الأربعاء، آب ١٥، ٢٠٠٧

الولايات المتحدة تعيث فساداً في الوسط السني في العراق

د. إبراهيم علوش

مع تعمق أزمة الاحتلال الأمريكي في العراق، واتساع صراع النفوذ بين إيران والولايات المتحدة في الإقليم، وجدت أمريكا نفسها مضطرةً للبحث عن قواعد شعبية عراقية تستند إليها غير الميليشيات المخترقة إيرانياً التي اعتقدت لوهلة أنها تدين لها بالولاء، فلعبت الورقة الطائفية السنية بالتعاون مع بعض الأنظمة العربية، بعدما لعبت الورقة الطائفية الشيعية بالتعاون مع إيران، وطفقت تشكل ميليشيات طائفية عشائرية سنية موالية لها تحت عنوان "مجلس إنقاذ المحافظة الفلانية أو العلانية"، وراحت تستخدم تلك الميليشيات في محاربة تنظيم القاعدة وفي "حماية" المناطق المأهولة بالسنة من الميليشيات الطائفية الشيعية التي ما كانت لتتمادى أصلاً في جرائمها لولا الغطاء السياسي والعسكري الذي أمنته لها ابتداءً قوات الاحتلال في العراق.

وبالرغم من ذلك، اكتشف الرئيس جورج بوش الابن فجأةً أن نوري المالكي لا يكبح جماح الميليشيات الطائفية الشيعية، بل يطلق لها العنان، وأنه موالٍ لإيران أكثر من ولائه للولايات المتحدة! وبدأت الضغوط على حكومة المالكي من القوى السياسية المتحالفة مع الولايات المتحدة، فمرة يجمد خمسة وزراء من القائمة العراقية - قائمة إياد علاوي رئيس الوزراء السابق الأقرب لأمريكا - مشاركتهم في الحكومة، ومرة تقوم قائمة التوافق السنية بتقديم استقالات وزرائها الستة مطالبين بدور أكبر للسنة في الأجهزة الأمنية بالأخص. ومن المعروف طبعاً أن الحزب الإسلامي العراقي يشكل العامود الفقري لقائمة التوافق، وأن ذلك الحزب تجاوب دوماً مع المشروع السياسي في ظل الاحتلال، من مجلس الحكم الانتقالي إلى الانتخابات إلى الحكومة العميلة إلى غيرها.

وكانت الجزيرة نت قد نقلت تقريراً يوم 28/7/2007 بعنوان "واشنطن تعزز تجنيد السنة وحكومة المالكي متخوفة" جاء فيه نقلاً عن الواشنطن بوست في نفس اليوم أن "القوات الأمريكية عززت جهودها الرامية لتجنيد وتمويل سكان الأحياء السنية... وأن قائد العمليات اليومية الأمريكية في العراق أمر بالتعجيل في تشكيل تلك القوات مخولاً دفع مبالغ وحوافز مالية لهؤلاء المقاتلين... وإن الهدف هو تشكيل قوة محلية غير نظامية يعمل أفرادها بعقود مؤقتة مع توفير بزات عسكرية لهم, دون انتظار البرامج المطولة الخاصة بتدريب الشرطة والجيش... وأن هذه المبادرة.. تمثل تخليا مؤقتا عن السياسة الأميركية التقليدية القائمة على تشكيل وتدريب قوات أمن عراقية تابعة للحكومة التي يسطر عليها الشيعة".

ولا يحتاج المرء إلى عبقرية في التحليل السياسي ليستنتج هنا بأن التوجه نحو استقطاب السنة العراقيين وتشكيل ميليشيات منهم يعبر عن: 1) أزمة أمريكا في العراق وتخبط مشروعها في مواجهة المقاومة أساساً، ثم إزاء النفوذ الإيراني المتنامي في العراق، 2) حاجة أمريكا لخلق أرضية للصراع الطائفي والحرب الأهلية تمهيداً للانسحاب الاضطراري، وهو ما يصب في مشروع تفكيك الإقليم الأمريكي-الصهيوني، 3) سعي أمريكا لإنتاج تحالف إقليمي جديد يضم "المعتدلين" (أي العملاء) العرب والكيان الصهيوني في مواجهة صعود نجم المقاومة العراقية في الإقليم أولاً ثم في مواجهة المحور الإيراني.

ولكن من سيدفع ثمن هذه السياسة الجديدة هو السنة العراقيين أنفسهم بمقدار ما ينساقون معها. فالتعاون مع الاحتلال، لأي سبب، وتحت أية ذريعة، وبأي شكل سياسي أو عسكري أو أمني، مرفوض بالمطلق، ويغرق الناس بالدماء، ويجب أن يخون كل من يقدم عليه، سواء كان شيعياً أو سنياً أو مسلماً أو مسيحياً أو عراقياً أو فلسطينياً أو غير ذلك... وفي النهاية يدفع العراق والعرب والمسلمون جميعاً ثمن هذا التعاون.

وإذا كان تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وحلفائه قد ارتكبوا أخطاء تعبر عن ضيق أفق سياسي واضح مثل: 1) إعلان إمارة قبل التحرير ودون التشاور مع قوى المقاومة الأخرى الإسلامية والوطنية، 2) الانزلاق إلى صراعات دموية مع مجاهدين في الفصائل الأخرى ومواطنين غير متعاونين مع الاحتلال، 3) التحريض ضد الشيعة وتبني موقف طائفي في الوقت الذي يطرح فيه الأمريكيون والإيرانيون علناً مشروع تفكيك، فإن ذلك لا يبرر بأي شكل من الأشكال الانزلاق إلى خطأ أكبر – لا بل جريمة لا تغتفر – هي التعاون مع الاحتلال، ناهيك عن تشكيل ميليشيات سنية تحت أمرة قادته العسكريين.

وأمريكا التي تدرك جيداً أي مأزق إقليمي ودولي وداخلي رهيب وضعتها فيه المقاومة العراقية تحاول الآن أن تحرم المقاومة العراقية من تصدير انتصارها إلى الإقليم بعد الانسحاب الأمريكي من خلال تأزيم الوضع الداخلي العراقي ليس بين السنة والشيعة فحسب، بل ضمن كل طائفة أيضاً، ضمن السنة، وضمن الشيعة... فما يجري هنا قبل كل شيء هو محاولة لمنع المقاومة العراقية من قطف نتائج انتصارها على أمريكا داخل العراق وعلى مستوى الإقليم.

ليست هناك تعليقات: