الاثنين، آب ٢٠، ٢٠٠٧

من عمان إلى الضاحية الجنوبية لبيروت ... كي لا ننسى

ريمون رباح

ها قد مر عام على زيارتي مع جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية ومجموعة القوميين العرب للضاحية الجنوبية لبيروت , كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها دمارا بهذا الحجم , شاهدت هناك البيوت تنام مكومة فوق بعضها وتسعل سعالا مخنوقا , لم تكن رائحة الموت قد غادرت بعد .. فرائحة الجثث المحروقة والمتفسخة كان تزكم انفي برائحة الموت .

حزينة كانت السماء وحزينة كانت عيوني , كنت أتفحص المنازل الهائلة وهي تتدلى منها بقايا العاب لطفل تاه عن أهله وسط الركام , وبقايا سجادة كان يركع عليها قبل ساعات رجل وهب روحه لخالقه ...

الأحلام كانت تراودني وأنا أسير هناك على تلك الأرض .. لوهلة تخيلتها فلسطين , دمعت عيناي من هول المأساة , سرت وأنا أتخيل مقاوما هنا ... وطفلا كان يضحك هناك ... وحبيبة كانت تمسك بيد حبيبها مرا من هنا , كل ذلك حطمته نيران غادرة حاقدة ..

انك لن تشعر بالدمار إلا إذا شاهدته قريبا منك ! لن تحس به إلا إذا لمسته ! نعم انه لشعور صعب أن ترى بنايات تمد لعشرة طوابق أو أكثر منهارة , إنها ليست مجرد بنايات ..لا أنها أماكن صغيرة حملت في قلبها عشرات السنين أسرار البيوت , صمتت دهرا كاتمة خبايا مشاكل عنيفة وصراخ , حملت بجوفها حبا ساعدها على البقاء عشرات السنين حتى جاء اليوم ليجعل منها كومة حجارة أصبحت ترابا , هي اليوم منهارة أمام عينيك في تناغم دقيق وكأن الطائرات الصهيونية كانت تعلم بالمخطط السكني لتلك المنازل , قانا كانت تظهر في عيون ساكني الضاحية , وأطفالها كانوا يصرخون في وجهي , ومجزرة القاع كانت تطل بعيون ذابت من شدة القنابل المحرمة دوليا ... لا يمكنني أن أنسى كل ذلك , لا يمكنني أن أنسى أنني رأيت ساكني الضاحية يبتسمون رغم الموت ! رغم أنهم فقدوا كل غالي ! ... قد اعجز عن التعبير وقد لا أتمكن من وصف تلك اللحظات , إلا أنني اذكر أن ذلك اليوم لم ولن ينسى , وأذكر أنني رفضت أن اغسل قدماي من تراب الضاحية .. لأنه كان اطهر تراب مشيت عليه بحياتي , بقي عالقا بقدماي ثلاثة أيام وبقي عالقا بطرف بنطالي دون أن اقبل بغسله ... إلا أن والدتي عندما عدت إلى عمان أجبرتني بالقوة أن أضعه في الغسيل ... بكيت كثيرا عليه , وبكيت على كل طفل صعدت روحه دون ذنب , كانت وجوه الصهاينة تلمع في عيناي كانت تستحق أن اغضب وان اصرخ عاليا المجد للمقاومة المجد للمقاومة المجد للمقاومة ....

ليست هناك تعليقات: