الثلاثاء، تشرين الأول ١٦، ٢٠٠٧

القيادات الكردية في العراق تلعب بالنار

د. إبراهيم علوش

بعد إعلان القيادات الكردية في شمال العراق، من بين كل الكتل السياسية العراقية المتعاونة مع الاحتلال، عن تأييدها لقرار مجلس الشيوخ الأمريكي بتقسيم لعراق، باتت هذه الوقاحة منقطعة النظير، وهذا الاستهتار الفج بمشاعر العراقيين وهم يرون العراق يقطع تقطيعاً أمام أنظارهم، بحاجة لوقفةٍ باردة مع دور القيادات الكردية في شمال العراق خلال السنوات الأخيرة.

فقد تعاونت تلك القيادات مع الاحتلال الأمريكي لتدمير العراق واحتلاله، وسهلت الاختراق الصهيوني والإيراني لشمال العراق، وسعت جاهدة مع بعض الكتل المحسوبة على إيران لشطب هوية العراق العربية من دستور العراق تحت الاحتلال ولتكريس الفيدرالية في ذلك الدستور كمقدمة لتفكيك العراق.

كما أنها أصرت على زرع المادة رقم 140 في دستور العراق المحتل، القاضية بإجراء استفتاء في منطقة كركوك الغنية بالنفط لضمها لكردستان، وقامت بعدها بحملة لتصفية وتهجير العناصر العربية والتركمانية من كركوك في محاولة لتكريدها تمهيداً للاستفتاء، مع العلم أن كركوك تشكل امتداداً لسهل صلاح الدين، كما قال رئيس التيار الوطني العراقي آية الله حسن المؤيد، وليست جبلية مثل منطقة الشمال، كما أن إحصاء 1957 "أكد بوضوح أن العرب والتركمان يشكلون الغالبية في المدينة وأنهم كانوا آنذاك ثلثي سكان كركوك، ناهيك عن أن المدينة لم تكن أيضاً جزءاً من شمال العراق أبان الحكم العثماني للعراق" (العرب اليوم 6/10/2007).

وبعد سيطرة القيادات الكردية المتواطئة مع الطرف الأمريكي-الصهيوني على رئاسة العراق ووزارة الخارجية في ظل الاحتلال، استغلت هذين الموقعين السياديين لتأزيم العلاقات مع الدول العربية والتهجم عليها، بالأخص على سوريا، زاعمة أنها تعيق استقرار العراق، كما استغلتهما لمنح الأكراد في الدول المجاورة للعراق جوازات عراقية، بينما يتم تعقيد هذه الإجراءات بالنسبة للعراقيين العرب، حسب مقالة تحليلية شاملة بعنوان "لماذا تأخر إعلان انفصال الأكراد عن العراق؟"، بقلم طلال بركات، كانت قد نشرت على أكثر من موقع على الإنترنت قبل قرار مجلس الشيوخ الأمريكي بعشرة أيام فقط.

وتحتوي هذه المقالة تفاصيل كثيرة عن المدى الذي وصل إليه التعاون ما بين العدو الصهيوني والقيادات الكردية، خاصة عن تواجد الشركات "الإسرائيلية" في شمال العراق، واستخدام الشمال كنقطة إعادة تصدير للمنتجات الصهيونية لباقي العراق بعد تغيير علامتها التجارية، وعن تكاثر الشركات الصهيونية الصناعية والتجارية والاستشارية والاستثمارية، ومراكز البحوث والمكاتب الثقافية والإعلامية والصحفية، وعن وجود مشاريع للتعاون مع الكيان الصهيوني في مجالات الطاقة والمياه، وعن تواجد شركات أمن "إسرائيلية" خاصة وواجهات للموساد تعمل في تهريب الآثار وتصفية العلماء العراقيين.

ويضيف د. رفعت سيد أحمد، رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة، في مقالة بعنوان "ماذا يفعل الموساد في العراق؟"، تفاصيل أخرى حول مدى التغلغل الموسادي في عموم العراق وأجهزة الدولة العميلة، أساساً عن طريق الاحتلال الأمريكي، ولكن أيضاً عن طريق شراء أراضٍ من أكراد في منطقة الموصل وضواحيها وفي كركوك وضواحيها، بعضها غنيٌ بالنفط وبعضها يستخدم كقواعد استخباراتية. وذكرت المقالة في هذا السياق ما جاءت به الصحف التركية منذ عام 2004 من أن "أكثر ما يثير قلق الأتراك هو حدوث ارتباط بين إسرائيل ومنطقة الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق التي تطمع إلى الاستقلال".

ويبدو أن الزعامات الكردية تعتقد أن إبقاء العراق في حالة من الفوضى والضعف والاغتراب عن محيطه العربي يخلق أفضل الظروف لانشقاقهم بالإقليم وثرواته النفطية، ولتوسعة الإقليم جنوباً على حساب المناطق العربية مثل كركوك.

وقد أورد موقع الجزيرة نت سلسلة من التقارير الإخبارية منذ بدايات شهر آب / أغسطس 2007 عن تداعيات إقرار البرلمان الكردي لقانون نفط خاص بكردستان العراق يجعل الاحتياطات غير المكتشفة في الإقليم منذ ذلك التاريخ ملكاً حصرياً له، ويجعل الأكراد شركاء في الاحتياطات النفطية في باقي العراق. وقد بدأت حكومة الإقليم منذ ذلك الوقت تعقد الاتفاقات مع الشركات الأجنبية على هذا الأساس، كان أخرها الاتفاق المعقود مع شركة هنت أويل الأمريكية، مما أثار الخلاف بينها وبين حكومة المالكي، مع العلم أن شركة نرويجية كانت قد وقعت اتفاقيات منفردة مع حكومة كردستان للتنقيب عن النفط منذ عام 2004 تحصل الشركة بموجبها على ما بين 10 – 30 بالمئة من الأرباح، وتحصل على الباقي حكومة الإقليم!!

وقد جاء إعلان القيادات الكردية تأييدهم لقرار مجلس الشيوخ الذي ينتهك سيادة العراق، ويفرط عقد وحدته ككيان، بعد كل هذا، بمثابة الملح الذي يرش فوق الجرح، وإيذاناً بنزعات انفصالية مماثلة في الدول المجاورة للعراق. ويشار إلى أن القيادات الكردية ما برحت تلح على الولايات المتحدة أن تقيم قواعد دائمة في كردستان معتقدةً أن ذلك يحمي انفصالها.

الشيء الذي يجب أن تفهمه القيادات الكردية هو أن استقواءها بتحالفها مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، وانخراطها في مشاريعه لتفكيك دول المنطقة، سوف يجر على الشعب الكردي الويلات على المدى البعيد، ولسوف يزرع أحقاداً تاريخية بين العرب والأكراد لم يسبق لها مثيل، وسوف يثير الشك حول أي تحرك مستقبلي لهم ولو كان مشروعاً وسلمياً.

ومهما كانت المظالم التي يمكن أن يتذرع بها الزعماء الأكراد، فإن الدور الذي يلعبونه اليوم في خدمة قوى الهيمنة الخارجية ضد العرب والمسلمين لن يحميهم لأن الاحتلال الأمريكي في مرحلة الأفول، وكذلك الوجود الصهيوني، أما إيران فإنها تلعب بهم لعباً فقط، كما لعبت بهم خلال تحالفها معهم في الحرب العراقية-الإيرانية، وقبل ذلك في زمن الشاه. أما أمريكا، فتستخدمهم كورقة فقط، ولو كان يعنيها من أمرهم شيئاً لما عززت تحالفها مع تركيا في عز حملتها ضد الأكراد في تركيا، ولما أصبحت تركيا عام 1994 خلال تلك الحملة المستورد الأكبر للسلاح الأمريكي في العالم!

ليست هناك تعليقات: