الأربعاء، تشرين الأول ٣١، ٢٠٠٧

حول السقف المنخفض والأجندة المعوّمة للمؤتمر الوطني الفلسطيني في دمشق

د. إبراهيم علوش

من الطبيعي أن تنتفض كل القوى والشخصيات الوطنية والمجاهدة ضد مؤتمر السلام التطبيعي الذي تشارك فيه السلطة الفلسطينية وبعض الأنظمة العربية مع الطرف الأمريكي-الصهيوني في أنابوليس في ولاية ميريلاند الأمريكية في وقتٍ ما في خريف عام 2007.

فالمؤتمر مرفوض: 1) من حيث المبدأ كلقاء "سلام" مع عدو غاصب معتدي يمثل نقيضاً لخيار المقاومة، 2) ولأنه يقوم على مبدأ "التطبيع بدون سلام"، أي على التنازل من طرف واحد، 3) ولأنه يبيع سمكاً في بحر الأوهام عن الوصول إلى "إعلان مبادئ ما حول قضايا الحل النهائي المؤجلة".

وهو مؤتمر يهدف بالأخص إلى تحسين وضع بوش وأولمرت شخصياً في السياقين الأمريكي و"الإسرائيلي" الداخلي، كما أنه يهدف لتعزيز علاقات بعض الدول العربية بالعدو الصهيوني على طريق إقامة "حلف المعتدلين" في مواجهة أعداء الولايات المتحدة في المنطقة، أي أنه سياسياً مؤتمر لتحقيق أهداف مرحلية أمريكية-صهيونية في الإقليم.

وهو إعلامياً مؤتمر يستهلك الورقة الفلسطينية لتحقيق هذا الغرض، تماماً كما لوح بوش بجزرة "الدولة الفلسطينية" عشية احتلال أفغانستان، وكما أعيد إحياء خريطة الطريق عشية العدوان على العراق، بذريعة تضمنها وعداً بإقامة دولة فلسطينية ما غير محددة المعالم "خلال ثلاث سنوات!"، كذلك تتم المتاجرة أمريكياً اليوم بمشروع الدويلة للتحضير لضربة ما، لسوريا، للسودان، أو لأحد ما. وما دام هنالك طرفٌ فلسطينيٌ مستعدٌ أن يكون جزءاً من هذا التهريج السياسي، طرفٌ غير مغفل مستعدٌ أن يتجاوز كل الثوابت والحقوق العربية المشروعة للحفاظ على وضعه وامتيازاته، فلمَ لا يستغله الطرف الأمريكي-الصهيوني لتحقيق أهدافه؟!

إذن من المنطقي أن يكون هناك مؤتمر فلسطيني مناهض لمؤتمر الخريف في ميريلاند لكي: 1) يعلن رفضه لاستخدام القضية الفلسطينية كغطاء لأهداف الطرف الأمريكي-الصهيوني في الإقليم، 2) يرفض التطبيع مع العدو الصهيوني وأي تنازلات تقدمها السلطة الفلسطينية في المؤتمر، 3) يؤكد بأن القضية الفلسطينية حية ومستمرة بالمقاومة، وأن الفلسطينيين المشاركين في المؤتمر لا يمثلون إلا أنفسهم.

من هذا المنطلق، كان تداعي قوى وشخصيات فلسطينية مختلفة لإقامة مؤتمرٍ وطنيٍ فلسطينيٍ موازٍ لمؤتمر الخريف في دمشق تجاوباً مع ضرورة موضوعية لا بد من التعاطي معها، وخطوة محمودة سياسياً... لولا! لولا السقف المنخفض والأجندة المعومة للمؤتمر كما عبرت عنه الدعوة الرسمية ومشروع ورقة العمل الموزعة من قبل اللجنة التحضيرية للمؤتمر...

وقد كانت لغة الدعوة عائمة مائعة، وتركزت على موضوعة "الانقسام الفلسطيني"! وبدلاً من لغة الفرز الواضح مع الخط التسووي في الساحة الفلسطينية، ثمة مناشدة عملياً للفلسطينيين المشاركين في مؤتمر الخريف، أي للسلاطة الفلسطينية، بأن يتراجعوا لأن العدو يستغل ضعفهم بسبب "حالة الانقسام الفلسطيني"... ليصبح المطلب السياسي هو: وضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية "بعدم تقديم الغطاء لهذه المغامرة التي تستهدف تصفية حقوق شعبنا". فهل هناك مراهنة على قيادات السلطة أيها الأخوة؟ ولأية وحدة وطنية تدعون مع الذين ينسقون أمنياً وسياسياً مع العدو الصهيوني، أي مع الذين كانوا سيتعرضون للمحاكمة والعقاب في أية حركة تحرر وطني أخرى؟ ألا يفترض أننا حسمنا الموقف منهم انطلاقاً من غزة؟ وهل يشكل هذا اعترافاً ضمنياً بأن ما جرى في غزة كان خطوة خاطئة أو غير مبنية على الثوابت؟

وبدلاً من ربط المشاركة بمؤتمر الخريف بنهج التسوية في الساحة الفلسطينية، تتوه الدعوة للمؤتمر الموازي في دمشق عن هدفه الرئيسي، لتصبح إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية "على أسس ديموقراطية وعلى قاعدة الثوابت الوطنية" مع المشاركين في مؤتمر الخريف!!. فأين الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل الذي لم يذكر مرة واحدة في كل ورقة عمل اللجنة التحضيرية؟ وأين الموقف الواضح من قرارات المجالس الوطنية المعترفة بشكل أو بأخر بالكيان الصهيوني أو بعملية السلام؟

نعم، هناك ديباجة عن التمسك بالمقاومة وحق العودة، ولكنها تأتي كتتمة، في ثالثاً ورابعاً، بعد مناشدة "الأطراف الفلسطينية المعنية" - حيث لم تُسمى السلطة بالاسم أو أيٌ من قياداتها مرة واحدة في النص - بأن لا تقدم غطاءً لاستهدافات مؤتمر بوش! وتأتي بعد ثانياً، حول وضع آليات لمعالجة الانقسام الفلسطيني وإقامة الوحدة الوطنية الفلسطينية وإعادة بناء منظمة التحرير، دون التطرق لأيٍ من مسائل الخلاف الجوهرية مع النهج السائد في المنظمة، فماذا نفهم من كل هذا؟

الدعوة والورقة لا تحتويان على تأكيد واحد على عروبة فلسطين من النهر إلى البحر، ولا توجد إشارة واحدة لمعنى تعبير "ثوابت وطنية" المكرر مراراً، ولا يوجد توضيح واحد حول مسؤولية نهج التسوية عن هدر تضحيات المقاومين والمجاهدين على مدى عقود في الساحة الفلسطينية وكيف وصل الطرف الفلسطيني أصلاً للمشاركة في مؤتمر الخريف، ، بل يظهر الموقف "المعارض" وكأنه الحرص والخوف على المشاركين الفلسطينيين في مؤتمر الخريف من أن يستغل ضعفهم بوش أو أولمرت بسبب "حالة الانقسام الفلسطيني"!!! فمرحى بهذه المناهضة للمشاركين بمؤتمر الخريف...

ثم بان الخيط الأبيض من الأسود حين أعلن أحد الأخوة القائمين على المؤتمر في الفضائيات أنهم يرحبون بالجميع، حتى بالسلطة، للمشاركة بالمؤتمر، فضد من يعقد المؤتمر إذن يا إخوان؟! وهل المطلوب أن نعطي السلطة الفرصة لتضع قدماً في ميريلاند وأخرى في دمشق؟! أم أن نعطي أنفسنا الفرصة لكي نشارك بالسلطة؟!

ونسمع من مصادر شتى أن أبو اللطف وسليم الزعنون تمت دعوتهما للمؤتمر بالرغم من مواقفهما الإيجابية من بعض مشاريع التسوية، ولكن ليس كل مشاريع التسوية طبعاً... يا سلام!! فلماذا يدعى هؤلاء إذا كان الهدف هو إعادة بناء منظمة التحرير على أساس الثوابت الوطنية؟

لا أخون فصائل مقاومة مشهود لها، ولا أزايد على قوى وشخصيات معروفة بمواقفها، ولكن نتوقع منها موقفاً أصلب من هذا بكثير.

ولو اقتصر هدف المؤتمر المناهض على القيام بتظاهرة سياسية وإعلامية مضادة لمؤتمر الخريف، كما يفترض، لكان أفضل بكثير من الأحمال الثقيلة التي وضعت فوق كاهله لكي تخفض سقفه وتحبط غايته. وما عدا ذلك، فإن كل منظمة التحرير بدون الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل لا تستحق ثمن التابوت الذي يجب أن توضع فيه.

ليست هناك تعليقات: