الأحد، أيلول ٣٠، ٢٠٠٧

أبو غريب

منصور الطورة

زمان ، قبل امبراطورية اللصوص هده ، كان في العراق شعوبا ومدن ، وقد كانت تلك، أعظم الشعوب وأجمل المدن وكان العراق للحب والثقافة والعدل والعلم مركزا .....وكانت الانهار فيه تحمل على صفحة مائها أوراق الشجر خريفا ، وفي الربيع تحمل الورد اذ يتساقط من بساتين الأقحوان ....

وزمان ايضا ، كانت هذه الارض أرضا واحدة ....والأمة أمة واحدة ، وكانت السعادة يمانية ، والشعر حجازيا ، وفي الشام........ المراة والحب والالهام ، وأيضا....... كانت بلاد العراق أرضا للسلام والتنوير....ووقتها لم يكن يخطر بالبال ما قد كان وما كان ليقال أن العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان الا من باب الرغبة في بلوغ الأسطورة والرغبة في اكتمال الكمال...

أردت أن أقول ما قد قلت لا رغبة مني في استخدام المفردات ، فأنا لا أكتب رغبة في الكتابة فقط ، وأني لا انظر للكتابة على انها هدف لي بحد داتها , انما أكتب ايمانا بتأثيرها فالكلمة الحرة قد تغدو سلاحا حينا وقد تكون زلازل أحيانا..!.

انني أكتب رفضا للهزيمة......ورفضا لهده الحياة الرتيبة........وانني أكتب استنكارا لكل ما هو تقليدي ، أكتب رفضا لحياة نتعاطاه انتظارا للراتب التقاعدي والتأمين الصحي...........استنكارا لدور المتفرجين ، للنشاط حين نقول وللشلل وقت الفعل ،واستنكارا لكل الديدان التي تنبت من عود الأمة ،استنكارا للمزور من الثقافة والكاذب من الصفات والملون ،من وجوه ، بالعهر والعمالة وخيانة الله والناس.

حين أعد سلبيات أمتنا في هذا الزمن ، أصل للألف العاشر بعد المليون ، قبل أن أنام وقد أعياني التعداد ،وحين اصحو ، أردد بعجب، ما أكبرنا من قطيع ..! وما أكبر صبرنا في انتظار دورنا ، نحو المقصلة...!

وأنني،و في هدا الزمن الدي تمتلئ ايامه بخيبات الأمل والهزائم .. و حتى بعيدا عن المشاعر القوميه والاسلاميه ،فقط لأنك انسان، يؤلمك مقتل الضحايا وقت الافطار، الأمهات في انتظار حصتهن اليومية من الموت ، جوعى على الطريق وعطشى ، لا بالرصاص يموتون ، انما بالكوليرا ، . ، نسر ينظر طفلا جائعا يحتضر وينتظر موته لالتهامه.، عاطلون عن العمل فقراء ، يبعون أجزائهم ،..أنظمة تنام قريرة العين باستغلال شعوبها وقهرهم واذلالهم وتجويعهم ، لا لله مطمئنة ، ولا للجيوش المجحفلة ، وانما لأمريكا ، المرابية المستبدة المخادعة....وقلب الانسان ، يتفطر...ولا يكاد يحتمل ما يرى.......! ،وأنا..... وفي آخر الليل حين آوي الى سريري.... أنفث الدخان عبر شراييني وأستنشقه من خلال عيوني ، وأنظر للسماء متسائلا : أن يا الله ، يا عالما بحالنا ، كم من محمد وعيسى يلزمنا كي تتعدل، ولو عبر نزر قليل أحوالنا....

وتبقى المرارة غصة في الحلق ودمعة في العين وسكينا موجعا في هدا الجوف

ولكن.......ان الألم الكبير يبقى في سجن أبو غريب........



يا ظلام السجن خيم ، أننا نهوى الظلاما..

هدا كان ،...حين كان السجان.... نبيلا، لكنه ومن فرط لؤمئه ما عدنا نهوى الظلاما.

وها أنذا ، قد قررت أن أكتب هدا الاسم المشؤوم على سريري وخزانتي ،وأحذيتي وطرقاتي ،وأن أكتبه على الجدران والأسطح و الأقمار والسماء وأكتبه على كل خلية في داخلي ، هل تدرون لمادا .....؟...... كي لا أنسى الجريمة يوما ، وكي لا تبرد باتجاه هؤلاء اللصوص نيران أحقادي!

وها اندا، أيضا. وكلما اخدتني الحياة عن ذاتي ، وكلما ازددت اقترابا من لقمة عيشي وبهائميتي وتوافه أحلامي ،...وحتى،.... وان حينا ، تنسيني فتيات روتانا تلك الحسرة التي تجنيها الهزائم ، وأرى الرئيس الحالي والوزير الحالي والعميل الحالي ، حين أراهم جميعا يستقبلون فوق السجاد الأحمر في غير عاصمه ، ووسط كل هذا العهر والكذب والمهزله،أقف صارخا في وجهي وأعنت هدا الذي هو أنا. وأوبخه وأطلب اليه أن يسترجعني أنا كما أنا. حالما ، رافضا ، انسانا...و ثائرا ، وعلى الظلم متمردا.. فأهرع الى أخبار العراق ، فسؤالي عن العراق ، هو سؤالي عن ذاتي... وعلى مرارة القهوة المره ،وكأنما العلقم ، بات ريقي ، مذ أريق دم العراق،أشاهد غير مصدق ، أتابع ما يحدث ، أتفاعل ، أغضب ، أبكي ، ثم أميز العميل من المقاوم ، فأبدأ أشتم وأهدد ، ثم وثم ...الا أني في لحظه ، أبدو كغافيا يستيقظ ...أحقيقي أن العراق محتل ونحن صامتون هكذا؟

في داخلي شيئ من العروبة والاسلام يمنعني من القدرة على تصديق أن العراق تحت الاحتلال ، وأن معظم الانظمة العربية متحالفة مع الغزاة...

غير قادر أنا على هضم هذه المعلومة....

يا عارنا...كم انت كبير....

وأنا ، مثل أب ،لا زال من أربع سنين ينتظر عند الباب عودة ابنة ، ويستعد من صباحه ،يحلق ذقنة ، يشعل الراديو ويبدأ بغلي القهوة ، وينتظر دون كلل ، يسأل كل الذاهبين والعائدين ،ويربط كل أحداثه بعودة ابنة، حتى القيامة لا يعتقدها الا بعد عودته ،وهو غارق في وهمه ،أو أنه يتحايل على مصيبتة ، أو أنه يقاوم ، أو لربما جن وفقد عقلة الا أن ما يميزة أنه ينظرلكل الاتجاهات بحثا عن فؤاده ، الا جهة المقبرة...

أما أنتم فتحدثوا كما شئتم ، أما أنا ، فعراقي لم يمت...

أتصفح حول ما جرى في دلك المعتقل الموحش، تعود الي الآمال بأن اهلنا هناك لن يرضوا بهده المهانه ، حتى ومن هو الآن أقرب للشيطان منه للعراق ، ومن هم في المقاومة أو في المهجر أو في أزمة العيش ،هؤلاء جميعا أبناء العراق العظيم ، لا بد وأن ينتصروا. فالويل كل الويل لمن تجرأ ودخل عرين الأسود فما بالك بمن يحاول اذلال هؤلاء الأسود!؟....

.ليس العراق هو الذي في السجن الآن....وانما ، كل الأنبياء .. وكل الأديان ، وآلاف السنين من مسيرة الانسانيه..وفي السجن ،كفاح الأمهات عبر العصور ودعوات القديسيين ، وكل ماقد أريق من أجل الحرية ، من دم ، وما قد نظم من شعر ، و في السجن الآن ،حضارة هذا العصر ، علماؤه وأدباؤه ، فلسفته وفنه واختراعاته....حتى أحكام الله ، وكلماته...

mansortawara(a)hotmail.com


ليست هناك تعليقات: