الاثنين، أيلول ١٧، ٢٠٠٧

فيلم "بورات": كوميديا لاذعة محابية لليهود

د. إبراهيم علوش

من خلف استرخاء الضحك، تنسل إليك الرسالة اليهودية لفيلم "بورات" كالأفعى السامة. وإذ تضحك ملء فيك، تدخل عبر لا وعيك رسالة جوهرية بأن كل من لا يحب اليهود، من الشعوب أو الأفراد، أقل من بشر، أو كتلة من الحقارة والغباء والجهل وضيق الأفق. فهو بالأساس فيلم يتهكم على الشعب الأمريكي العادي في الأرياف والمدن الصغرى، وعلى المسلمين، وعلى شعوب أسيا الوسطى (السوفياتية سابقاً)، ولذلك منع عرض الفيلم في كل الدول العربية ما عدا لبنان، ومارست الحكومة الروسية والكازاخستانية ضغوطاً ناجحة على شركات توزيع الأفلام لعدم عرضه دون منعه رسمياً.

فيلم "بورات" من إنتاج شركة تونيث سنتشري فوكس Twentieth Century Fox لصاحبها الصهيوني النزعة، اليهودي الأم، روبرت ميردوخ. وهو من إخراج الممثل لاري تشارلز (ساينفلد). وقد كلف فيلم "بورات" 18 (ثمانية عشر) مليون دولار، وعاد على منتجيه بحوالي 260 (مئتين وستين) مليون دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى لإطلاقه رسمياً، أي منذ أوائل تشرين ثاني / نوفمبر 2006 حتى آذار / مارس 2007، نصفها في الولايات المتحدة، ونصفها خارجها. وعندما أطلق في سوق استئجار أفلام الفيديو في بدايات شهر آذار / مارس 2007، حصد في الولايات المتحدة وحدها حوالي 48 (ثماني وأربعين) مليون دولار أخرى.

وبالرغم من أن الفيلم معادي لشعوب الأرض وموالي لليهود، فإن سر نجاحه يقوم على عنصرين: حبكته الوثائقية وصياغته غير التقليدية من جهة، ومهارة وفطنة الممثل الرئيسي فيه ساشا بارون كوهين من جهة أخرى. وساشا بارون كوهين يهودي "إسرائيلي" مولود في فلسطين المحتلة يحمل الجنسية البريطانية أيضاً. ويشار إلى أنه كان يتحدث العبرية في عدة مقاطع في الفيلم حيث يعتقد الجمهور أنه يتحدث اللغة الكازاخستانية.

وتدور قصة الفيلم حول إعلامي كازاخستاني ناجح هو "بورات" (ساشا بارون كوهين) ترسله حكومته مع مخرج من بلده إلى "أعظم بلد في العالم" (كما يلقب الأمريكيون بلدهم) ليصور فيلماً وثائقياً هناك ليتعرف ويتعلم الكازاخستانيون من خلاله على أمريكا.

ويبدأ الفيلم في بلدة "بورات" المتخلفة في كازاخستان، وقد تم تصوير مشاهدها في بلدة غجرية في رومانيا، حيث يغطي كصحفي تلفزيوني حفل هام يقام سنوياً هناك لمطاردة اليهود. وبعدما يصل "بورات" والمخرج من كازاخستان إلى نيويورك وهو يحمل في حقيبته دجاجة حية، يشاهد في الفندق حلقة من مسلسل "باي واتش" Bay Watch التلفزيوني فيقع فوراً في حب الممثلة الرئيسية فيه باميلا أندرسون ويقرر الذهاب إلى كاليفورنيا، بعدما يكتشف أنها تقيم هناك، ليتزوجها ويعود بها إلى كازاخستان. ولكنه يقرر أن لا يستخدم الطائرة للسفر من أقصى شمال شرق الولايات المتحدة في نيويورك إلى أقصى جنوب الغرب في كاليفورنيا خوفاً من أن "يكرر اليهود ما فعلوه في 11 سبتمبر"!!!

وينتهي الأمر ببورات للسفر بعربة بيع مثلجات عبر الولايات المتحدة، أي عبر ثلاث مناطق زمنية، وصولاً إلى كاليفورنيا، ليتعرف على أمريكا خارج المدن الكبرى، وخلال ذلك تقع أحداث الفيلم المضحكة إلى حد سوريالي، التي يظهر فيها المواطن الأمريكي البسيط، خاصة من الكتل المعروف أنها أكثر عداء لليهود في المجتمع الأمريكي، كمهزلة حقيقية.

وقد ذكرت صحيفة "العرب اليوم" في 29/8/2007 تحت بند "كواليس" بأن "إسرائيليين" قدموا إلى الأردن وعاينوا أماكن مختلفة لتصوير الأفلام، ثم عقدوا لقاءً مع "الهيئة الملكية للأفلام" ليطلبوا إذناً بتصوير الأفلام في ربوع الأردن. ومن هنا قد يستفيد صناع القرار الرسمي العربي على هذا الصعيد بما جرى في حالة فيلم "بورات".

وذلك أن فيلم "بورات" لا يضم إلا أربعة من الممثلين (أحدهم، وهي الممثلة باميلا أندرسون، ظهرت بصفتها الحقيقية) مع أن مئات الأشخاص يظهرون فيه، من تلك البلدة الصغيرة في رومانيا التي يفترض أنها بلدة كازاخستانية، إلى الأرياف والبلدات الأمريكية التي يسافر عبرها "بورات". والسبب هو أن الفيلم شبه وثائقي، باستثناء أن ساشا بارون كوهين، أي "بورات"، في استعراض لمهارات اليهود التاريخية في التلاعب بالآخرين، كان يخدع الناس العاديين لكي يتم تصوير مقاطع الفيلم دون علمهم، عندما يدعونه إلى العشاء مثلاً، أو إلى كنيسة، أو عندما يقلونه من الشارع معتقدين أنه سائح أجنبي "مقطوع"، أو عندما يذهب ليشتري سيارة من معرض.

وكان الناس، خلال كل ذلك، يسايرون "بورات" فيما يذهب إليه من آراء معتقدين أنه لا يفهم اللغة والثقافة الأمريكية جيداً، بينما يحاول هو أن يستدرجهم ليستفزهم ليتحامقوا أو ليوافقوا على آرائه المعادية للأقليات والمتهكمة على المرأة والسود والغجر والمسلمين وغيرهم، وبالأساس على اليهود طبعاً، متظاهراً كل الوقت بأنه "يسوق الهبل"!

ومهارة ساشا بارون كوهين تتمثل بالطبع بأن فيلماً كهذا لا يكون له نص مكتوب، ولا تمكن إعادة تصوير اللقطات فيه، ويمكن أن تذهب فيه الأحداث بأي اتجاه، وبالتالي يعتمد الفيلم كلياً عملياً على قدرة كوهين على التلاعب بالناس ليوصلهم إلى النقطة التي يريد، وهذه ليست مهارة تمثيل، بل مهارة تلاعب بالآخرين، وهي مهارة يهودية بامتياز... أنتجتها ثقافة الغيتو على مدى قرون.

ولا نتحدث هنا عن شيء بريء هدفه الضحك للضحك كبرنامج الكاميرا الخفية مثلاً، بل عن خبث حقيقي في اصطياد الناس العاديين من فئات اجتماعية محددة، ووضعهم في ظروف محددة، ليقولوا ويفعلوا أشياء تظهرهم كأغبياء أو كعدوانيين أو كمتخلفين، ضمن أجندة سياسية محددة هي أجندة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة.

واليهود لا يستفيدون كثيراً عندما يهاجمون جماعة ما بأنها تكره اليهود فحسب، ولذلك يلعبون ورقة الأقليات بجدارة، ويتبنون برنامج مكافحة العنصرية والتمييز الجنسوي بالكامل، ليجعلوا من مكافحة "مناهضة السامية" النقطة الرئيسية على جدول أعماله. ولهذا ترى اليهودي "الإسرائيلي" ساشا بارون كوهين يلعب دور شخص مناهض لليهود ليظهر، من خلال شخصيته الهزلية، كم هو تافه ومتخلف وبلا شرف، وليدفع شخصيات حقيقية، مئات منها، لمسايرته بنفس الاتجاه لإبراز العنصرية، وبالتالي "مناهضة السامية"، كمشكلة حقيقية في قلب أمريكا (أي الأرياف والمدن الأمريكية الصغيرة)، وعلى صعيد عالمي.

وقد تم إرضاء عدد من تلك الشخصيات الحقيقية التي ظهرت بالفيلم بطريقة أو بأخرى. ولكن عدداً كبيراً منها رفع قضايا في المحاكم وطالب بتعويضات عطل وضرر، كما أن بعضها فرض بالقانون على مخرجي الفيلم أن لا يعرضوا الجزء المتعلق بهم في الفيلم. وظهر عدد من المقالات الصحفية والتقارير الممتعضة من اقتناص الناس بهذه الطريقة الخبيثة، بينهم مسئولون أمريكيون محليون، بهذه الطريقة الخبيثة، وعرض ما ظن أشخاص حقيقيون بأنهم قالوه لسائحٍ تائه لا يفهم اللغة الإنكليزية جيداً – بينما يكسر اللغة الإنكليزية بشكل مدروس - في فيلم يشاهده عشرات الملايين حول العالم!

ويقول أحد التقارير أن القرية الرومانية الغجرية حيث يسرح الدجاج والمجاري في الشوارع، التي تم عرضها في الفيلم كبلدة "كوسك" موطن "بورات" الأصلي في كازاخستان، لم يتلقَ فيها أي من السكان الذين ظهروا في الفيلم أكثر من دولار واحد لكل منهم، ولكن مخرجي "بورات" أصروا بأنهم دفعوا ما بين سبعين ومئة دولار مقابل كل فرد ظهر في الفيلم... مئة دولار للفرد، لتشويه بلدٍ بأكمله!

وقد أنفقت حكومة كازاخستان ملايين الدولارات على حملة إعلامية في الغرب هدفها إزالة التشويه الذي لحق بها من جراء فيلم "بورات"، منها إعلان مدفوع على أربع صفحات في جريدة النيويورك تايمز، مع العلم أن الفيلم تم إطلاقه رسمياً يوم وصول رئيس كازاخستان نور سلطان نزرباييف لزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة.

أما عن سر اختيار كازاخستان كمحور للتهكم، فربما يكمن السبب بأنها دولة نفطية، أكثر من نصف سكانها بقليل من المسلمين، وأكثر من أربعين بالمئة منهم من الروس... والأهم، بعد تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون، وهو حلف يضم روسيا والصين وعدد من الدول الواقعة بينهما مثل كازاخستان، إن كازاخستان أصبحت نقطة الوسط الجغرافي للمحور العالمي الجديد المناهض للولايات المتحدة. ولهذا ضغطت حكومة روسيا لمحاصرة الفيلم... فالرسالة لم تضع عليها.

أخيراً، خلال مشاركة ممثلة الإغراء باميلا أندرسون في فيلم "بورات"، دبت خلافات بينها وبين زوجها وصلت للطلاق، مع أن الممثلة تقول أن ملاحظات زوجها السلبية والعلنية على مشاركتها بالفيلم لم تكن سبب الطلاق!

"بورات" فيلم مضحك إلى حد الهرطقة، ولكن النكتة فيه على من يعادي اليهود، وقد استدعى الناس العاديون الأجهزة الأمنية الأمريكية 91 مرة خلال تصوير الفيلم، وأفلت ساشا بارون كوهين مرتين من اعتقال مؤكد، كما يتباهى، ومثل هذا لا يتعلمه الناس بالتأكيد في مدرسة الفنون الجميلة أو كلية التمثيل

ليست هناك تعليقات: