الخميس، آب ١٦، ٢٠٠٧

كيمياء خطاب نصرالله

دروس لبنانية في خطاب نصرالله
كيمياء 14 آذار قنبلة بلا خبير متفجرات

محمد لافي "الجبريني"

جاء خطاب الامين العام لحزب الله مساء الثلاثاء الماضي، ليضيف جملة مفيدة اخرى على كم التحذيرات والتنبيهات التي يوجهها السيد حسن نصر الله الى خصومه السياسيين والطائفيين في لبنان، خاصة مع تزايد حالة السعار السياسي بين خصومه وهم يقرون داخليا بمستوى الخسائر التي تتعرض لها قاعدتهم الشعبية، وإضمحلال الانطباعات الايجابية لدى الانظمة الاقليمية والدولية عنهم، دون أن يخفوا غضبهم من تأخر الحلفاء الدوليين في كبح جماح إنتصارات المعارضة سياسيا داخليا وخارجيا في تسلسل يبدو مدروسا ساعد عليه الهدوء والقدرة على ضبط النفس في مواجهة خصومهم من 14 آذار.

توريط الجميل لإضعافه
منذ الانتخابات التكميلية لمجلس النواب التي انتهت مؤخرا، والتوتر يسيطر على طبقة مهمة في فريق السلطة، بتفاوت يدل على وجود اجواء من انعدام الثقة بين رموز هذا الفريق تحديدا، خاصة بعد خسارة الرئيس أمين الجميل لمقعده المسيحي لصالح ممثل خصمه التاريخي العماد ميشيل عون، بعد ان دفع دفعا كما ألمح مقربون وسياسيون قبل بدء الانتخابات ليملئ المقعد الذي شغره إبنه المغدور، وليفقد قدرته على الاحتفاظ بشكوكه التي عبرت عنها تصريحاته وأسئلته التي لم يجد لها اجابات عن ما القصد من محاولة اغتيال شخصيته بهذه الطريقة وإبعاده عن المنافسة على كرسي الرئاسة وهو الزعيم المسيحي الوحيد في فريق 14 ىذار الذي بإمكانه حشد هذا الكم من أصوات الجمهور المسيحي في المتن، الذي كان من الاجدى له ان يستعد ليكون المنافس الاقوى للعماد عون على كرسي الرئاسة اللبنانية الذي سيلتئم مجلس النواب لإختيار رئيسه في الخامس والعشرون من أيلول القادم.

جنبلاط عبئ على الجميع
تلك الحالة لم يكن الرئيس جميل هو الوحيد ممن يعانون من فقدان التوازن والثقة فيها، فإلى جانبه وإن لأسباب مختلفة نجد زعيم الحزب الاشتراكي التقدمي وليد جنبلاط الذي يستشعر هو الأخر بدوره أن عليه تدارك أي محاولة لتغييبه في المرحلة المقبلة عبر المزيد من التطرف وتسعير الخلافات والوقوف في وجه اي تقارب يوقن أنه سيكون ضحيته الأولى، خاصة وانه لا يستبعد وجود إسمه على قائمة "شهيد" تجيش المزيد من الانصار، وهو الشخصية التي تزيد أعبائها على حلفائها بإطراد. فشعبيته لبنانيا توشك ان تنحصر بأفراد هم قلة من الدروز، وعربيا تفضل كل الدول الداعمة لفريق السلطة الابتعاد عن اي اتفاق او توافق مع الرجل الذي سيحرجها ، فيما لا يبدو له أي داعميين في المجتمع الدولي، اللهم الا اذا لم نستبعد أن يكون له دور مستقبلا كيد لأجهزة الاستخبارات الدولية للقيام ببعض الاعمال، وهو المشهود له في الحرب الاهلية بتفوق حزبه ودمويته في العمليات الصغيرة التي تحتاج الى أرضية واسعة، لذلك يمكن ملاحظة اتجاه بوصلته اكثر نحو السياسة الامريكية، والامعان اكثر بتجاوز أي خطوط سياسية حمراء، والتخلي عن الدبلوماسية وآخر شعرة تحفظ له خط الرجوع ، وهو مايدل على يأسه من العودة الى اسلوبه القديم في تبديل التحالفات بين ليلة وضحاها، وخشيته من تخلي حلفائه عنه، ويظهر ان اعلام سعد الحريري بات يتحرج من تصرفات جنبلاط الذي هاجم بمقردات بذيئة رئيسي جمهورية لبنان وسوريا، وما عاد يبرز اخباره، وبات حذرا في عدم اظهار الموافقة على آراء الرجل، وبذلك بات مرتهنا اكثر فأكثر بالأجندة الامركية، ان لم نقل التعليمات ليضمن بقائه قيد الوجود في لبنان.

حروب جعجع الباردة
سمير جعجع من جانب، ليس هو صاحب اوفر الحظوظ، إلا انه يبدو كماهو دائما الطائر المتمرد الذي يبحث ويسعى بجد بلا كلل ليشكل سربه الخاص على حساب بيئته الخاصة، فمنذ بروزه في حزب الكتائب، ومن ثم انشقاقه بالقوات اللبنانية ذراع الحزب العسكري، وهذا ديدن جعجع الذي يتخذ من اسلوب الصعود على سلم الحلفاء ومن ثم إضعافهم طريقته الاجدى للبقاء والبروز، خاصة والرجل من الذين لا يملكون الكاريزما الخطابية جماهيريا، وصاحب الخطاب السياسي الحذر غير الجذري عموما، إلا ان برغماتيته وصبره وقرائته الجيدة للأحداث ومحيطه من الأكفاء وعلى رأسهم أنطون زهرة جميعها تساعده على تخطي حلفائه قبل أن يواجه خصومه، ولعل المقصودين بتوريط امين الجميل كانوا تحديدا تيار سمير جعجع، الذي يراهن على تفوق علاقاته مع قاطن الأليزيه الجديد "نيكولاي ساركوزي".
قد يكون صبر جعجع مفيدا له، لكن ثماره لن يقطفها في معركة الرئاسة الحالية، فالواقع اللبناني لن يهدأ بأي حال عند التوافق على رئيس، بالإضافة الى ان كل من امريكا وحلفائها من الدول العربية بدأوا يضيقون ذرعا بالفوضى السياسية في لبنان التي لا مستفيد منها حتى سوى انصار المعارضة (العقلانيين)، وبالتالي كان الحاحهم على اجراء الانتخابات في موعدها، علماً بأن الكلام عن دعوة واشنطن أركان 14 آذار الى اختيار سريع للمرشح الرئاسي لم تؤكده قوى بارزة في هذا الفريق، لم تنف وجود تيار يدعم بقوة ترشيح النائب السابق نسيب لحود الذي يحظى بدعم من القيادة السعودية ولا ممانعة من الولايات المتحدة وفرنسا.

رجل لبنان القوي
وايا كان مرشح 14 آذار، فالظاهر أن لا توافق، بل حرب باردة بين الرموز المسيحية لهذا التيار، على عكس فريق المعارضة الذي إتفق منذ سنوات على مرشح اوحد ووحيد هو الجنرال عون، الذي أثبت علو كعبه، وتفوقه على خصومه بمراحل في حشد قاعدة شعبية مسيحية مؤثرة وإن لم تكن هي الغالبة في إقليم المتن الكتائبي تاريخيا، فهي الاساسية في بحمدون الأرمنية وصاحبة النفوذ في بيروت والجنوب، وإذا كان الجمهور الكتائبي والقواتي يعارضها فهذا لا يعني انه يعاديها بالمطلق، فتيار ميشيل عون تمكن بفضل حنكته السياسية والدعائية من فرض احترامه حتى على جمهور خصومه الذي لا يرون في عون خصما بل ندا سياسيا يمكن تقبله، فعلاوة على نفوذه في اليسار المسيحي، فإن حلفائه في الحزب القومي السوري كانت لهم يد أساسية في فوز مرشحه خوري في الانتخابات النيابية، وإقناع حزب الطشناق حليفهم في التصويت له.
الجنرال عون، رجل يتقن اللعبة السياسية بإمتياز، رغم براغماتيته –حليف الرئيس صدام حسين السابق، ومن ثم حليف خصومه في العراق حاليا تثبتها قدرته على تثبيت وتطوير استثماراته التجارية هناك- يمكنه الظهور بمظهر الرجل المبدأي، صاحب الموقف الصلب، غير متسرع في الحكم على الامور، وهذا تدلل عليه طريقة عودته الى الحياة السياسية اللبنانية بعد ان كان أبعد عن وطنه بسبب خلافه مع سوريا. فبعد ان كان الرهان في 14 آذار على الجنرال صاحب الشعبية، ليضيف نفوذا جديدا للجناح المسيحي في التيار، إنتقل الجنرال بهدوء الى الوسط، ومن ثم ليتحالف بسلاسة مع حزب الله دون ان يظهر عليه الارتماء في حضنه، فبرز كشريك وحليف قوي لأقوى حزب في لبنان، والرجل الذي ترتاح له سوريا بشار، بل وليرسل الرسائل بأن المسيحين تحت قيادته هم الند السياسي الوحيد للقوة الشيعية التي لا يظهر اي نفوذ آخر يمكنه مواجهتها.

عراب الدولة
خطاب السيد حسن نصر الله، جاء كقراءة فاهمة لكل تلك الاحداثيات، فبإستغلاله لذكرى الانتصار في 14 آب على العدوان الصهيوني، كانت آلته الاعلامية حريصة على التاكيد أن قوة الحزب هي كما كانت الضمان لإستقرار لبنان، وحماية المسيحيين، ومذكرا بان خسارة تلك الحرب كانت تعني بالضرورة إشعال فتيل الحرب الاهلية، التي سيحاول اشعالها مغامرون، لن تهدف إبتداءا لمهاجمة الحزب، بل حلفائه الاضعف الذين لن يقوى على حمايتهم، وكانت بناء عليه دعوته للتصالح، وإن كان تركيز خطابه قد بدى على ارسال الرسائل الى الحدود الجنوبية وللإدارة الامريكية، فهي تعني ضمنا أن قوة الحزب تضاعفت، بحيث باتت قادرة على تغيير خارطة الوضع السياسي اقليميا، بما يفوق قدراتها على إسقاط وزراء وقادة اركان في الكيان الصهيوني، دون أن يتوقف عن ارسال التلميحات الى من اعتبرهم أقلية (ما بينحكى فيهن) من اللبنانيين الذين حاولوا استغلال الحرب، لتنفيذ خططهم.
خطاب نصرالله كان بمثابة حرب نفسية وربما "صادقة" كما وصفها، بأن ليس من مصلحة أحد معاداة مشروعه، بل ان من مصلحة الجميع التحالف مع تياره والتصالح في خطاب فاض بالترهيب المبطن والترغيب الصريح، فهل سيكون ذلك مدعاة الى اجتذاب أصدقاء جدد من الفريق المنافس أم هل سيدفع البعض الى الحائط أكثر، ذلك ما ستجيب عنه الاحداث في الاسابيع والأشهر القليلة القادمة، في دولة كانت ولا تزال ملعب العالم والنفوذ، خاصة وان امريكا لن ترحب ابدا بوجود مثل هذا الاستقرار السياسي الموالي لحزب الله في لبنان قبل خطتها التي لا مناص من تنفيذها فزالة النظام في سوريا.
ezza3tar.spaces.live.com


ليست هناك تعليقات: