الثلاثاء، تشرين الأول ١٦، ٢٠٠٧

إضاءة على التورية المحيطة بقرار مجلس الشيوخ الأمريكي بتقسيم العراق

د. إبراهيم علوش

بعد قرار مجلس الشيوخ الأمريكي في 26/9/2007 بتقسيم العراق، تنصلت منه وأدانته كل القوى السياسية العراقية وغير العراقية التي عملت طوال السنوات الماضية على تقسيم العراق، من إدارة الرئيس بوش إلى جماعة عبد العزيز الحكيم. حتى مجلس الشيوخ الأمريكي نفسه، حاول وضع مسافة بينه وبين قراره بالقول أنه "غير ملزم"!

وبغض النظر عن واقع الاحتلال الذي يعطي الولايات المتحدة وزنها المهيمن في العراق، وهو طبعاً الوزن الماثل بقوة خلف قرار مجلس الشيوخ الأمريكي، فإن الواقع القانوني البسيط هو أيضاً أن الولايات المتحدة ليست لها أية ولاية قانونية على العراق. بالتالي، لا يحق لها من ناحية قانونية صرف أن تغير كقوة احتلال من الواقع السياسي لدولة مستقلة ذات سيادة، وهو الأمر الذي يفسر لماذا قال مجلس الشيوخ أن قراره غير ملزم.

أي أن قرار مجلس الشيوخ ينطلق بوضوح من واقع ثقل الوجود العسكري والسياسي الأمريكي في العراق، دون أن يقوم كمجلس شيوخ، مهمته تشريع القوانين، بانتهاك القانون الدولي علناً. وهي جزئية قانونية غير مهمة جاءت لتغطي سلوك مجلس الشيوخ الأمريكي بالألفاظ فقط، ما دامت الفكرة الأساسية قد وصلت وهي أن النخبة الحكمة الأمريكية - الممثلة في مجلس الشيوخ، النخبوي بطبيعته أكثر من مجلس النواب - تعلن للملأ بأنها سوف تقوم بتفكيك العراق!

بالمقابل، فإن القوى السياسية والحزبية العراقية المختلفة التي تعاونت مع الاحتلال في العراق، وأسهمت بتصعيد الصراع الطائفي وبتكريس البنية الطائفية في الدستور وفي الحكومة والبرلمان وفي الشارع العراقي، كلها أدانت قرار مجلس الشيوخ بتقسيم العراق إلا القيادات الكردية طبعاً. وتعود هذه الإدانة لقرار مجلس الشيوخ لعدة أسباب مثل: 1) الحرص على عدم الانكشاف بالكامل أمام قواعدها الشعبية حتى تتمكن من الاستمرار بلعب دورها التضليلي، تماماً كما بقيت بعض الأنظمة العربية تتحدث عقوداً طويلة عن تحرير فلسطين وهي تعمل على جعل "إسرائيل" كياناً طبيعياً في المنطقة، 2) ارتباط بعض تلك القوى العراقية بأطراف إقليمية مثل إيران لا تريد أن يخرج مشروع تفكيك العراق عن السيطرة بنشوء دولة كردية مستقلة فجأة، أو ارتباطها بقوى إقليمية مثل السعودية لا تريد أن ترى دولة شيعية تسيطر عليها إيران في جنوب العراق، 3) الحرص على عدم تفجير ما يسمى "العملية السياسية"، التي لم تستنفذ كامل أغراضها في استيعاب المقاومة بعد، بتفكيك العراق في هذه اللحظة بالذات، وهو الاعتبار الذي يعطيه الساسة الأمريكيون والقادة الميدانيون الأمريكان الأقرب من العراق وزناً أكبر من أولئك المقيمين على بعد آلاف الأميال في واشنطن.

وبالإضافة للسبب أعلاه، اعتبرت إدارة الرئيس بوش أن قرار تقسيم العراق كان قراراً خاطئاً في هذه اللحظة وبهذه الطريقة بالذات لأنه: 1) جاء في سياق محاولات الديموقراطيين المتكررة تمرير قرارات في مجلسي النواب والشيوخ تتمحور كلها حول فشل سياسة الإدارة الحالية في العراق، بدوافع انتخابية جزئياً، 2) جاء بطريقة فجة، طريقة الكاوبوي الأرعن الخالية من التورية، وقد بدأ القادة الأمريكيون السياسيون والعسكريون المتصلون مباشرة بالشأن العراقي يفهمون بفضل خسائرهم وفشلهم المتكرر أن الطريقة الأفضل، التي تعود بخسائر أقل وتسبب أقل قدر من الاحتكاك، هي الطريقة المعمول بها تاريخياً في الوطن العربي لتمرير المؤامرات المعادية للأمة، مثل الطريقة البريطانية وطريقة الأنظمة العربية، حيث يبقى الطرف المعني بتمرير المؤامرة يصر حتى اللحظة الأخيرة بأنه يواجه تلك المؤامرة بالباع والذراع، 3) حرص الإدارة الأمريكية، انطلاقاً من النقطة السابقة، بعدم استفزاز تركيا وإيران والأنظمة العربية "المعتدلة" أكثر مما يجب في الوقت الذي تسعى فيه لتمرير مشاريع سياسية إقليمية مهمة مثل المؤتمر الدولي للسلام والمحكمة الدولية في لبنان والقوات الدولية في دارفور والملف النووي الإيراني وغيرها، فإذا اعتقدت هذه الأنظمة أن تفكيكها بات مطروحاً على الأجندة هنا والآن، فإنها قد تعرقل المشاريع الأمريكية في المنطقة بهذا القدر أو ذاك، أحياناً بشكل فعال.

ولنلاحظ جيداً هنا أن تصويت أكثر من نصف الشيوخ الجمهوريين، حزب الرئيس، في المجلس مع قرار تقسيم العراق، بالإضافة إلى النواب الديموقراطيين، أعطى القرار أكثر من أغلبية الثلثين، مما أعفى الرئيس بوش من ممارسة حق النقض (الفيتو) ضده.

ومن الواضح بالنسبة لكل القوى أعلاه أن كل التحفظات السابقة ترتبط فقط بالتوقيت وطريقة الإخراج، وليس بمبدأ تفكيك العراق الذي لم يسقط من السماء فجأة مع قرار مجلس الشيوخ الأمريكي في 26/9/2007.

بالمقابل، فإن القيادات الكردية في العراق لا تحتاج لممارسة التورية على قواعدها الشعبية أو على الأنظمة العربية، وتريد أن يتفكك العراق بأسرع ما يمكن كي تعلن دولتها، ولذلك أيدت قرار مجلس الشيوخ الأمريكي علناً، قائلةً أن القرار يؤكد ويثبت التوجه الفيدرالي للدستور العراقي. وهذا صحيح، فمن سبق أن أيد تشكيل الأقاليم من محافظة واحدة أو أكثر لا يحق له أن ينزعج فجأة الآن من قرار مجلس الشيوخ بتقسيم العراق!! والقيادات الكردية هي فقط رأس جبل الجليد...

ليست هناك تعليقات: