الخميس، أيلول ٠٦، ٢٠٠٧

إلى الرفاق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رداً على الانتقادات الموجهة إلى مقالة: "لماذا تقترب الجبهة الشعبية من التيار الليكودي في الساحة الفلسطينية؟

د. إبراهيم علوش


الرفاق الأعزاء في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

تحية ثورية وبعد،

لقد قرأت الردود المنشورة على موقعكم على الإنترنت على مقالتي المعنونة "بذكرى استشهاد أبو علي مصطفى: لماذا تقترب الجبهة الشعبية من التيار الليكودي في الساحة الفلسطينية؟"، ويشرف تلك المقالة أن تحظى ولو بلحظة تأمل من الرفاق الأعزاء في الجبهة، خاصةً أنها كتبت بدافع الحرص على الجبهة وسلامة موقفها السياسي، بعيداً عن لغة المزايدة والتجريح، واعتماداً بالأساس على ما جاء في بيانات الجبهة الرسمية وتصريحات قياداتها. ولا شك أن تقبلكم للنقد بصدر رحب وروح بناءة من دلائل حيوية الجبهة وقابليتها للارتقاء مع مرور الزمن.

وحيث أن الرد الرسمي على المقالة، الموقع باسم موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالإضافة إلى رد الرفيق د. رباح مهنا، وهما ردان رصينان يستحق من كتبهما الاحترام، ينطلقان من أن مقالتي تناولت بيانات الجبهة وتصريحات قياداتها بشكل انتقائي بعيدٍ عن الموضوعية ومبنيٍ على أساس فكرة مسبقة، فسأقتصر في جوابي فقط على الرد على تهمة ممارسة الانتقائية في اقتطاف المواد المنشورة على موقعكم الكريم، ولن أتناول غير تلك التهمة كي لا تضيع تلك النقطة المركزية، ولن أرد على رد ثالث منشور على موقعكم يفتقد حتى ل"قليل من الكياسة"، وأطالب عملاً بحق الرد بنشر جوابي هذا بنفس المكان الذي نشرت فيه الردود على مقالتي، وأثق أنكم لن تألوا جهداً في التحلي بنفس سعة الأفق التي ميزت تعاملكم مع النقد الأخوي حتى الآن، وفي سعيكم للحوار البناء.

الرفاق الأعزاء، مع كامل الاحترام والمودة، اعتقد أنكم أنتم من يستشهد ببياناتكم بشكل انتقائي. فلو راجعتم مقالتي هنيهة، لوجدتم أني لم أقل على الإطلاق مثلاً أنكم رحبتم بما قامت به حماس، ثم تراجعتم عن ذلك. فمن الواضح أنكم عارضتم منذ البداية ما قامت به حماس وطالبتموها بالتراجع عنه، وهذا واضح تماماً. ماشي؟

السؤال الآن: متى بالضبط بدأ الموقف الرسمي للجبهة الشعبية يتحول إلى موقف المصر على تراجع حماس عما قامت به كشرط مسبق للحوار مع السلطة؟ هذا هو السؤال. نعم، لقد استشهدتم ببيانات لكم تطالب حماس بالتراجع عن نتائج الحسم العسكري في غزة، ولكنكم لم تجعلوا من ذلك وقتها شرطاً مسبقاً للمصالحة كما تفعل سلطة عباس بالضبط إلا لاحقاً، وهنا بيت القصيد. فالمرء كان يقرأ تلك البيانات والتصريحات الأولى باعتبار مطالبة حماس بالتراجع عما قامت به جزءاً لا يتجزأ من المصالحة التي تفرض شروطاً متوازية على سلطة عباس والأجهزة الأمنية المرتبطة علناً بالطرف الأمريكي الصهيوني، أما لاحقاً، وفقط لاحقاً، خاصة بعيد الإفراج عن عبد الرحيم ملوح، فإن خطاب الجبهة أصبح متماهياً مع خطاب السلطة الفلسطينية الذي يجعل تراجع حماس عما قامت به شرطاً لمجرد الحوار، فهنا لا تعود الشروط متوازية، ولا يعود موقف الجبهة متوازناً... وهذا بالنسبة للتحول في الخطاب الرسمي للجبهة مع مرور الزمن.

من ناحية أخرى، بالنسبة للفروق بين المتحدثين الرسميين، فليسمح لي الرفاق الأعزاء، ولكن لا يحتاج المرء لأن يكون خبيراً في تحليل النصوص ليرى البون الشاسع مثلاً ما بين خطاب عبد الرحيم ملوح السلطوي قلباً وقالباً في تركيزه على ما هو مطلوب من حماس أولاً وأساساً، والمعادي لها بصراحة، والمتبني علناً لنهج التسوية، وخطاب أحمد السعدات الذي يركز على رفض الأجندات الخارجية في الساحة الفلسطينية وعلى الإدانة المتوازنة للطرفين والحريص على استمرار المقاومة.

للعلم والخبر فقط، من وجهة نظري كمواطن عادي فحسب، انتقدت حماس بقسوة حينما انجرفت في ما يسمى العملية السياسية في ظل الاحتلال، وحينما دخلت السلطة، وقدمت التنازلات للتفاهم مع قيادة سلطة أوسلو، وأيدتها بقوة حينما حسمت العلاقة مع المرتبطين بالطرف الأمريكي-الصهيوني عسكرياً في غزة، وسأعود لنقدها لو تراجعت أو عادت لما يفقدها روحها كقوة مقاومة، أو تفاهمت مع سلطة عباس أو قبلت بشروط الرباعية كلها أو بعضها. ولكن لا أرى أن من العدل أن نضع قوة مقاومة مثل حماس في نفس الكفة مع قوة مرتبطة بالطرف الأمريكي-الصهيوني، ولا أرى أن التفاهم بين قوة مقاومة وقوة مرتبطة بالطرف الأمريكي-الصهيوني ممكن أصلاً إلا إذا خسرت قوة المقاومة هويتها وبرنامجها.

أما ما يفقد المقاومة هويتها وبرنامجها فهو تخفيض سقف مشروعها إلى ما يشبه "وثيقة الاستقلال" التي تمثل عملياً وثيقة اعتراف بالكيان الصهيوني عبر بوابة "الشرعية الدولية"، أو "اتفاق مكة" أو "وثيقة الأسرى" التي تفعل الشيء نفسه عبر بوابة "الشرعية العربية والدولية"! وتفعل الجبهة خيراً لو راجعت موقفها من كل فكرة التسوية مع العدو الصهيوني بعد أن ثبت بشكل كامل عقم ذلك التوجه على الصعيدين العربي والفلسطيني على مدى عقود الآن، وما دمنا نتفق بأن المراجعة أمرٌ حميد "إذا أعطت الحياة والتجربة الملموسة ما يستوجب التطوير والتغيير" كما أشرتم مشكورين!

وفي النهاية، يبقى الشرفاء المقاومون القابضون على جمر الثوابت داخل الفصائل وخارجها، في قواعد فتح وحماس والشعبية والجهاد وغيرها من الفصائل، وبين المستقلين، الممثل الشرعي الوحيد للشعب العربي الفلسطيني وقضيته الوطنية.

مع التحية

أخوكم إبراهيم علوش

ليست هناك تعليقات: