الأحد، تشرين الأول ٠٧، ٢٠٠٧

المثقف العربي بين ضرورات الوعي ومهام نشر اللاوعي: ناهض حتّر نموذجا

نقلا عن شبكة البصرة

علاء حسين الشمّري، ناشط سياسي عراقي
allaa-irq(a)hotmail.com

كشفت تجربة الاحتلال الامريكي- الايراني للعراق عن الحالة المأساوية التي يعاني منها المثقف العربي بجوانبها السياسية والفكرية، خاصة اسلوب التعامل والتعاطي مع الصراع القائم على ارض العراق المحتل. لقد كان النقصان والزوغان الفكري هو السمة الطاغية على أغلب مقالات وتحليلات الكتاب والمثقفين العرب الذين أدلوا بدلوهم في قضيتنا المصيرية الراهنة وفي الجوهرمنها ثنائية الاحتلال والمقاومة في العراق. فغالبية المقالات تخبطت مابين تحليل صحيح واستنتاج خاطئ وبالعكس، الى ترديد للحجج الدعائية للادارة الامريكية (نشر الديمقراطية، حقوق انسان، واعادة بناء الخ)، الى أن وصل بعضها الى درجة تبني اركان جوهرية لخطاب مشروع الاحتلال السياسي.
من البديهي ان أي مثقف/سياسي وكل من يهتم بالشان السياجتماعي يفهم ويحلل كل صراع سياسي بغض النظرعن جغرافيته وفق منظومة فكرية ترتكز على منهجية للتحليل والتي من خلالها يستطيع الوصول الى الاستنتاج النهائي. لذلك تصبح المنظومة الفكرية للمثقف ومنهجيتها شرط أساسي ولازم لأي طرح يراد منه ان يكون متماسك وذو مصداقية عند القارئ.

لذلك فان معرفة الخلفية الفكرية للكاتب ضرورية جدا لسببين؛ الاول لكي تمكن القارئ من فهم النص المطروح أمامه من جهة، ومن جهة اخرى وهذا هو الاهم معرفة وإستيضاح قوة التوافق والانسجام أو التناقض بين طروحات الكاتب وبين مايدعيه من مرجعية كقناعة فكرية لازمة. لايوجد مثقف أو كاتب سياسي بدون مرجعية فكرية وحتى لو أنكرها أوإدعى إستقلاليته الفكرية. فكل مايكتبه أو يصرح به يخضع ويقع بوعي أو بلا وعي في منظومة فكرية محددة لها منهجيتها الملازمة لها. لذلك تصبح المرجعية الفكرية كالبوصلة في الصحراء تمنع المتاهات والمهالك وتجنب الطرق المعوجة. اما السبب الثاني لاهمية معرفة المرجعية الفكرية للكاتب فهو إستيضاح مدى توظيف النص المطروح لصالح أجندة سياسية محددة عن طريق إستغلال مرجعية فكرية محددة لتمريرها. من المتفق عليه إننا نعيش الان في أكثر وأكثف فترة مرت على البشرية أستخدم فيها التلاعب والتاثير الاعلامي (النص) على المتلقي بهدف دفعه لفهم وتبني قناعات محددة بعيدة تماما عن الواقع المعاش، أو لعرقلة وخلق حالة ضبابية حول صراع ما. ما يجري على الساحة العراقية والفلسطينية واللبنانية أمثلة حية لهذا التاثير الاعلامي!

أن دور وحيوية المثقف العربي في المرحلة الراهنة يتجلى في تأثيرات طروحاته السلبية منها والايجابية على ساحات المواجهة الرئيسية ولاسيما على الصراع القائم في العراق لسببين؛ الاول كون ان العراق اصبح الساحة الرئيسية للصراع القائم بين حركة التحرر العربية المتمثلة بالمقاومة العراقية، وبين الهيمنة الامبريالية المتمثلة بالاحتلال الامريكي. اما السبب الثاني فهو حالة الحصار والمقاطعة المفروضة على صوت المثقف العراقي المقاوم من قبل الاعلام العربي الرسمي، والخاضع تماما لاجندة الهيمنة الامريكية على المنطقة العربية. هنا تكمن أهمية المثقف العربي ودوره الاعلامي في فك ذلك الحصار من خلال نقل الصورة الحقيقية عن الصراع القائم على أرض العراق بهدف حشد وتعبئة الطاقات الشعبية العربية والعراقية وضخ المقاومة العراقية بدفع إعلامي وسياسي حرمت منه. أن قوة وفعالية دور المثقف تتوقف على وعيه وعلى معرفته لمهمته الاساسية كأداة للوعي والتعبئة. وابرز ملامح تلك المهمة يكمن في العمل على كشف وتعرية الواقع والعمل باخلاص على تمثيل مصالح طبقة معينة (المقصود هنا المقاومة العراقية وبرنامجها) بقصد خلق حالة تعبئة شاملة في مشروع المقاومة ودحرالاحتلال. هذا الوعي تجده جليا وواضحا في كتابات عدد لابأس به من المثقفين العرب أبرزهم الاستاذ حسن خليل غريب والدكتور ثائر دوري والدكتور إبراهيم علوش. حيث يلتمس القارئ العراقي والعربي حالة وعي تنقل حقيقة مايجري في ساحة الصراع، وتوافق وإنسجام بين مايؤمنون به من مرجعية فكرية وبين مايكتبونه خصوصا في مقالاتهم السياسية حول الصراع القائم في العراق، لكنه في المقابل تجد ذات الوعي غائب ومغيب لدى عددا من الكتاب من ضمنهم الاستاذ ناهض حتر.

ولأيضاح مانريد طرحه عن موضوع الوعي ونشر اللاوعي عند المثقف العربي سنتناول ثلاث موضوعات إحتلت حيزا كبيرا في مقالات الاستاذ ناهض حتر، وجميعها تخص الوضع العراقي الراهن- اي العراق المحتل. الموضوعات الثلاثة هي : الموقف من سياسة المحاصصة الطائفية، الموقف من "الحرب "الاهلية"، والموقف من شعار "المقاومة الممثل الشرعي الوحيد للشعب العراقي". سنقوم بهذا العرض مستشهدين بمجموعة إقتباسات من مقالات الاستاذ ناهض حتر، وهي في مجملها تعكس حقيقة مواقفه السياسية من تلك الموضوعات. يجدر الاشارة هنا الى ان الاستاذ ناهض حتر (يقدم نفسه كماركسي) حيث يعتنق الماركسية كمرجعية فكرية لحراكه السياسي.

الموقف من سياسة المحاصصة الطائفية:
ان الادارة الامريكية تدرك منذ البداية عدم شرعية الحرب والاحتلال، إلا انها إعتمدت وعملت على تشريع الاحتلال من خلال "العملية السياسية" و فرضها كأمرا واقعا على شعب العراق. لقد بنيت "العملية السياسية" على إتفاق ضمني بين الاحتلال من جهة والاحزاب العميلة المتعاملة معه من جهة اخرى. الاتفاق يرتكز على ركنين أساسيين: الاول هو قبول وتشريع الحرب والاحتلال من قبل الاحزاب العميلة في مقابل حصولها على السلطة السياسية الشكلية. أما الركن الثاني فهوعصب المشروع السياسي للاحتلال إلا ةهو سياسة المحاصصة الطائفية. لقد وظفت سياسة المحاصصة الطائفية كاداة لتحقيق ثلاث اهداف جوهرية ومترابطة:
الاول: ويكمن في السيطرة على المجتمع العراقي من خلال تطبيق سياسة فرق تسد الاستعمارية والمجربة سابقا- الاحتلال قسم المجتمع العراقي الى سنة-شيعة-اكراد واقليات اخرى.
الثاني: تحويل التناقض الرئيسي أي الصراع مع الاحتلال(شعب/مقاومة-احتلال) الى تناقض ثانوني(صراع عراقي-عراقي) بين المكونات الطبيعية للمجتمع العراقي- على معاييرالدين والطائفة والقومية.
الثالث: تهيئة وخلق أرضية سايكولوجية عند العراقيين لكي يتعاملوا مع مفردات سياسة المحاصصة (سني شيعي كردي) كمسلمات بديهية توظف لاحقا كهوية سياسية في خطة تقسيم العراق. هناك سبعة احزاب عراقية يعتمد عليها الاحتلال ويسمح لها فقط بحرية العمل السياسي، حيث جميعها وبلا إستثناء احزاب ذات اجندة طائفية عرقية حصرا!

كيف تعامل الاستاذ ناهض حتر مع أداة الاحتلال السياسية (سياسة المحاصصة الطائفية) الهادفة لتقسيم العراق من خلال تفتيت المجتمع العراقي؟
لقد رفض الاستاذ ناهض حتر "العملية السياسية" المبنية على سياسة المحاصصة الطائفية والمعمول بها في المنطقة الخضراء كنتاج لاحتلال غير شرعي! ونحن نتفق معه في هذا. لكنه بالمقابل بدأ يسوق ويروج ويكرس لسياسة المحاصصة الطائفية ومفرداتها من الجبهة المقابلة، أي من جبهة "مناهضة" الاحتلال وحكومته. هذة مجموعة إقتباسات من مقالات للاستاذ ناهض حتر؛
- "المقاومة العراقية الجبارة من حيث تكتيكاتها وقوة نيرانها وفعاليتها القتالية، اصطدمت هي الاخرى، بجدار تكوينها الطائفي، ولذلك، فهي لم تستطع تثمير انتصاراتها العسكرية، سياسيا."
- "المشهد السياسي في المناطق الغربية الشمالية، تحوّل ، جذريا، من هيمنة منظمات المقاومة السنية التي شنت القتال ضد الامريكيين منذ الغزو....". مقالة العراق افلت من الجميع.
- "من حسن الحظ أن البندقية المقاومة للاحتلال لم تسقط، فقد تناولها وطنيو وسط العراق وجنوبه، فاستمرت وتيرة المقاومة وتصاعدت.... ". مقالة شجون عراقية.
- "الخبر الأول يشير إلى أن ثقل المقاومة العراقية، ينتقل من السنة إلى الشيعة. و تراجع نشاط منظمات المقاومة السنية، مفهوم، جراء الضربات والمطاردات المتتالية وحرب الإبادة التي تعرضت لها على مدار السنوات الأربع الماضية". مقالة اصبحت المقاومة شيعية.
- "وفي العراق، المقاومة البطلة الذاهبة الى النصر سنية، لا تستطيع، كذلك، ان تحسم الصراع الداخلي مع سلطة شيعية!!". مقالة انتصار مجزوء.
- "هناك روايات متضاربة حول تدمير جسر الصرافية التراثي الذي يربط جناحي بغداد، السني والشيعي." مقالة الفصل الاكثر دموية.
الفقرات السابقة إقتباسات من مقالات الاستاذ ناهض حتر والمنشورة في الفترة من 28 -3-2007 ولغاية 15 -9-2007 على عدة مواقع من ضمنها موقع جريدة العرب اليوم. الملاحظ في هذة الاقتباسات التي اوردتها انها طروحات وقناعات سياسية راسخة وواعية حيث تتكرر بشكل اؤ بآخر في كل مقالة يكتبها الاستاذ ناهض حتر تتناول الشان العراقي!

ولوعاينا هذة الطروحات لوجدنا بينها قواسم مشتركة وتصب في فهم محدد وكالآتي:
اولا: ان المقاومة العراقية ماهي إلا مقاومة مذهبية ذو أجندة طائفية؛ مرة سنية ومرة شيعية.
ثانيا: ان المقاومة العراقية مقاومة مناطقية محصورة جغرافيا تنطلق وتقوى تارة في المناطق الغربية الشمالية لتخمد وتنتهي، بعدها تبدأ لتنطلق من جديد في الوسط والجنوب ولتصبح كما هي الان بنسبة خمسة وثمانين بالمائة من عمليات المقاومة.
ثالثا: ان الدافع وراء الدعم والاحتضان الشعبي للمقاومة ماهوإلا دافع مذهبي؛ مرة سني ومرة شيعي.
رابعا: ان الهوية السياسية للمجتمع العراقي هي هوية مذهبية/ طائفية.
من السهولة ملاحظة فرض وإسقاط مفردات المحاصصة الطائفية على الفعل المقاوم وتجزئة المقاومة العراقية ليس فقط مذهبيا، لا بل جغرافيا ايضا! وبشكل توافقي مع الخطوط الجغرافية لخطة تقسيم العراق.
السؤال هنا: لماذا يصر البعض ومن موقع الجبهة المناهضة للاحتلال على تقسيم شعب العراق وفرزه في قوالب طائفية/عرقية؟!

أن الاحتلال الامريكي للعراق ماهو إلا تكرار سياسات وتجارب الاستعمار الغربي لدول العالم النامية. الاختلاف الوحيد هو أن إحتلال العراق كان ومايزال الاحتلال الاكثر بشاعة وفاشية على مدى التاريخ البشري! المعروف تأريخيا ان قوات أي إحتلال تفرض سياسات ومصطلحات تخدم خطط سيطرة الاحتلال مرة باستخدم القوة العسكرية، وأخرى بقوانين وسياسات لأجبار الشعب المحتل على قبولها والتعامل معها ولتجعل منها قناعات، بهدف إستخدامها كسلاح اعلامي بوجه كل من يرفض الاحتلال- اي المقاومة وفصائلها.

لقد أسس الأحتلال الامريكي مجلس الحكم الانتقالي من خمسة وعشرين عضوا وفق محاصصة طائفية عرقية مقيتة وصلت الى حد ان سكرتير الحزب الشيوعي العراقي اختير كشيعي لتكملة النسبة الشيعية في ذلك المجلس المسخ!
اذن ومنذ هذة اللحظة التاريخية للاحتلال يجب النظر لسياسة المحاصصة الطائفية على كونها أداة إحتلال سياسية يجب رفضها كما يرفض الاحتلال.

إن فرض الاحتلال لنظام المحاصصة الطائفية /العرقية بقوة السلاح والتدمير على المجتمع العراقي المعروف بتأريخه العلماني وإنفتاحه القومي، لا يجعل من المجتمع العراقي بين ليلة وضحاها مجتمع مذهبي الهوية سياسيا، لسبب منطقي هو إن الاحتلال ومحاصصته الطائفية حالة طارئة. فلو نظرنا الى الخارطة السياسية في العراق ومنذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة 1921 لوجدناها خارطة ايديولوجية، وواقعا مغايرا تماما لما يريد الاستاذ ناهض حتر طرحه وتوصيله من خلال مقالاته. تلك المقالات التي تصب في جعل المذهبية/الطائفية معيارالفرز السياسي الوحيد في العراق. ان اوسع واكثف جذور الحركة السياسية الفكرية العربية نشأت في العراق، لدرجة وصلت الى حد تقاسم واحتكار حزبان علمانيان نفوذ خارطة العراق السياسية لفترة طويلة، وهما الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي منذ الاربعينيات ولحد الاحتلال في 2003. لقد وصلت حالة الاستقطاب السياسي الفكري في المجتمع العراقي لدرجة قل نظيرها في الوطن العربي خصوصا في الستينات عندما تقاسم الحزبان ولاء المجتمع العراقي؛ بين شيوعيين وبعثيين. حتى مناطق واحياء بغداد كانت تصنف سياسيا وفكريا! وفي المقابل شبه انعدام للاحزاب الدينية الطائفية العرقية!
((مناطق الفضل وباب الشيخ والاعظمية في العاصمة العراقية معروفة بين العراقيين كمعاقل للبعثيين والقوميين، بينما الثورة كانت معقل يتحرك فيه الشيوعيين))
لم يذكر لنا التاريخ العراقي المعاصرعن حالات تحول أوغلبان الولاء المذهبي على الولاء الوطني للفرد العراقي. على العكس كانت الهوية والشعورالوطني القاسم المشترك للعراقيين وهما الاقوى من الانتماء الديني(المذهبي) أوالعرقي. أن تجربة الحرب العراقية الايرانية ونتائجها هي خير دليل على تماسك وتضحيات جميع مكونات المجتمع العراقي وتغلب الانتماء العروبي والوطني على الانتماء المذهبي-الطائفي. هذا واقع عاشه العراق والعراقيين على مر الالاف السنين. فما الذي حصل لينقلب المجتمع العراقي على قناعاته الوطنية والايديولوجية الراسخة فجاة، ليستبدلها بهويات مذهبية بمجرد دخول قوات الاحتلال أرض العراق؟!
سؤال إستنتاجي: بماذا تختلف الطروحات التي يقدمها الاستاذ ناهض حتر في مقالاته حول المقاومة العراقية وطبيعتها (ليعكسها لاحقا وضمنيا على المجتمع ايضا) عن مصطلحات سياسة المحاصصة الطائفية المعتمدة من الاحتلال ومحاولات تكريسها، سوى كونها تنطلق من الجبهة المقابلة للاحتلال؟ سؤال الاستاذ ناهض حتر مطالب بالاجابة عليه.

الموقف من "الحرب الاهلية"
المقصود بمصطلح الحرب الاهلية الذي يتناوله إعلام الاحتلال في العراق ووسائل الاعلام الغربية هو حرب طائفية بين "السنة" و"الشيعة" في العراق. يجدرالاشارة هنا لشئ يغيب عن بال الكثير من المراقبين العرب وهو؛ ان عند متابعة التصريحات الرسمية تجد ان قوات الاحتلال والاعلام الغربي فقط من يتحدث عن "الحرب الاهلية" و"الحرب الطائفية"، بينما حكومة الاحتلال تتحدث عن شئ اخر تسميه المازق الامني في العراق!
أن الاستاذ ناهض حتر يتعامل مع المصطلحات السياسية تعامل إعتباطي وإنتقائي عند استخداماته المتكررة لمصطلح الحرب الاهلية مثلا! نقدم هنا نماذج مقتبسة من مقالات الاستاذ ناهض حتر:
- "وبالرغم من الفظائع التي ارتكبها المجرمون المذهبيون الظلاميون، سنةً وشيعة، فان الشعب العراقي، يتجاوز أنهار الدماء والتدخلات الاقليمية اللئيمة". مقالة شجون عراقية.

- "من المسؤول عن هذه الكارثة، أعني كارثة الحرب الأهلية الصغيرة في غرب العراق؟ انهم أنفسهم المسؤولون عن كارثة الحرب الأهلية الكبيرة في كل العراق... ". من مقال شجون عراقية.

- "ان ادعاء منظمات المقاومة السنيةـ بانها " الممثل الشرعي والوحيد" للشعب العراقي، يشكل، في ظروف العراق، وصفة للحرب الاهلية والتقسيم،". مقالة الاسلام العراقي المدني مجددا.

مما لاشك فيه ان الاقتباسات اعلاه توحي بوجود حالة "الحرب الاهلية "او"الطائفية" بين السنة والشيعة في العراق. السؤال المنطقي الذي يستوجب التوضيح هنا هو؛ ماهي شروط الحرب الاهلية؟ وهل مايحصل في العراق حربا أهلية/طائفية؟ هنالك شرطان ملازمان لحالة حصول الحرب الاهلية:
1. حالة إنقسام المجتمع الى قوتين متقابلتين على أساس الانتماء السياسي أو الديني أوالطائفي(كما حصل في الحرب الاهلية الاسبانية، واليونانية واللبنانية).
2. فرزالخنادق بوضوح بين المتقاتلين بلا غموض أو إرتباك.
فهل ينطبق هذان الشرطان على الصراع القائم في العراق؟ أترك الاجابة على هذا السؤال للاستاذ ناهض حتر.

ان مايحصل في العراق هو بالحقيقة وبمعاينة تجربة الاحتلال والمقاومة تاريخيا ليس إلا مرحلة متقدمة من مراحل الصراع والتحرير. مراحل بعضها مباشر وواضح والاخر غيرمباشر ومتخقي. إن مسالة إشتراك نفرا من العراقيين الى جانب المحتل امر طبيعي وحصل سابقا في كل حروب التحرير كما في الجزائر وفيتنام. فعلى سبيل المثال إستطاع الجيش الامريكي من تجنيد مليون جندي فيتنامي(تدريب ومعدات واسلحة) في جيش فيتنام الجنوبي، فلم ينظر الى حرب المقاومة الفيتنامية على انها حرب أهلية، بل على العكس كان هناك إجماع على انها حرب تحرر وطني!
لقد اكدت فصائل المقاومة العراقية بان الصراع القائم في العراق هو صراع تحرري وبين خندقين؛ خندق الشعب والمقاومة وخندق الاحتلال وادواته- اخرها تاكيد المتحدث الرسمي للجيش الاسلامي في مقابلة على تلفزيون الجزيرة يوم 16-9-2007.
فلماذا يصر الاستاذ ناهض حتر على ترسيخ قناعة الحرب "الاهلية" او "الطائفية" في العراق؟

الموقف من شعار "المقاومة العراقية الممثل الشرعي الوحيد لشعب العراق"
سوف نترك جانبا مسالة عدم شرعية الاحتلال وحكومته، والاستاذ ناهض حتر يقر بذلك ايضا. هنالك مسالة ضرورية يجب توضيحها لما لها من علاقة مترابطة بشعار "الممثل الشرعي الوحيد" إلا وهي مسألة تحديد شرعية التمثيل، ومن له حق شرعية تمثيل الشعب العراقي. هناك طريقتان للحصول على قدرة تمثيل الشعب، ومن خلالها يعبر الشعب بدعمه لهذة القوى الحية والممثلة لمصالحه؛
الاولى: من خلال الارادة الحرة بواسطة الانتخابات المباشرة- وهذا مستحيل في ظل وجود قوات الاحتلال.
الثانية: من خلال دعم الشعب لقوى التحرير المتمثلة في المقاومة العراقية أوالاشتراك بها، لكونها أصدق وأسمى تجسيد عملي للتخلص من الاحتلال.
دعنا نلاحظ كيف يفهم ويتعامل الاستاذ ناهض حتر مع شعار "المقاومة العراقية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب العراقي". اذا تركنا جانبا القراءة الخاطئة لبيان هيئة علماء المسلمين والذي كان محور مقالة الاستاذ ناهض حترالاخيرة سنجد موقفه من شعار"الممثل الشرعي الوحيد" ملخص بالاقتباسات التالية من تلك المقالة:

- "نقد شعار منظمات المقاومة القائل بانها " الممثل الشرعي والوحيد " للشعب العراقي،، في استعادة لبؤس الشعار الذي صاغته منظمة التحرير الفلسطينية وقاد الى تحطيم كفاح شعب فلسطين." مقالة الاسلام العراقي المدني مجددا.
- "ان ادعاء منظمات المقاومة السنيةـ بانها " الممثل الشرعي والوحيد" للشعب العراقي، يشكل، في ظروف العراق، وصفة للحرب الاهلية والتقسيم،" مقالة الاسلام العراقي المدني مجددا.

في البداية اود التعليق حول ذكر منظمة التحرير الفلسطينية في هذ السياق؛
لا اعرف لماذا يزج الاستاذ ناهض حتر بمنظمة التحرير هنا؟ هل هو لتصفية حساب سياسي مع المنظمة التي قادت نضالات الشعب الفلسطيني عندما غسل النظام الرسمي العربي ايديه من مسؤولية الصراع مع الكيان الصهيوني؟ أم بسبب تفعيلها ككيان سياسي شامل ياخذ على عاتقه تحجيم سلطة اوسلو الاستسلامية، ولهذا تستهدف الان بعد ان وضعت ضمن دائرة الاستهداف الامريكي؟ واخيرا هل تحتكر منظمة التحرير براءة اختراع هذا الشعار حتى تستهدف ويستهدف الشعار ايضا؟! التعليق انتهى.

في كل تجارب المقاومة والتحرير العالمية تم الاعتراف الصريح والمباشر من قبل كل القوى بان قيادة المقاومة المسلحة هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب المحتل، وكانت كل القوى السياسية تستمد شرعيتها من درجة قربها من إستراتيجية المقاومة المعلنة، وبهذا تكون المقاومة مصدر كل شرعية في البلد المحتل. هذا درس تجربة المقاومة الفيتنامية الاقرب والاكثر تشابها مع المقاومة العراقية، ليس فقط بسبب تشابه المحتل بل بسبب تكرار الاساليب السياسية والعسكرية ذاتها للمحتل (انتخابات، حكومة منصبة من قبل المحتل، جيش عميل، مناطق مسيجة ومعزولة، تهجيرللسكان، فرق موت الخ.). هناك تجربة اخرى واضافية ألا وهي انه خلال فترة قيادة جبهة الفيتكونغ للمقاومة الفيتنامية لم يسجل اي فصيل سياسي اوعسكري اي اعتراض او تحفظ لا على الشعارالمركزي: الممثل الشرعي الوحيد ولا حتى على قيادة الحزب الشيوعي الفيتنامي لتلك الجبهة!

لذلك فان الشرعية الثورية للمقاومة تصبح هي الشرعية الحقيقية والممكنة التي يصنعها الشعب في ظل وجود الاحتلال.هذة حقيقة كل حروب التحرير في الجزائر وفيتنام وكوبا والصين وغيرها. درس يجب الاتعاض به لكل من يريد التعامل مع الشأن العراقي!

هناك سبب اخر يخص الحالة العراقية حول ضررة التمسك بشعار "الممثل الشرعي الوحيد" الا وهو؛ انه بسبب حالة الاحتراب والتشرذم السياسي الموروث تأريخيا في الساحة السياسية العراقية، واضافة لظروف الاحتلال في استحالة قيام أي امكانية عملية للالتقاء العلني بين القوى السياسية الوطنية على برنامج سياسي مقاوم يصبح شعار "المقاومة العراقية الممثل الشرعي الوحيد" القاسم المشترك الوحيد بين العراقيين.

ان وصف الاستاذ ناهض حتر شعار "الممثل الشرعي الوحيد" بالبائس وتخليه عنه نهائيا، ماهو إلا مناورة لما يريد ان يطرحه من تمثيل بديل للشعب العراقي بدلا عن المقاومة العراقية! انا بالحقيقة لااعرف من هو ذلك البديل الذي يدور في خلد الاستاذ ناهض حتر؟ هل هوتلك ال "منظمة ماركسية علمانية ثورية" في الاهوار؟ او ذلك ال"مركز يساري ماركسي للمقاومة المسلحة" في منطقة نفوذ المرجعية الحوزوية، والذي سيفرز قيادة تاخذ على عاتقها تمثيل الشعب العراقي؟

الاستاذ ناهض حتر يشير باشارات سريعة ومقتضبة على ثوابت مبدئية كعدم شرعية الاحتلال والعملية السياسية، الاحتلال المزدوج للعراق، الاحزاب المرتبطة باجندة ايرانية، المقاومة الوطنية العراقية الخ. لكن بطريقة يمر بها مرور الكرام على هذة المواضيع الجوهرية! بينما المتبقي من المقالات بحدود90% تصب اما في خانة التشوية والتحريف للمقاومة العراقية وبرنامجها التحرري، أوالتسويق لقوى مرتبطة مع الاحتلال وعمليته السياسية، أو نقل صورة ضبابية ورمادية حول الصراع القائم، لدرجة تصبح ال10% من المواقف المبدئية بلا أي قيمة حقيقية في المحصلة النهائية، وليس اكثرمن عملية ذرالرماد في العيون!

قد يكون من المشروع هنا ان نتسائل؛ ماهو سر ومغزى تدخل بعض المثقفين العرب بخصوصية عراقية بحتة جدا مثل مسألة ادارة الصراع مع الاحتلال وادواته العراقية، وبشكل اقصائي لصالح جهات عراقية معينة مع تقديرنا لجهود داعمي المقاومة ومؤيديها من الاخوة العرب؟ خصوصا وان هذة المسالة لها علاقة بظروف العمل المقاوم على ارض المواجهة اليومية في العراق؟
ان من الصعب تفسير تعمد الاستاذ ناهض حتر واصراره على ضخ قناعات وطروحات هي في الحقيقة إما صدى أوتكريس لمفردات سياسة المحاصصة الطائفية أو للخطاب الاعلامي للاحتلال وحكومته، بمعزل عن فهم حالة المعاناة الفكرية عنده أوعند البعض، أو وجود أجندة خفية تضع المقاومة العراقية وبرنامجها التحرري ضمن دائرة الاستهداف السياسي للاحتلال!

نختم بتثبيت بعض الملاحظات المهمة:
1. إن الساحة العراقية هي ساحة الصراع الرئيسية بين حركة التحررالعربية المتمثلة بالمقاومة العراقية وبين الهيمنة الغربية المتمثلة بالامبريالية الامريكية، وهذا الصراع ليس حكرا على العراقيين، بل هو صراع مصيري يشمل البشرية جمعاء على قاعدة المقاومة والتحرير.
2. هنالك خندقان في ساحة الصراع العراقية، خندق المقاومة العراقية وفصائلها وخندق الاحتلال الامريكي الايراني وادواتهما المحلية والاقليمية. وعلى المثقفين العرب الاصطفاف مع أحد الخندقين وليس توسطهما!
3. المقاومة العراقية هي الممثل الشرعي الوحيد للعراق وشعبه. هذا الشعار حتمي وملازم لواقع؛ حرب-إحتلال-مقاومة. التجربة التاريخية تعارض وتناقض أي محاولة للقفز على هذا الشعار.

واخيرا، ان من يريد ان يتضامن مع المقاومة العراقية والعراق في دحر الاحتلال وادواته عليه اولا وقبل كل شئ أن ياخذ بالحسبان أن العراق وطن وشعب وتاريخ واحد وليس مكونات طائفية عرقية متناثرة هنا وهناك! هذا بمثابة الخط الاحمر الغير قابل للتجاوزعليه والتفريط به...!


ليست هناك تعليقات: