، فهي مثلهم فهمت بعد أن تولّت السّلطة أنّ للمحيط الدّولي تأثيره و وزنه اللّذان يستعملهما لتكريس الحلّ السّلميّ المتمثّل في إقامة دولتين. وهم يسعون لإقناع الرّأي العام العربيّ أنّهم سالموا الصّهاينة إنطلاقا من نظرة إستشرافيّة ثبتت صحّتها- حسب رأيهم- و الدّليل على ذلك أنّ حماس نفسها (والتّي يرى فيها الكثيرون زعيمة للمقاومة) خفّضت عمليّاتها ضدّ الكيان الصّهيونيّ بنسبة تكاد تكون كليّة. و يأمل هذا الصّنف من الفتحاوييّن بأن يقتنع العرب بأنّ الإعتراف بالعدوّ أصبح أمرا لا مفرّ منه. و بذلك تبقى شعارات المقاومة خاوية من محتواها بل هي مجرّد وسائل تسويق.

ثانيا: أنّه لم يحصل ابدا أن تقاتل الفلسطينيّون في ما بينهم إلاّ عندما أخذت "حماس" بزمام الأمور. و هي بذلك اثبتت عدم جدارتها بقيادة المجتمع الفلسطينيّ. ففي عهدها أُضيف تقسيم جديد لفلسطين ، و أصبحنا نتحدّث عن سلطة غزّة و سلطة الضّفة الغربيّة إضافة إلى الأراضي الواقعة تحت الإحتلال المباشر الصّهيونيّ.

كي يتفادى الشّرفاء في شتّى فصائل المقاومة العربيّة مثل هذه الفخاخ ليس امامهم سوى التّحلّي بدورهم بالكثير من الفطنة و الدّهاء السّياسيّ . و من الدّهاء و الفطنة أن يعمل المقاومون بمبدأ: إذا احتلّت أرضك .. فأُصمت و حارب.

ليست هناك تعليقات: