الأحد، تشرين الأول ٠٧، ٢٠٠٧

حول مبادرة هنية لهدنة متبادلة ووقف القصف مقابل فتح المعابر

د. إبراهيم علوش

إعلان قطاع غزة كياناً معادياً من قبل العدو الصهيوني، والمفاجأة المفتعلة والمبالغ فيها إزاء ذلك الإعلان من قبل بعض مسئولي السلطة والمثقفين الفلسطينيين، لا يعبر عن غباء سياسي وتجاهل أعمى تجاه حقيقة موضوعية هي العداء المتأصل لا بين غزة والكيان الصهيوني فحسب، وبين الكيان وكل الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأنصار العدل في العالم في الحقيقة، بل يعبر عن رسالة سياسية من قبل العدو الصهيوني شقها الأول تهديد بتصعيد العقاب الجماعي ضد قطاع غزة، وشقها الأهم أن "الكيان الأخر"، أي الضفة الواقعة تحت حكم السلطة الفلسطينية، ليست "كياناً معادياً" وبالتالي لن تتعرض لتصعيد العقاب الجماعي! أما رد فعل السلطة الفلسطينية وبعض المثقفين فهو محاولة لاستثمار ذلك الابتزاز الصهيوني في الصراع مع حماس لتخويف الناس في معيشتهم وأمنهم وتثبيط عزائمهم مما سيحدث من جراء استمرار عمليات المقاومة واستمرار سيطرة حماس على غزة، وبالتالي، فإن رد فعل السلطة، المتعاطف ظاهرياً مع القطاع، هو جزء من التهديد الصهيوني نفسه، واستمرار نفسي وسياسي له. لا بل أن السلطة هي سياسياً المستفيد الأول من إعلان قطاع غزة كياناً معادياً.

وسبق التهديد "الإسرائيلي" بيومٍ ما تناقلته وسائل إعلام مختلفة عن مبادرة لإسماعيل هنية بهدنة متبادلة مع "إسرائيل"، والدعوة لعدم إطلاق الصواريخ محلية الصنع على الكيان مقابل رفع الحصار عن المعابر، بغض النظر عما تناقلته الإذاعة "الإسرائيلية" عن اتصالات مباشرة بين الدكتور غازي الحمد الناطق الرسمي لمكتب هنية مع ملتان فلنائي نائب وزير الجيش الصهيوني لتدارس الاقتراح، وهو ما نفاه الحمد بشدة، مؤكداً أنه يهدف لتشويه صورة حماس. والنقطة هي أن د. الحمد نفى الاتصالات المباشرة، ولم ينفِ المبادرة نفسها قائلاً أن هناك أطرافاً ثالثة، الحكومة المصرية عادة، وغيرها، ممن يقوم بمثل هذه الاتصالات عادة.

ويمكن أن نفهم دعوة حماس لهدنةٍ متبادلة وفتحٍ للمعابر مقابل وقف إطلاق الصواريخ بأنه محاولة لإشعار الناس بأن حماس تقوم ما بوسعها لمنع تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية، بحيث يرى القاصي والداني بأن التعنت "الإسرائيلي"، لا تعنت حماس، يتحمل وحده مسؤولية تفاقم المعاناة. فلو تمكنت حماس من تحقيق فتح المعابر، فإن ذلك سوف يعتبر إنجازاً لها يعزز من شعبيتها داخل القطاع، ويمثل اعترافاً سياسياً وعملياً بمشروعية سيطرتها على القطاع.

ولذلك، فإن المعارضة الأشد لمبادرة هنية أتت هذه المرة من إحدى تشكيلات كتائب الأقصى، وكانت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية قد نشرت بياناً ل"كتائب شهداء الأقصى- المجموعات السرية" يوم الأحد 23/9/2007 بهذا التوجه، ومن المفهوم في الساحة الفلسطينية أن من يطلق على نفسه لقباً من قبيل "المجموعات السرية" لا يكون كذلك، لأن من يتحرك سراً لا يحتاج لتأكيد ذلك في وسائل الإعلام!

ويشار هنا إلى أن عدداً من القوى السياسية الرافضة لسيطرة حماس على القطاع، والساعية لإحراجها، صعدت من هجماتها من غزة، على المعابر، وبإطلاق الصواريخ، وعلى رأسها كتائب الأقصى وكتائب المقاومة الوطنية (الجبهة الديموقراطية)، ضمن أجندة سياسية واضحة. والمقياس هنا طبعاً هو ضعف النشاط العسكري لنفس القوى عندما كانت الأجهزة الأمنية المتعاونة مع العدو الصهيوني هي المهيمنة على القطاع بالمقارنة طبعاً مع تصاعده بعد هيمنة حماس على القطاع، وليس بالمقارنة مع ما يجب أن يكون. فالمزيد من المقاومة أفضل دوماً، ولكن ذلك لا يجوز أن يعمينا عن الأجندة السياسية لكل جهة.

ويفترض أن لا تتحرج حماس من التكرار بأنها يعود لها الفضل في خلق ظروف أفضل لتصاعد المقاومة من قبل كل الفصائل، وليس فقط أن الوضع الأمني للناس أفضل في غزة منذ سيطرت عليه، أو أنها تسمح باللقاءات والنشاط السياسي للفصائل المعادية لها في القطاع، بينما لا تسمح السلطة حتى بمظاهرة نسائية في رام الله تطالب بالإفراج عن معتقلي حماس في سجون السلطة.

أما بالنسبة للوضع المعيشي، فتجدر الإشارة إلى أن السلطة ماضية في تضييق الخناق على القطاع لدفع الناس لحافة الانفجار، ولهذا، قدمت قيادة فتح في غزة (لجنة الطوارئ) استقالة جماعية لسلطة عباس احتجاجاً على سياسة حكومة سلام فياض المالية، التي أوقفت رواتب الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين. وقد لا تكون مثل هذه الاستقالة جدية، سوى أنها تخفف من غضب الموظفين، الذين لا يتلقون رواتبهم، على سلطة عباس...

وبالرغم من أهمية تسجيل الاعتراض المبدئي على مبادرة هنية، المدفوعة باعتبارات براغماتية، لا داعي للقلق بأنها سوف تقدم أو تؤخر بشيء لأن المطلوب عربياً وفلسطينياً ودولياً وصهيونياً هو إما إزالة هيمنة حماس من غزة بطريقة أو بأخرى، أو قيام حماس بالقبول بشروط الرباعية المعروفة لتنخرط في المشروع. وبسبب شدة انخفاض السقف السياسي للطرف الأمريكي-الصهيوني وأذنابه، ستذهب محاولات حماس للحلحة الوضع أدراج الرياح. وكان دخول حماس ساحة السلطة سيذهب بها بعد أن تخلخلت ثوابتها باتجاه جعل هدفها دولة في الضفة وغزة فقط. ولكن يمكن أن نراهن دوماً على تعنت العدو وتصلبه.


ليست هناك تعليقات: