الأربعاء، تشرين الأول ٣١، ٢٠٠٧

وحيد القرن وموسم تساقط اوراق التوت

الخريف الفلسطيني من دمشق الى أنابوليس

محمد لافي "الجبريني"

ربما على قاعدة "ما حدا أحسن من حدا" بدأت جولة جديدة من المنافسات الفصائلية الفلسطينية المعتادة بتبادل المؤتمرات واللقاءات، بناء على الحد الادنى الذي يمكن أن تصل اليه، بعد أن غابت الى حد كبير لغة التحالف والتكتل السياسي، ربما لسبب بسيط نستنتجه بعد قراءة تاريخية، وهو غياب الراع الرسمي، النظامي الذي يمكن تسميته دون أي تحرج بالامتداد الاستراتيجي للقضية الوطنية، بأبعادها الأيديولوجية.
كان ذلك أبان الثنائية القطبية، والخطاب الثوري الذي لم تكن قد تخلت عنه كل العواصم العربية،قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، احتلال العراق ومؤتمر مدريد، فكان يمكن ان تتحالف "جبهة الصمود والتصدي" ضد تونس، ويرتفع صوت صاخب بإسم "تحالف النقاط العشر" ضد مشروع "دولة فلسطينية على اي شبر محرر"، وهو ماكان ينجح عمليا في فرملة رؤى مقابل اخرى، وتجاذب في المواقف قد يصل احيانا بين القواعد حد التراشق الناري هنا وهناك، فكل طرف كان يحتمل الخطأ والصواب، وكل فريق كان يمتلك من اسباب القوة ما يمكنه الرهان عليه إن لم نقل أحيانا بالتبعية، ومع ذلك كانت هناك الفرصة لإبقاء منطقة حيادية وخيوط الاتصال دون المساس ب"الثوابت"، "المحرمات"، او التجادل ب"المقدسات".

مجاملات استباقية
عود على بدء! ليس الامر كذلك في خريف السنة السابعة من هذا القرن المنتصب على جمجمة الكركدن الامريكي، بعد أن تراجع الحلفاء الاستراتيجيون للراديكالية الفلسططينية خطوات الى الوراء، وأضحت من أولوياتهم الدخول في عصر "السلام" طبعا على مقدمة وحيد القرن ذاته. ولا باتت منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بقادرة على ان تمثل حتى من هم فيها، بعد أن أصبحت جسد لا تداعى أطرافه بالسهر والحمى اذا اشتكى منه عضو، فنخرها الدود وملئتها القروح، لا تشبها بجسد ايوب عليه السلام بقدر ما هي حالة انفصام ميت متشبث بشاهد القبر، تائه بين اسباب الحياة، وضائع بين تصنيفات التاريخ. الذي اضاعه يوم غير ميثاقه الوطني وفق قياسات القرن الامريكي، وبعد أن تشرذمت آفاقه مع الريح.

وخارج صيغ المراثي، يمكن ملاحظة جسد المنظمة كجثة أم يتمسك بشرعيتها وقدسيتها الاخوة الاعداء، فبعد بدء حملة الترويج لمؤتمر خريف انابوليس الامريكي من قبل سلطة الرئيس محمود عباس، تداعت بقايا الرفض والتصدي، لمؤتمر آخر اسمته "المؤتمر الوطني الفلسطيني" جاء مفاجئا مستوى سقفه الذي لم يكن كما جرت العادة مضادا جذريا لمشاريع التسوية، صاخبا في طرحه ورفضه لأي مساس بالمحرمات، وفضحا للطرف الاخر، بل تصالحيا يمكن وصفه بالبراغماتية أكثر من اي شيء آخر، حين كان شعاره الوحدة الوطنية، المصالحة، واعادة بناء منظمة التحرير. بمشاركة الخارجين عن اطارها –حماس والجهاد الاسلامي- دون أن يحمل في طياته ما يدل على رغبة جديه في التصدي لملفات مؤتمر السلام في انابوليس.الا كما جاء نصه في البيان الخاص بالمؤتمر "حماية القضية الوطنية الفلسطينية من المخاطر التي تتهددها نتيجة اشتداد التآمر الأمريكي-الصهيوني و الطروحات المنوي عرضها في مؤتمر بوش قبل أمريكا-إسرائيل." دون ان يطرح ارضية جدية لمواجهة هذا الخطر والتآمر.

طرح جدي ام "اعتدال"
ومما يبدو من صيغة البيان ككل، فهو سعى لإظهار حسن نواياه، ولتقديم تبريرات ربما لم يكن مجبرا على تقديمها لو كانت نواياه جدية بخصوص البند اعلاه، خاصة أن هذه التبريرات والتوضيحات بدى واضحا انها موجهة لطرف بعينه –تيار محمود عباس- بإسرافها في استجلاب تفهمه له، ودرءا لِشر معاداته له، وهو ماعبر عنه مسؤول اللجنة التنظيمية للمؤتمر طلال ناجي في لقاء على فضائية الجزيرة حين ترحم على الايام الخوالي التي كان فيها الشهيد ياسر عرفات يستمزج اراء فصائل الرفض في كل مؤتمر او لقاء دولي، وكأن لسان حاله يقول لعباس نتمنى ان تشاركنا معك في مؤتمراتك، فجاءت بنوده أو لضرورة توضيح بعض الحقائق عن خلفيات الدعوة لعقد المؤتمر .
كما تم تعميمه على وسائل الاعلام،..
"1- المؤتمر هو فكرة جاءت من خارج الفصائل و حاولت الفصائل أن تعطيه زخماً وطنياً عاماً و أوسع و أشمل من خلال التأكيد على مشاركة كل القوى والفصائل والشخصيات والفعاليات وممثلين عن كل التجمعات الفلسطينية والجميع مدعو للمشاركة في هذا المؤتمر .
2- الدعوة موجهة للمشاركة في المؤتمر لكل القوى و الفصائل فصائل م.ت.ف و التحالف الوطني إلى جانب شخصيات و فعاليات وطنية فلسطينية. و حتى لا يستغل و يوظف من جهة ضد جهة أخرى و أبلغت فتح بذلك و ستدعى فتح اللجنة المركزية و كل الفصائل في الداخل و هو ليس حكراً على جهة أو اتجاه أو حركة بل هو عمل وطني شامل وواسع .
3- المؤتمر ليس له مهمة تنظيمية ضد م.ت.ف و ليس بديلاً أو انقساماً عنها بل هو لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وفي إطار م.ت.ف على اسس ديمقراطية . و لن ينبثق عنه أي صيغة تنظيمية وقد يطرح البعض وجهة نظر خاصة تجاه هذا الموضوع . لكن لا يعتبر ذلك من توجهات المؤتمر وسيتم العمل مع كل الذين يشاركوننا الرأي وهم كثر لأن لا يستغل المؤتمر لجهة ضد أخرى وان تكون توجهاته وحدوية وضد الأنقسام .
4- أهداف المؤتمر:
أ-حماية القضية الوطنية الفلسطينية من المخاطر التي تتهددها نتيجة اشتداد التآمر الأمريكي-الصهيوني و الطروحات المنوي عرضها في مؤتمر بوش قبل أمريكا-إسرائيل.
ب-استمرار العمل و وضع الآليات لإنهاء لمعالجة حالة الانقسام الفلسطيني و إعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية من خلال الدعوة لحوار وطني شامل لإعادة بناء وتفعيل م.ت.ف و إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح في الوضع الداخلي .
ج-التمسك بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم و ممتلكاتهم التي شردوا منها.
5- المؤتمر ليس مع جهة ضد جهة , يعني ليس مع حماس ضد فتح و ليس مع فتح ضد حماس هو عمل وطني فلسطيني و كلما اتسعت المشاركة فيه كلما كان الموقف أفضل ولا يمكن ان تقبل الأكثرية الساحقة ممن سيشاركون في المؤتمر أن يتم استغلال المؤتمر لجهة ضد أخرى او لتكريس حالة الأنقسام .
6- هناك استعجال في بعض المواقف التي صدرت عن البعض ضد المؤتمر او تتخوف منه فهو ليس مؤتمر انقسامي بل وحدوي و سنطالب الجميع بالمشاركة الإيجابية من أجل الحوار و الوحدة ومواجهة المخاطر الخارجية .
7- المدعوون الضيوف-ممثلين عن المؤتمر القومي- والقومي الإسلامي-ومؤتمر الأحزاب العربية و بعض قادة الأحزاب العربية والحليفة والصديقة و حضورهم سيكون في جلسة الافتتاح."

معارضة داخل المعارضة
لقد وجهت الدعوات للعديد من الشخصيات الوطنية الفلسطينية لحضور مؤتمر دمشق، واذا كان قد تم تجاهل شخصيات أخرا كما صرحت محتجة‘ فإن عديدا ممن تمت دعوتهم رفضوا الحضور، مبررين ذلك بأنه جاء فقط كمحاولة اعادة تلميع واحياء ذكرى فصائل ليس لها وجود عملي على خارطة التأثير السياسي الفلسطيني، وأن هذا المؤتمر لم يأت لإيجاد حلول جذرية. وأنه لا يناقش جذور المسألة الخاصة بمنظمة التحرير ألا وهو ميثاقها المعدل.

فالقضية الفلسطينية باتت بحاجة أكثر من اي وقت الى اطار جدي لمواجهة حملة التنازلات والتصفية للحد الادنى الذي اقرته فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وهو دولة على الاراض المحتلة 67 عاصمتها القدس وعودة اللاجئين، فيما على الارض لا يوجد ما يدل على جدية تجاه هذا القرار

توت في الخريف!
بعيدا عن التنظير السياسي، والسجال حول موضوع ثابت منظمة التحرير، فقد أثبتت كل الاطراف السياسية الفلسطينية، قصورا ذاتيا عن التعامل مع قضية الشعب الفلسطيني، او حتى الارتقاء الى مستوى تضحيات هذا الشعب، فإذا لم يكن خافيا غياب التأييد الشعبي لمؤتمر انابوليس، فهذا لا يعني ان هذا التأييد سيتجه نحو مؤتمر دمشق، النخبوي، والذي سيتنادى اليه أقطاب المعارضة الوطنية ممن غابوا عن ساحة النضال السياسي عمليا منذ الخروج الكبير من بيروت سنة 82، وبدعوة لمن يمكن تصنيفهم بالموالاة لسلطة الرئيس عباس.

أنابوليس بإختصار
مؤتمر السلام في امريكا يمكن قرائة أحداثه مسبقا، ليس بناء على التنبؤ السياسي بقدر ما هو اعتمادا على الوقائع والمنطق، فأولمرت يذهب اليه بعد ضغط ملح من الادارة الامريكية، وهو يعلم أن لن يجرؤ على الخوض في تفاصيل القضيا الرئيسة عداك عن ايجاد الاتفاق على حلول، وهو يعلم أن اقل بادرة حسن نويا تجاه عباس سيكون ثمنها ذهابه من الحكومة، والادارة الامريكية تعي ذلك، بل ولا تكترث حتى لإيجاد حلول، فكل ما يريده بوش عقد المؤتمر، لا نشوء دولة فلسطينية،وتقديم ذرائع لحلفائه العرب الذين يريدون التخلص من العبئ الاخلاقي امام شعوبهم تجاه القضية الفلسطينية، وتبرير التوطئ في حال شن هجوم على ايران او سوريا او لبنان أو حتى قطاع غزة، وتبرير منطق القوة واعادة تحسين شروط التفاوض.

فيما وجود الرئيس عباس واضح مغزاه، وهو التمسك بذيل الاعتراف الدولي بسلطة رام الله وإعادة نفوذها في غزة، مهما كان الثمن، وعلى احسن تقدير نيل المزيد من الوعود والتسهيلات الشكلية، وفي حالة أخرى مكسب سياسي قد تقدمه "اسرائيل" بالتوافق مع الولايات المتحدة، عبر تبادل الاراضي الديمغرافية، فتأخذ السلطة مناطق مثل ام الفحم التي يجري التركيز عليها بجماهيرها المزعجة للكيان وقواها السياسية الممثلة بالحركة الاسلامية، مقابل تثبيت وجودها في مستوطنات الضفة الغربية.وهي عملية على عكس ما يروج لها الكيان تحمل مكاسب جمة ولا تعطي الدولة الفلسطينية المفترضة اسبابا اضافية للحياة، بقدر ما تعزز فكرة الضم الصهيوينة التي كرس لها الجدار التوسعي والبؤر الاستيطانية المتكاثرة كالسرطان.

لقد اثبتت التجارب التاريخية أن أغلب هذه المؤتمرات لا تأتي الا كمحاولات حثيثة للبقاء قيد المنافسة او على اقل تقدير الوجود، على الساحة، والسؤال هل قبلة الحياة يمكن ان تجدي لمن تعطلت رئتاه، وهل يمكن لكل مقويات العطارين ان تعيد الى اجساد الشيوخ شيئا من العافية، للتباهي، وهو حال المؤتمرين في الشرق والغرب، بلا شك فالقضية باتت بحاجة الى ما هو أكثر احتراما لها
.

www.ezza3tar.spaces.live.com


هناك تعليق واحد:

Tayseer Nazmi يقول...

محمد لافي الجميل البسيط القوي
تحياتي
كانت نفسيتي زي العمى فأضحكني وحيد القرن وأسعدني التطوير والمثابرة على هذا الزعتر برائحته الأصيلة النفاذة
أكتب إليك من حي نزال
يوم الخميس ومريض ومرهق ومفلس لكن بضحك وقرأت أكثر من موضوع على هون وعلى القومي
عتبان ع هشام كثير
أرجو أن يكون بخير
تحياتي للشباب عندكم
لأن الأمور كثير لايصة ولا أخرى من هيك وضع
محمد لمست تطورا رائعا في كتابتك وهذا حسن من نفسيتي كثير
ما أجملك لحظة يأسي القاتل
أنا حزين لما آلت له له أوضاع المنايك
أحيانا ...
ولكن