الاثنين، آب ٢٧، ٢٠٠٧

ملاحظات عابرة على مؤتمر دولي عابر

د. إبراهيم علوش

يتعامل صناع القرار الأمريكيون مع الأحداث من منظور إعلامي ومنظور علاقات عامة أكثر مما يفعل صناع القرار في أية دولة أخرى. فالمهم عندهم في الحدث السياسي هو "كيف يبدو"، وليس "كيف هو"، وبالتالي فإن الأولوية الأولى في تعاطيهم الآني مع أي حدث هي احتواء انعكاساته السلبية عليهم و"تغيير الانطباعات" حوله من خلال إستراتيجية إعلامية مدروسة توظفه لمصلحتهم بقدر الإمكان. وبشكل عام، فإن منهج "إدارة الأزمة"، بدلاً من التعاطي مع جذورها وحلها، يرتبط أساساً بمدرسة "التسويق" (مقابل مدرسة "الإنتاج") في العمل السياسي.

×××××××××××××××××××××××××××

إن طريقة تعاطي إدارة الرئيس بوش مع أزمتها المركزية في العراق، أس أزمتها الأمريكية الداخلية والعالمية و"الشرق أوسطية" وجوهرها الأساسي، تنبع من منطق "إدارة الأزمة" وحرص الإدارة الأمريكية على صورتها وهيبتها والحاجة لاحتواء الأذى اللاحق بهما أولاً. ومن هنا جاء الهروب نحو المؤتمر الدولي جزئياً بغرض تلميع إدارة بوش عالمياً وإقليمياً وأمريكياً. ولا بد من الانتباه جيداً أن توقيت المؤتمر الدولي بين "المعتدلين العرب" و"إسرائيل" في الأسبوع الثالث من شهر أيلول/ سبتمبر جاء محسوباً ليترافق مع مناسبتين مهمتين في نفس الفترة: 1) انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وضرورة إبراز بوش عالمياً كصانع سلام، ودعوة دول العالم المجتمعة لتقديم الدعم له في جهوده لإقامة السلام في "الشرق الأوسط"، 2) تقرير الجنرال الأمريكي بتريوس قائد القوات الأمريكية في العراق للكونغرس الأمريكي حول "إنجازات" خطة زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق، وما سيسببه من إحراج داخلي للإدارة الأمريكية! وهذا غير حاجة الإدارة الأمريكية لتسويق نفسها عربياً وإسلامياً بعد جرائمها في العراق وأفغانستان، لأن هذا ما يجري بالضبط: تسويق الإدارة الأمريكية لعامة العرب والمسلمين من خلال مؤتمر سلام دولي.

×××××××××××××××××××××××××××

الحمد لله أني لست مع أي شكل من أشكال التسوية أو التعايش أو التفاهم مع اليهود في فلسطين، وليس فقط دولة "إسرائيل"، ولكن الأنظمة العربية و"المعتدلين العرب" المندفعين باتجاه تقديم الغطاء السياسي لجهود إدارة بوش في "إدارة الأزمة" إما أنهم لا يدركون وإما أنهم لا يريدون أن يدركوا أية رافعة سياسية عملاقة يمسكون بها... بل هم في موقع أقوى الآن من أي وقت منذ سقوط الاتحاد السوفياتي لفرض تنازلات على الإدارة الأمريكية لأن المؤتمر الدولي لا يعني شيئاً بدون مشاركتهم. وبدلاً من مؤتمر بلا جدول أعمال ولا موعد ولا مكان لقاء معروف حتى الآن، مؤتمر يستثني المسار السوري بالذات، ويحاصر قوى المقاومة، ويتبنى "اتفاق مبادئ" فلسطيني-"إسرائيلي" أخر يتيح للطرف الأمريكي-الصهيوني تضييع الوقت لفرض الوقائع على الأرض وفرض إستراتيجية "التطبيع قبل السلام"، ومؤتمر صمم خصيصاً لتحسين نسب التأييد الداخلي لحكام واشنطن وتل أبيب بعد تدنيها بشدة حسب استطلاعات الرأي، وبدلاً من تحالف سياسي-عسكري يسقطهم أكثر في الشارع العربي وأمام التاريخ، وبدلاً من أن يصبحوا مجرد سوقٍ للسلاح المكدس والقواعد الأمريكية والنفوذ الخارجي، كان يمكن أن يحصلوا على ما ينقذ ماء وجوههم على الأقل، ولو لم يصل إلى الحد الأدنى من حقوق الأمة التي لا يمكن نيلها عبر المؤتمرات الدولية!

×××××××××××××××××××××××××××

"خطة الطريق" كانت - ولنركز على كانت – مشروع "اتفاق مبادئ" أخر استغله الطرف الأمريكي-الصهيوني لكسب الوقت وفرض الوقائع على الأرض، وقد نفذ مفعول تلك الخطة كأداة للترويج للأوهام عربياً وفلسطينياً عندما أقدم شارون على خطوة "الانسحاب الأحادي" من غزة. إبان ذلك، عمل الطرف الأمريكي-الصهيوني بجد واجتهاد على "تغيير الأنظمة" في الوطن العربي، وإعادة تشكيل البيئة الإستراتيجية للمنطقة باتجاه تفكيك الدول المركزية في الوطن العربي وإحلال مشاريع "الإصلاح" محلها. فالحقيقة تبقى أن الأنظمة العربية – وكل الأمة - مدينة ببقائها للمقاومة العراقية أولاً، ثم للمقاومة اللبنانية، ثم للمقاومة الفلسطينية. ولولا تلك المقاومة، لعقد فوق أنقاض الأنظمة العربية، بدلاً من المؤتمر الدولي في أيلول، مؤتمر فسيفساء "الدويلات الشرق أوسطية" بعضوية تتراوح ما بين خمسين إلى مئة دولة أقليات مختلفة، برئاسة شخص اسمه كوهين بن شالوم السفرديمي مثلاً!

×××××××××××××××××××××××××××

ليست هناك تعليقات: