الجمعة، آب ٣١، ٢٠٠٧

التنين الرابض والدب المتأهب

التنين الرابض والدب المتأهب
من يقف في وجهي؟

محمد لافي "الجبريني"

الأن يبدو ان على امريكا إعادة النظر في مقولة أبو زعيمها جورج بوش، الذي قال في مطلع العام 91 عشية إنهيار جدار برلين بعد خطبة بلاغية دشن فيها النظام العالمي الجديد وزمن السيطرة الامريكية جملته الشهيرة "إنني أؤكد أنه سيكون عصراً أمريكياً آخر" ، مع بدء الطلعات الجوية للطائرات الاستراتيجية الروسية التي عادت الى الاجواء بعدما تكسرت أجنحتها قبل سبعة عشر عاما.
لقد نجحت امريكا في تتويج حربها البارة مع النظام الاشتراكي منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، بأبشع ما يكون إستغلال النفوذ، والسيطرة على أدق تفاصيل الحياة لدى الخصم السابق والذي دخل في مرحلة سبات تاركا جسده تعبث بها الايادي الامريكية بعد أن نجح رجلها بوريس يلتسن في الوصول الى سدة الحكم، وسلم البلاد العذراء على طبق من ذهب للرأسمال الغربي الذي إهتبل الفرصة وأعمل ادواته في حلب الشعب الروسي حتى آخر قطرة أدت بالبلد الذي كان ذات يوم وأحدا من أهم قوتين مسيطرتين بالعالم الى بلد وضع في مصاف بلدان العالم الثالث بعد أن تحول أكثر من نصف سكانه الى طبقة تعيش تحت خط الفقر، وبروز النخب الاقتصادية وسيطرة المافيات على البلاد.

ميشكا يصحو..
وميشكا ما كان لحاله ان يستمر طويلا بعد ان تعتع بوريس يلتسن السكر وما عاد قادرا على قيادة نفسه ليقود روسيا، التي انتدبت أحد أصلب أبناءها فلاديمير بوتن صاحب الباع الطويل في الحرب الباردة وأحد النخب التي قادت المواجهة ضد امريكا إبان رئاسته للكي جي بي، و فكرة العودة بالروح الروسية الى المقدمة لم تكن بالنسبة لرجل كهذا الا مسألة وقت، ساعدت عليها الغطرسة الامريكية التي تمادت في التطاول على الدب وعبثت في كهفه دون أدنى اعتبار للحظة التي يستيقظ فيها، التي بدات إرهاصاتها تتجلى أكثر وأكثر لتصل ذروتها بتصريح بوتن المباشر والمستعد للعب من جديد، حين قال بعد إعلان بدء الطلعات الاستراتيجية " في عام 1992 أوقفت روسيا من طرف واحد دوريات طيرانها الاستراتيجي لكن المؤسف أن الجميع لم يحذ حذونا ويخلق ذلك مشاكل معينة لضمان الأمن للاتحاد الروسي."

قبل الغرق
كان بإمكان نهضة روسيا ان تكون اسهل وذات قاعدة أممية اوسع لولا القمصان الدموية التي رفعتها امريكا بعد 11 أيلول وجعلت من اوروبا التي كانت قد بدأت تتململ من العالم الاحادي القطبية تنهار امام فكرة أن امريكا هي الراعي الرسمي للقيم الغربية، والقوة الاستراتيجية الاكثر قدرة على مواجهة ما سمي بالإرهاب، وهو ما ضغط بالضرورة على باقي دول العالم التي لم تجد مناصا من الانجراف اكثر بإتجاه أمريكا في ظل غياب البديل القادر على ردم الهوى الإقتصادية والسياسية.

ذلك أمر كان يعمل عليه بصمت عملاقان لن يكون مفاجئا لأحد نهوضهما، فروسيا التي بدأت تستعيد عافيتها بعد خطة بوتن القومية الإقتصادية والتي وائمت بحنكة وبراعة بين النظام الرأسمالي و حصر الفائدة قدر الامكان بالإقتصاد القومي، بعد فرض القيود على رأس المال الخارجي، وضبط النظام المعيشي في موازاة العمل على السياسة الخارجية، والتي تعني للقوى العظمى بقدر ما يعنيها الوضع الداخلي، فكان أن لم يجد بدا من الالتفات الى المارد القابع على الحدود الشرقية، والإلتفات الى أن الخلافات معه لن تكون مجدية، بقدر ما سيفيد كلاهما التفاهم والتحالف ضد الاخطبوط الامريكي الذي بدأت جحافل جيوشه تتعمد الظهور والاستعراض على حدود كلا البلدين روسيا والصين، دون أي رادع ودون قدرة كلاهما على الاستنكار في ظل المباركة الغربية وصمت الدول الضعيفة المستضيفة لتلك القوات، شرق وجنوب ووسط آسيا، وهو ما يعني البلل إذ يصل للذقن.
وكما قال أحد خبراء العلاقات الدولية: لو لم توجد أحداث 11 سبتمبر لأوجدتها أمريكا. وفي ذلك غمز لا يخفى على لبيب!

رعاية البذور
بالنسبة للجارين اللدودين، كان الامر يستحق المحاولة، بما يتجاوز البنود الاولية التي إتفقى عليها عام 96 والتي استندت إبتداءا على حل المشاكل الحدودية بين الصين وروسيا وباقي شراذم الاتحاد السوفياتي، وتعميق الثقة العسكرية بعد مواجهات محدودة كانت بإنتظار قليل من سوء الحظ للتطور الى مواجهات اوسع. ومحاربة ماسمي بالارهاب لكبح جماح التطاول الامريكي على المنطقة.
لكن بعد وصول البوارج الامريكية الى البحر الاصفر، والتمركز في كازخستان، أفغانستان، وغيرها في وسط أسيا، وبعد بلوغ حرب النجوم مرحلة النضج على حدود اوروبا الشرقية كان على معاهدة شنغهاي أن تعيد صياغة نفسها لتكون على قدم وساق مع تطور الاحداث اذا لم يرد البلدان البقاء كباقي المتفرجين عديمي التاثير وعمقهم الاستراتيجي يعبث به أبناء الغرب البعيد دون حسيب.

تصافح الخصوم
في عصرنا هذا، أحيى زبغنيو بريجنسكي مفهوم "لعبة الشطرنج" هذا، وجعله عنوان كتاب أصدره في 1997 بعنوان "لوحة الشطرنج الكبرى: التفوق الأمريكي ومستلزماته الجيو- إستراتيجية". ثم ما لبثت إدارة بوش أن تبنت مقولات هذا الكتاب بالكامل وحولّته إلى سياسة هدفها إحكام الخناق على موارد النفط في أسيا الوسطى- قزوين والخليج، وبقية مصادر النفط العالمي (بما في ذلك حتى النفط الروسي نفسه).
الأمر بطبيعة الحال لن يبق طويلا كما هو، فالعملاق الاقتصادي الصيني رغم حاجته للنفط كبلد صناعي ومصلحتة في عدم الارتفاع في الاسعار، مقابل الروسي صاحب اكبر مخزون عالمي من الغاز والثالث نفطيا الذي من مصلحته ارتفاع الاسعار تفاهما على هذا الامر بما يخدم المصالحة المشتركة، فموازين القوى –على الاقل وسط اسيا- بدأت تلتفت اكثر بإتجاه الحليفين الذين نجحا في ضم العديد من الدول كشركاء، واستدراج خصوم أخرين كمراقبين الى حلفهم على رأسهم، الهند، باكستان وايران، اللاتي يختلف على دعمها أيضا الصين وروسيا، ورغم بقاء كازيخسات كالاسفين وسط هذا التحالف ببقائها في الحضن الامريكي الا أن قوة الحلف الذي بات يضم ربع سكان المعمورة مرشح ليصل الى النصف في حال إتفق الجيران الالداء وسووا خلافاتهم التي تتربع على رأسها كشمير ،ومع هذا سيكون أغرب حلف في التاريخ كان أساسه على الدوام المتخاصمين، المتحالفين.

نظام عالمي جديد
لذلك يمكن تفهم اللهجة الحادة من قبل القادة الروسة التي ايقظتها النزعة القومية الروسية، ولا تختلف عنها حتى الصين الشيوعية التي يمكن ملاحظة أن حسابتها تنطلق من رؤيا قومية تعي مصصالحها في بلد لم يبق فيه من الشيوعية الا شعاراته المحفوظة في المتاحف وإحتفالات الاستقلال والتحرير.
تحالف شنغهاي، بات يعول عليه كثيرا، فقد بات بمثابة بذرة تحول الى نظام عالمي جديد يعيد التوازن بين الشرق والغرب، فعدى عن إنجازاته في وسط أسيا فإن الدلائل تشير الى طموح للمنافسة على بقية مناطق العالم، التي دشنتها الصين بإختراق الحقل النفطي في السودان،وهو ماينبغي على أمريكا ان تقلق بشأن زعامتها العالمية المطلقة.

أوان الزعتر ترويه المقاومة
www.ezza3tar.spaces.live.com


ليست هناك تعليقات: