السبت، أيلول ٢٢، ٢٠٠٧

تعقيب على : "الإسلاميون و القوميون.. بين الأمس و اليوم

عبد الستار الكفـيري

في مقاربته " الإسلاميون و القوميون.. بين الأمس و اليوم" , يناقش الأخ محمد رياض تلك العلاقة الملتبسة , بين أكبر تيارين شعبيين على مستوى الوطن العربي تاريخيا , وهما التيار القومي من جهة والإسلامي من جهة أخرى.و أود أن أعرض لمجموعة نقاط أتمنى أن تفتح حوارا حول ما طرح في المقال المذكور:

فعلى مستوى ضبط المصطلحات, استهل الكاتب مقالته بمحاولة تحديد لمصطلحين رئيسيين وهما : الإسلاميون , والقوميون. وفي محاولته تلك, لم يكن دقيقا وحاسما بما يكفي لتحديد دلالة كلا المصطلحين . فالإسلاميين – كما يقول – هم" الساعين لإقامة دولة إسلامية موحدة تحتكم إلى الشريعة الإسلامية.." مستثنيا من تعريفه هذا الجماعات التي تقتصر ممارساتها على الشعائر والفروض الدينية. ومدخلا في إطار تعريفه هذا جماعة الإخوان المسلمين !!.وهنا يكمن وجه الاعتراض. فبالرجوع إلى مبادرته " للاصلاح" التي أعلن عنها المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر محمد مهدي عاكف , وتحت بند " في مجال الإصلاح السياسي" جاء ما نصه :

إننا نؤكد تمسكنا بنظام الدولة نظاما جمهوريا برلمانيا دستوريا ديمقراطيا في نطاق مبادئ الإسلام . كما نؤمن بحق الفرد في المشاركة السياسية الفاعلة، كما نؤمن بأن هذه المشاركة أساس لاستقلال القرار السياسي، داخليًّا وخارجيًّا، كما نؤمن بحقنا في علاقات دولية تقوم على الندِّية، وعلى الاحترام المتبادل للحقوق والسيادة الوطنية، واحترام القوانين والمواثيق الدولية، وتأكيد حق الشعوب في تقرير مصائرها، وأن هذا وغيره من جوانب الإصلاح الشامل لا يتحقق إلا من خلال تطبيق الديمقراطية التي نؤمن بها، ونلتزم بأصولها، وندعو الأحزاب والقوى السياسية الأخرى إلى تأييدها كميثاق وطني ."

وبالتالي , يمكن القول بدءا وتأسيسا على ما سبق , أن ثمة تحول , لا يمكن تجاهله , قد طرأ على فكر الجماعة. فعندما تكون " الدولة الإسلامية" هي الغاية التي تسعى الجماعة للوصول إليها , نكون إزاء طرح جذري بالضرورة , يتقاطع مع الطرح السلفي الجهادي في أهم مفاصله, لكن عندما يتعلق الأمر بمحاولة ترميم الواقع الراهن ومن ثم قبوله والانخراط فيه , نكون حتما إزاء طرح إصلاحي خالص , وشتان بين كلا الطرحين. بالنتيجة حدث تحول في فكر الجماعة يتعلق بقبولها بالواقع مشروطا بإصلاحه لا بتغييره , مما يعني قبولها بالمحصلة بفكرة الدولة المدنية , وتخليها مؤقتا – على الأقل- عن فكرة الدولة الدينية . وبالرجوع إلى اللائحة الداخلية لجماعة الإخوان , فان المادة (2) منها و الذي أقرته الجماعة في تاريخ 29/7/1982 ينص على أن:" الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة , تعمل لإقامة دين الله في الأرض , وتحقيق الإغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف." مما يبرهن على ما سبق طرحه.

ومع ملاحظة أن ذات النظام الأساسي المشار إليه يؤكد في مقدمته أن: " الإخوان المسلمين في كل مكان جماعة واحدة, تؤلف بينها الدعوة ويجمعها النظام الأساسي." يمكن الاشارة الى مقدمة "المشروع السياسي لسوريا المستقبل" الذي أقرته جماعة الأخوان السورية ومرشدها علي البيانوني عام 2004 م, تحت عنوان ( رؤية جماعة الأخوان المسلمين في سورية) والتي جاء فيها:
تقوم الدولة الحديثة، التي نتبناها وندعو إليها ، على جملة من المرتكزات ، نعتبرها الأساس الركين لبناء دولة قادرة على القيام بأعباء أي مشروع حضاري، أهمها أنها دولة ذات مرجعية تنبثق من هوية الأمة العربية الإسلامية وثوابتها، ثم هي ترتكز بعد ذلك على تعاقدية ومواطنية وتمثيلية وتعددية وتداولية ومؤسساتية وقانونية، وهذا يقتضينا أن نوضح رؤيتنا عن مكونات الدولة الحديثة وهي: الوطن، والإنسان، والمجتمع، والسلطة، والنظم، والمناهج، في دراسة مجملة تجمع بين التأصيل والتجديد."( مع التنويه أننا نناقش أفكار, مع التحفظ على ممارسات جماعة الإخوان السورية)

لذا , وبناءا على ما سبق , لا أظن أن من الدقة ولا يجوز إقحام جماعة الإخوان مع الجماعات السلفية الجهادية والتحرير الإسلامي في إطار واحد يسعى للعمل " لإقامة الدولة الإسلامية ". بل يمكن تلمس , وعلى ضوء الخطاب الحديث للجماعة, نقاط افتراق كثيرة مع الجماعات المذكورة , لا داعي لاستحضارها هاهنا (مع الإشارة فقط للنقد اللاذع الذي وجهه أيمن الظواهري لحماس لمشاركتها في الانتخابات في احدى طلاته المتلفزة). لنؤكد من ثم على استنتاج مفاده أن جماعة الإخوان المسلمين تسعى لأن تكون جزءا من بنية "الدولة" بصيغتها الراهنة وجزءا من نسيجها السياسي , بدليل المشاركة الواسعة لها في الانتخابات البرلمانية : حماس, حركة مجتمع السلم الجزائرية, الإخوان في الأردن , مصر, أخيرا وليس آخرا الحزب الإسلامي (...) في العراق..

أما فيما يتعلق بالتعريف الآخر الذي تناول القوميين : فعلى الرغم أنني أتفق مع أغلب مما جاء فيه باستثناء الملاحظة التي أبداها مدراء اللائحة بقولك أن :" مفكرين ماركسيين سيطروا على دفة قيادة التيار القومي .." بعدما دب الخلاف بين كلا التيارين , فهو قول غير دقيق. بل لمزيد من الدقة يمكن القول أن بعض من مفكري القومية العربية قد استفادوا من المنهجية الماركسية في كثير من تحليلاتهم لراهن الأمة , ولا يعني أنهم تمثلوها فكرا , ولا غرابة في ذلك أو انتقاص من قيمة الفكر.لا بل أضيف أن إحدى أكبر الإشكاليات التي حكمت العلاقة القومية-الإسلامية أيديولوجيا, تمثلت في تبنى القوميين نموذج الدولة العلمانية , مما جعل التيار الإسلامي في بداياته يناصب الطرح القومي المناهضة والعداء , ويتهمه بتبني "برنامج وافد ".

**
وفي سياق عرض الكاتب لجوانب الافتراق بين التيارين , يشير أنه وبعدما نجح الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر وآخرون منهم أعضاء في الإخوان المسلمين في الإطاحة بالحكم الملكي, يستطرد بالقول:" لكن سرعان ما دب الخلاف بين الإخوان و الناصريين, غير أن الناصريين و الذين كانوا يسيطرون على الجيش تمكنوا أخيراًَ من حسم الأمر دموياًَ لصالحهم بعد قيامهم بتوجيه ضربتين قاصمتين للإخوان عامي 1956م و 1964م مما أدى إلى تصفية وجود جماعة الإخوان كلياًَ من الشارع المصري"

لقد تجاهل الكاتب أن السبب الذي أجج العلاقة هو حادثة المنشية الشهيرة , التي لا أظنه لم يسمع عنها من قبل, والتي كان الأخوان هم المتهمون فيها بشكل مباشر. و بالتالي فقد أسقط من طرحه الظروف التي أحاطت بـ" الضربتين القاصمتين" ودفعت باتجاه تصعيد الخلاف. ومع ذلك لم يصفى الوجود الاخواني في مصر وان انحسر وتراجع تحت وقع صعود المد القومي الناصري في ذلك الوقت.

**
وددت من خلال ما عرضت آنفا, أن يعاد طرح قضايا لم تحسم بعد , بين كلا التيارين , أيديولوجيا وسياسيا, في مراجعة أمينة , لوقائع التاريخ , وخلفيات الممارسة السياسية.

------------



الأخ العزيز عبد الستار الكفيري

شكراًَ على تعقيبك و إسمحلي في هذا المقام أن اعبر عن إعجابي بكتاباتك و التي أحرص على متابعتها.
أما بخصوص إعتراضك على إدراجي للأخوان المسلمين في تعريف الإسلاميين و إستشهادك بتصريحات عاكف و البياتوني فإسمحلي أن اوضح التالي:
مع أني لا احب أن ألعب دور محامي الإخوان في هذا المقام حيث أني لست منهم و حيث أني احمل في جعبتي الكثير و الكثير من النقد لطريقة عملهم إلا أن الموضوعية تقتضي أن ارد على بعض ما أثرت من نقاط حول منهجهم.
حسن البنا أسس الإخوان المسلمين عام 1928م كرد على إعلان كمال أتاتورك إلغاء نظام الخلافة الإسلامية أي أن البنا أراد في حينها تكوين نظام خلافة جديد و هذا واضح و جلي في أدبيات حسن البنا (كتاب الرسائل مثلاًَ)
كذلك تجاهل الإخوان حدود سايكس بيكو منذ نشأتهم ففي حياة البنا تم تاسيس فرعي الإخوان في العراق و اليمن بل لقد أشرف البنا شخصياًَ على محاولة إنقلاب فاشلة قام بها إخوان اليمن في الثلاثينات ضد نظام الإمامية كذلك شارك الإخوان و بفاعلية في القتال في فلسطين بإرسالهم ألاف المتطوعيين إلى هناك عام 1948م و من هؤلاء المتطوعيين من عاد ليجد سجون فاروق مفتوحة له على مصراعيها و منهم من بقى في غزة و هؤلاء أسسوا اول شعبة للإخوان في غزة عام 1948م. ثم تتابع إفتتاح الفروع الإخوانية بعيد إغتيال البنا في الأردن و سوريا و الجزائر و تونس.
كذلك اليوم لجميع فروع الإخوان في الأقطار العربية و المهجر قيادة مركزية موحدة تسمى هيئة التنظيم العالمي و يرأسها حسب النظام الداخلي للإخوان (المرشد العام) في مصر و أعضائها هم (المراقبون العامون) في الأقطار المختلفة .
بإختصار وحدوية الإخوان يمثلها فكرهم و أدبياتهم و كذلك تنعكسًَ في بنيتهم التنظيمية و التي تشابه بل تطابق البنية التنظيمية العالمية للقاعدة و الجهاد و حزب التحرير الخ.
أما بشأن التصريحات التي أستشهدت بها لإثبات ان تحولاًَ طرأ على الإخوان ليكرس قطربتهم و تخليهم عن الإيدولوجية الإسلامية و وأنهم أصبحوا مجرد حركة إصلاحية فهي إستشهادات غير قاطعة و لا حاسمة لإثبات ذلك فإهتمام الإخوان بالإندماج في النسيج السياسي العام لدول تواجدهم لا يعني تخليهم عن الهدف الوحدوي النهائي و إنما (وهذه تؤخذ على الإخوان) هم يؤمنون بالمرحلية و التدرج (السيطرة على مجالس الطلبة ثم النقابات ثم البلديات ثم البرلمان ثم الحكومة ثم في النهاية إحداث التغيير الجذري) و كما قلت لست هنا لإدافع عن فكرهم و لكني و رغم عدم قناعتي بجدوى إستراتيجيتهم إلا أني لا استطيع إهمال أنهم تنظيم عربي موحد عابر و غير معتبر لحدود سايكس بيكو اللعينة.
ثم أني قد لمست في مداخلتك و (ربما اكون مخطئاًَ) أنك تعتبر أن الإيمان بالديمقراطية و إحترام التعددية يعني التخلي عن الأيديولوجية الدينية للتنظيم, و إسمحلي أن أخالفك هنا ايضاًَ فهذا يحسب للإخوان و ليس عليهم فهم عندما يتحدثون عن الديمقراطية إنما يعنون مشروعية التعددية الفكرية و التناوب على السلطة و ليس الديمقراطية الرأسمالية كنظام إجتماعي غربي و بهذا فهم لا يخرجون عن مبادئ الإسلام
اما بالنسبة للصراع الإخواني الناصري فقد تعمدت ان لا ادخل في تفاصيله حتى لا احيد عن جوهر المقال و انت تعلم أن الأخوان ينكرون إلى اليوم أي دور لهم في حادثة المنشية و يعتبرونها مسرحية فبركت لإخراجهم من اللعبة السياسية و ذريعة للبطش بهم. على أني لست حكماًَ بين الفريقين هنا و ليس من إهتماماتي ان أقف مع فريق دون اّخر و لهذا أشرت فقط إلى انه كان هناك صراع و قد حسمه الناصريون لصالحهم.
أما بشأن الماركسية فسواء كانت القيادات القومية من المؤمنين بها أو المتأثرين أو المتحوليين إليها لاحقاًَ إلا ان هذا لم يكن موضوع مقالي و كل ما قلت ان الإسلاميين نظروا للقوميين بإعتبارهم مرتبطين بالماركسية بشكل أو باّخر و لهذا عادوهم كذلك نظر القوميون للإسلاميين بإعتبارهم دينيين يمينيين و لهذا ناصبوهم العداء و هذا ما اردت التنويه أليه.

ودمتم

أخوكم

محمد رياض

ليست هناك تعليقات: