الاثنين، آب ٠٦، ٢٠٠٧

قانون نهب النفط العراقي

سميرة رجب - صحافية من البحرين

لطالما أكدنا أن الهدف من كل الحروب والصراعات الأمريكية وكل سياساتها الهمجية والمبتذلة في المنطقة، من أفغانستان إلى موريتانيا مروراً بالسودان والصومال، هو النفط بمنابعه ومصادره ومنافذ وخطوط وموانئ تصديره.. هذا النفط الذي سيبقى لعشرات من السنين القادمة عصب النهضة الغربية والاستعمار الغربي المهيمن على (العالم الثالث).. فها هو الاحتلال الأمريكي في العراق الذي كان يتحاشى، بل يرفض، ذكر النفط العراقي في إعلامه وخطابه السياسي الذي بدأه تمهيداً للغزو والاحتلال، وبعد أن فشلت كل الأكاذيب التي تذرع بها البيت الأبيض بدءاً بأسلحة الدمار الشامل وانتهاء بالديمقراطية، فقد انكشف هدفه الحقيقي بالدور الذي تمارسه الإدارة الأمريكية لتشريع قانون نهب النفط العراقي، حتى جاء قرارها المبطن بمنع ما يدعى (البرلمان) في العراق من التعطيل للإجازة الصيفية قبل أن يعلن موافقته على (قانون النفط) المذكور الذي تمت صياغته في أروقة البنتاجون بما يضمن السيطرة الأمريكية الكاملة على هذه الثروة العراقية قبل إعلان انسحاب قواتهم الذي بات وشيكاً، ويمكن أن يكون فجائياً وعشوائياً على خطى الهروب الأمريكي الشهير من فيتنام.
وقبل أن نبدأ في سرد تفصيلات هذا القانون سيئ السمعة، نؤكد هنا أنه في حال نجاح الإدارة الأمريكية في السيطرة على النفط العراقي فإنها لن تتوان عن التقدّم ووضع اليد على هذه الثروة في باقي دول الخليج، حيث لن تجد مقاومة تُذكر.. ولن تخلو القوة الأمريكية المتوحشة من إنشاء الآليات المطلوبة لذلك بتشريع أعراف دولية تمكنها من تحقق أهدافها، كما شرّعت (للحرب على الإرهاب) و(الحروب الاستباقية والوقائية) التي لا علاقة لها جملة وتفصيلاً بالقانون الدولي، بل تتعارض مع جميع مواثيق الأمم المتحدة.
أما قانون النفط العراقي المذكور فإنه يشرّع لأمرين هامين:
أولاً: إنهاء وجود العراق ككيان ودولة وتفتيته إلى محافظات إثنية وطائفية تدار مناطقياً وتتصارع وتتنافس للسيطرة على المزيد من آبار النفط التي يمتد بعضها على مساحة أكثر من إقليم أو محافظة عراقية، وبعضها مازال غير مكتشف.
ثانياً: سيطرة شركات النفط الأمريكية الاحتكارية العابرة للقارات على كل النفط العراقي، سواء الآبار الحالية أو التي في طريقها للإنتاج، وحتى غير المكتشفة.. وهذا ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" بتاريخ 13 مارس/آذار 2007، بقولها "لو تم اعتماد قانون النفط والغاز العراقي، فإن غالبية نفط العراق سيتحول من يد الحكومة إلى شركات النفط الدولية لجيل قادم أو أكثر..".. تنص المادتان الرابعة والتاسعة من الباب الثاني في القانون المذكور على منح المحافظات الصلاحيات المطلوبة للتوقيع على منح (تراخيص العمليات النفطية على أساس عقد تنقيب وإنتاج بين الوزارة أو الهيئة الإقليمية وشخص عراقي أو أجنبي، معنوي أو حقيقي).. ولهذه الجهة أيضاً الصلاحية على مراقبة تنفيذ هذه العقود.. أما (الهيئة الإقليمية) المذكورة في هذا النص هي ما يدعى في القانون (المجلس الاتحادي للنفط والغاز)، الذي سيُشكّل من السلطة المركزية وممثلي المحافظات و(مديرين تنفيذيين في الشركات المهمة ذات العلاقة)، أي موظفين تابعين للشركات النفطية الاحتكارية، وترجع لهذه الهيئة صلاحية قبول ورفض العقود المُبرمة..
وهكذا لن يعود هناك كيان عراقي ذو سيادة، حيث تتحكم هذه الشركات في إدارة ثروات وموارد البلاد، وخصوصاً أن (القانون)، الذي يُخَوّل الشركات المتعاقدة التحكم في مراحل إنتاج النفط وتصديره، فإنه يعطيها ضمناً الصلاحية في السيطرة على مستويات الإنتاج بإشارته نصاً إلى "الحاجة إلى وضع حدود ومستويات الإنتاج وفق أسس سليمة في كل منطقة تعاقدية للحقول المنتجة"..
وفي الجانب الآخر لا يُلزِم هذا القانون أي من هذه الشركات بتشغيل القوى العاملة العراقية أو استثمار جزء من أرباحها في الاقتصاد العراقي..
وأقبح ما في هذا (القانون) يأتي في مقدمته التي تدّعي "أن الهدف من القانون هو تحديث قطاع النفط وزيادة الإنتاج النفطي لزيادة موارد البلاد، لأجل الإسراع في الخطط التنموية وخطة إعادة إعمار العراق المدمّر التي تحتاج إلى 200 مليار دولار"، حسب تقدير (قيادة العراق الجديد).. والمهم أن كل هذا لا يمكن أن يتم في تقدير هذه القيادة إلا من خلال بيع ثروات وموارد البلاد للشركات الأجنبية..
وإذا قارنا هذا القول مع خطة الإعمار التي تم تنفيذها وإتمامها في العراق خلال عام واحد بعد الحرب عام 1991، وفي ظل الحصار، حينها نتأكد من بشاعة ما تمارسه الإدارة الأمريكية من أكاذيب للوصول إلى هدف الاستيلاء التام على النفط العراقي..
وفي هذا يقول الدكتور عبد الواحد الجصاني "إن تطوير الحقول المستغلة والحقول المكتشفة غير المستغلة لا يحتاج إلى موارد تفوق طاقة العراق على توفيرها.. تطوير الحقول ممكن أن يتم بأموال عراقية وبخبرات عراقية وبما يرفع طاقة العراق الإنتاجية إلى 6 ملايين برميل يومياً في ظرف سنتين.. وبحسب أرقام الاختصاصيين فإن تطوير هذه الحقول يحتاج إلى 20 مليار دولار بينما سيكون عائدها السنوي 70 مليار دولار سنوياً"..
فإلى متى سيستمر مسلسل الكذب هذا الذي بات يشكل أكبر تهديد للأمن القومي العربي، بل إلى متى سيستمر السكوت العربي على ما يحدث في العراق؟!.
sameera@binrajab.com


ليست هناك تعليقات: