السبت، أيلول ٢٢، ٢٠٠٧

كان زمان منذ مائة عام و قبل ظهور دجلستان

بقلم محمد رياض

حدثني جدي متعوس عن أبيه أنه قبل مائة عام و نيف لم تكن هناك معابر و لا بوابات في بلاد العرب و إنما كان هناك الكثير من أبار المياه على طول طرق التجارة و السفر في هذا الأقليم الشاسع المساحة ثم تابع قائلاًَ, في ذلك الزمان كان السفر ممتعاًَ جداًَ فتلك البغال النشيطة المستخدمة في حينها و التي كانت تعمل على محركات برسيم واحد كانت قادرة على نقل المسافر من دمشق إلى القاهرة في أربعة أسابيع ممتعة يتوقف خلالها المسافر في عشرات المدن و القرى فيأكل مع أهلها مما يأكلون و يشرب معهم مما يشربون و يبيعهم مما يحمل و هم منه كذلك يشترون و الأهم من ذلك كله و الاكثر إثارة أن أياًَ من تلك البغال لم يكن بحاجة إلى تغير لوحة قيادتة حين يصل إلى القاهرة فلم يكن هناك فرق حينها بين بغال الحلمية و بغال الصالحية. أما في هذه الأيام فالمسافات اطول و السفر نكد في نكد حتى ان فلان روى لي عن فلان ان مسير قافلة من سبعة ألاف أنسان كانت تقصد غزة هاشم من مدينة العريش إستغرق قرابة الشهرين و لماذا العجب فقد قرأت في كتاب مصائب العرب في زمان العطب أن أبا يعرب بن قحطان كان قد أخرج من القدس إلى عمان قبل ستين من الاعوام و انه يحاول مذ حينها ان يقفل راجعاًَ في ركاب قافلة تسمى العودة و لما يصل بعد.
إستشكل علي الأمر, فكيف يمكن للمسافات ان تطول إلى هذه الدرجة, وهل للأمر علاقة بإستبدال العربان للبغال البرسيمية بالمركبات الحديدية و لكن ما الفرق! فالبغال تتغذى على برسيم العرب و المركبات تسير ببترولهم. و لهذا و بما انني مواطن حر من دولة دجلستان الحديثة النشأة نسبياًَ في عمر الزمان قررت ان أزور جارنا ابو العريف, و أبو العريف هذا رجل طاعن بالسن جداًَ جداًَ و قد و لد قبل ولادة دولتنا دجلستان بعقود لدرجة أن بعض الرفاق قد حلف لي أن وجوده هو احدى الدلائل القوية لأثبات صحة نظرية الأزلية, وكان بعض اّخر من هؤلاء الرفاق يتعمد التلصلص على أبو العريف حين يهم بقضاء حاجته لعل أعينهم تقع على دليل مادي يدعم نظرية داروين. المهم ذهبت إلى أبو العريف هذا لعلي أجد عنده جواباًَ لمعضلتي التي حيرتني. و لكن ما هذا ! فباب أبي العريف مغلق بالشمع الأحمر و عليه يافتة تقول: أمر الرئيس عباس المحتاس بإغلاق دار أبي العريف في إطار حملته الوطنية لتنقية المناهج الدراسية من جميع بواعث التعصب و الكراهية ضد بوابات وطننا الغالي دجلستان العظيمة الشاهقة و الدالة بعظمتها و علوها أن دجلستان اولاًَ و اخيراًَ و في المنتصف ايضاًَ و أنه لا يعلو صوت فوق صوت دجل ستان الرسمي الحكومي الوطني الشريف.
المهم لم اصدق ابداًَ أن أبا العريف يشكل خطراًَ على أمن دجلستان القومي, فهو أي أبو العريف و ليس الامن القومي صديق حميم لجدي متعوس الذي يصغره سناًَ و بما ان جدي متعوس لا يملك من المؤهلات اللازمة ما يكفي لأن يشكل خطراًَ على أمن جدتي (مهرية) الشخصي, فصديقه أبو العريف كذلك لا يمكن ان يشكل خطراًَ على أمن دجلستان لسببين وجيهين أولهما أن أبو العريف يكبر جدي سناًَ و بالتالي فهو أضعف منه قوة و بما انه لم تبق عند جدي أية قوى فاعلة تذكر فمن باب أولى ان أبو العريف مهترئ تماماًَ, و ثانيهما أن الطيور على أشكالها تقع فلو كان في أبي العريف بقية من خير لما صاحب جدي متعوس.
و لهذا كله قررت أن أتحدى قرار رئيسنا المحتاس و ان أقفز من شباك الدار لألتقي بأبي العريف لعلي أجد عنده ما يشفي غليلي. و بعد القفز و النطنطة تمكنت من الدخول و في طريقي إلى الوصول إلى غرفة نوم أبو العريف مررت ببيت الخلاء لألمح صورة رئيسنا عباس المحتاس و قد إلقيت في مرحاض أبي العريف المقرف جداًَ لدرجة النتانة, ثم مررت بالمطبخ لأجد علم بلدي دجلستان و قد حوله أبو العريف إلى كيس قمامة كبير ممتلئ بتشكيلة هائلة من شتى أنواع الزبالة البلدية ثم وصلت أخيراًَ إلى غرفة أبي العريف وكان متمدداًَ على سريره و قد شارفت روحه على الخروج إلى باريها و قد إبتسم لرؤيتي و كيف لا و قد كنت انا من اقدم له قهوته المرة المفضلة حين كان ياتي جدي زائراًَ....ناديته ابو العريف قبل ان ترحل عن دجلستان إلى حياة الجنان هلا اجبت عن معضلتي و التي اثارت جنوني و اسهرت جفوني....لماذا كان الناس أيام زمان يقطعون كل البلدان على البغال بسرعة خيالية و اليوم و بفضل المركبات الحديدية أضحت أسفارهم جحيمية؟....توسعت إبتسامة أبي العريف و قال أي بني, كنا قبل تأسيس دجلستان نركب البغال و نضربها فتسير بنا إلى حيث شئنا و لكن بعد ان دار بنا الزمان وجار و بعد تكوين دجلستنان أصبحت تلك البغال تركبنا و قد إنتقت من بينها ثلاتة و عشرين بغلاًَ ليحكموا ثلاثاًَ و عشرين ستان.

و مات ابو العريف...و عرفت أنا السر.

ليست هناك تعليقات: