الاثنين، تشرين الأول ١٥، ٢٠٠٧

موسى التوراتي وبن غوريون وجهان لعملة واحدة

علي بغدادي

(arabjournl at aol.com, Chicago)

حرية العقيدة، كحرية الفكر والرأي، حق لكل رجل ولكل امرأة. من حق كل إنسان أن يؤمن بأي دين يرثه أو يختاره، ومن حقه أيضاً حسب قناعاته الشخصية ألا يؤمن، ومن واجبنا أن نحترم حقوق الآخرين، ومن حقنا جميعاً أن ننتقد، دون استعمال المسبات والإهانات والقذف والذم، والإيمان أو عدمه لا يدل على صلاح الفرد، وصلاح الفرد هو خلقه وسلوكه وأفعاله ومساهمته في خدمة مجتمعه وأمته وإنسانيته.

أحد أصدقائي الناشطون في الفضاء الإلكتروني، على صفحات الإنترنيت، عربي من لبنان يعيش في أوروبا، يدافع بشدة عن قضايا العرب والمسلمين، كتب حديثاً مقالاً يعبر به عن إيمانه ب"موسى" التوراتي. أما أنا فلا أومن. ويصر صديقي من أننا مسلمين ومسيحيين ويهود ننتمي إلى موسى، ولا يحق لليهود أن يستأثروا به لأنفسهم ويتملكوه لوحدهم. أما أنا فأختلف في هذا الرأي، وأرى شخصياً بأن موسى وبن غوريون وجهان لعملة واحدة، وأن بن غوريون الذي ترأس العصابات الصهيونية التي أفرغت 650 مدينة وقرية من سكانها العرب، قد تمسك كلية بتعاليم ومبادئ العنف والنهب والدمار التي وضعها ودعا موسى جماعته لتطبيقها ضد "الجويم"، غير اليهود.

وكما هو حال بن غوريون، وهو ليس منا من قريب أو بعيد، كذلك موسى، فهو مقتصر عليهم، هو منهم ولهم وإليهم. و"يهوى" – كما يصر هو - إلههم الخاص، وليس لهذا الإله شعب آخر سواهم، يصف نفسه بالإله الغيور بين الآلهة الأخرى التي عبدها بنو إسرائيل، وهو في الحقيقة لص لعقارات وممتلكات الآخرين، يسرق غير اليهود ليعطي ويرضي "شعبه المختار" الذين طالبوه وما زالوا يطالبون بالمزيد، ويأمر هذا الشعب المدلل بقتل النساء والشيوخ من غير اليهود، وبتدمير مدنهم وقراهم، وبحرق بيوتهم ومزارعهم، وبنهب متاعهم وممتلكاتهم، وباغتصاب عذراواتهم، وباستعباد بنيهم.

وإذا تصفحنا كتابهم، "العهد القديم"، لرأينا بأن موسى قد استمع كلية لأوامر "ربه" الذي يتمتع بمشاهد القتل والحريق والدمار، ويتلذذ بسماع صراخ الأبرياء والمعذبين والمستضعفين. وكما أننا كعرب، مسلمين ومسيحيين، ليس لنا صلة ب"يهوى" كما ليس ل"يهوى" صلة بنا، يجب ألا تكون لنا أيضاً صلة بموساه، لأن هذا الأخير – على العموم – مسؤول عن سبب مشاكلنا ومآسينا التي نواجهها اليوم.

دعنا ننسى الهراء، وأن نكون أكثر جدية. فإذا وضعنا الدين جانباً، وهو إيمان ينبع من القلب فقط، وإذا ما وظفنا علم الآثار، وهو علم حقيقي متطور كالكيمياء والفيزياء نستعمل العقل فيه كأداة، استمددنا من خلالها الكثير عن تاريخنا الطويل، لاكتشفنا من أن موسى التوراتي ليس بحقيقة، ولكنه خرافة يهودية.

ولقد توصل علماء الآثار وعلماء التاريخ المصري القديم، العلماء الحديثون، إلى نتائج علمية لا يعتريها الشك، بأن قصص التوراة، التي تمتلئ بالتناقضات والمتضادات، ليست بتاريخ، بل بروايات من نسج الخيال.

ومن بين هؤلاء العلماء العديدين "إسرائيل فنكلستاين، و "نيل أشار سلبرمان" من جامعة تل أبيب، وهما يتفقان مع عالم الآثار الكندي الشهير "دانالد بدفورد" الذي يعمل في "جامعة ولاية بنسلفانيا"، بأن موسى ما وجد أصلاً، ولم يكن هناك عبور للبحر الأحمر، ولم يكن هناك عبيد يهود مسخرين في مصر، تاهوا في صحراء سيناء مدة أربعين عاماً. أما قصة العبور فليست سوى حكاية مشوهة لذكرى "الهكسوس" الذين غزوا مصر وطردوا منها بعد حوالي قرنين من الزمن.

ووفقاً لدراسة جدية استغرقت خمسة عشر عاماً قام بها البروفسور "ثاموس ل. ثامبسون" في جامعة "ماركيتّ" في مدينة "ملواكي" في ولاية "ويسكانسون" الأمريكية، دراسة نال بسببها هذا الأستاذ الذي يعتبر القيادي عالمياً في علم الآثار، سخط وكره اليهود الذين اتهموه باللاسامية، أكد في هذه الدراسة من أن التوراة ليست تاريخاً، بل أدباً كتبه الحاخامات وغيرهم، وأن حكاية العبور واستيلاء الإسرائيليين للأرض المقدسة ليسا حدثين تاريخيين. وهو يقول:

" لم تعثر الحفريات على أي أثر لسكان غير رحل يقيمون في مدن وقرى في يهودا وفي القدس خلال القرن العاشر قبل الميلاد، زمن الازدهار المزعوم لمملكة داوود وسليمان....

"لم تتشكل مجموعة سكانية تستطيع أن تدعم وتساند وجود مملكة في يهودا إلا بعد قرن على أقل تقدير... ولم تصبح القدس مدينة كبيرة لها نفوذ سياسي حتى حوالي سنة 650 قبل الميلاد."

الدراسة العلمية التي قام بها "ثاماس ل. ثامبسون" ترفض الادعاء التوراتي بملكية تاريخية لليهود في الأرض المقدسة، وتستنتج بأن إبراهيم ويعقوب وإسحاق وموسى والملك داود والملك سليمان ليس لهم وجود كحقيقة تاريخية.

وأخيراً أقول، بالرغم من أن موسى التوراتي ليس إلا شخصية خيالية حسب البراهين العلمية، لكنه - بقدر كبير - مسؤول عن المعاناة والمصائب التي يبتلي بها حالياً المسلمون والمسيحيون العرب. وله يد طولى في هلاك حوالي ثلاث ملايين من الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين ولبنان والعراق من خلال النار والحديد والحصار. وإني لأصر بأن موسى يهودي، ويجب الاعتراف بيهوديته، وينبغي أن تكون ذكراه يهودية فقط، ونحن منه براء.

ليست هناك تعليقات: