الأربعاء، تشرين الأول ٣١، ٢٠٠٧

ضبابية الرؤية الحمساوية

بقلم محمد رياض
كاتب عربي من فلسطين يقيم في أمريكا

ينتابني مغص معوي شديد هذه الأيام كلما رأيت طلة أحد قيادات ومنظري حماس على احد القنوات الفضائية, و ليس لتشكيلات وجوه الأخوة علاقة بالمغص لا سمح الله و لكنها تلك الكلمات التي تخرج من أفواههم فتثير الغثيان.
فحديثاًَ خرج علينا أحد الأخوة الحمساويين و أول حرف من أسمه ناصر الدين الشاعر ليتحفنا بقوله ( أن الوضع الحالي ليس الصورة التي يريدها الشعب الفلسطيني الذي في أمسّ الحاجة للوحدة والاستقلال) و أنه (لا يوجد أحد رابح، الوضع أسوأ حالا، لا أريد أن أقيّم الوضع الأمني الذي ربما يكون أفضل، لكن الوضع السياسي الإستراتيجي هو الأسوأ) , هل حقاًَ يفهم هذا القيادي الحمساوي ما يقول؟ هل يقصد ان غزة المحررة اليوم يجب أن تعود كما بالامس مكبلة بقيود سلطة أوسلو العميلة و قواها الامنية التي تقبض رواتبها مباشرة من الموساد و ال سي اّي ايه و ذلك لإنتاج وضع سياسي أفضل! و عن أية وحدة وطنية يتحدث الفيلسوف الشاعر! و هل يمكن أن تكون هناك وحدة بين وطنيين و عملاء! و هل سمع أحد منا عن قيام وحدة بين الثوار في الجزائر إبان ثورة الإستقلال و جبهة عملاء فرنسا, أم هل روى أحد لنا عن حزب الله أنه سعى لوحدة وطنية مع جيش لحد!
و هذا فلتة اّخر من فلتات هذا الزمن الرديء الذي صنع منه قيادياًَ في حماس و أسمه حاتم قفيشة و الذي أتحفنا بتصريح ناري يقول فيه (أنه ليس مع "الحسم العسكري في أي خلاف داخلي" مضيفا أنه "مع حل أي خلاف خلف الأبواب المغلقة، وليس عبر فوهات البنادق أو على حساب طرف دون الآخر)..., هل المسألة طوشة عائلية في إحدى حارات الخليل يا شيخ قفيشة... و تريد حلها بفنجان قهوة! أحقاًَ لا تدري أن ما حصل في غزة كان نتيجة حتمية لصراع طويل بين التيار الفلسطيني الثابت و االمقاوم و التيارالاّخر المتصهين و المفرّط, فإذا شاء الله أن تحسم المقاومة الصراع لصالحها تأتي أنت و تريد فرض تسوية عشائرية.
و لكن لماذا الإستغراب, ألم يصرح خالد مشعل و هو المفروض أن يكون الرأس الأكبر في حماس مراراًَ و تكراراًَ أنه (لا حل لتفاقم الأزمة الفلسطينية الداخلية إلا بالحوار). من قال لك يا مشعل أن الأزمة الفلسطيية ( داخلية)! فأنت إن تحاور عباس و فياض فإنك تحاور صوراًَ و تماثيل لا أكثر و يبقى الحل و العقد بيد السيد الصهيوني القابع في مكتبه في ( تل أبيب). إن كنت تريد الحوار ولا بد فلماذا تحاور العبيد؟.... حاور أسيادهم مباشرة. لكن على هونك أليس أسيادهم هم أعدائنا, أوليس حوارهم جريمة و حراماًَ؟ فبربك ماذا و من تقصد بدعوتك إلى الحوار!.
هذا من ناحية التصريحات, اما الإستراتيجيات على الارض فهي أكثر ضبابية. فحماس بعد فتح غزة لم تستوعب بعد أن ما فعلته كان تحريراًَ و أنها هي القوة المحررة و أن المندحرين كانوا أزلام المحتليين الغاصبين. بل يبدو ان هنالك من قيادات حماس من لا زالوا يتعاملون مع الواقع الجديد و كأنه سيطرة للحركة على نادي رياضي في إحدى المخيمات حيث تقتضي الروح الرياضية عدم إحتكار النادي و السماح للجميع باللعب. و لهذا سمحت حماس للأزلام التسووية بالبقاء بل و بالإستمرار في النعيق عبر الفضائيات و تنظيم المهرجانات و الصلوات و عقد الإجتماعات الخ, بل لقد بلغت الوقاحة بأزلام أوسلو بتحريض الإطباء و الممرضين على الإضراب عن العمل و هو الامر الذي لم يحدث طوال سنوات الإنتفاضة الاولى أو الثانية في ظل الإحتلال أبداًَ حيث كان القطاع الصحي يستثنى دوماًَ من الإضراب, و لكنه أي ( إضراب المستشفيات) حدث في غزة بفضل مجهودات مجرمي أوسلو و حلفائهم في الجبهة الشعبية مسبباًَ وفاة خمسة غزاويين ممن إحتاجوا لعمليات طارئة في ذلك اليوم.
و هكذا و بدل أن يتم إعدام الأطباء الذين رفضوا إجراء تلك العمليات الطارئة و بدل أن يسحل هؤلاء الاوسلويون المجرمون وحلفائهم من الرفاق الإتهازيين في شوارع غزة و بدل أن تشكل محاكم شعبية علنية و تبث على الهواء مباشرة لقيادات القوى الأمنية الفلسطيية العميلة لينعم الفلسطينيون برؤية جلاديهم السابقين و المسؤليين عن موت أبنائهم المقاوميين وقد علقوا على مشانق العدالة الثورية, بدلاًَ من كل ذلك قام مجلس حماس الشرعي بتوجيه الحركة نحو أن تعفوا و أن تصفح إحتذاءاًَ بالرسول الكريم الذي قال لأبي سفيان و بقية قريش في مكة حين مكنه الله منهم (إذهبوا فأنتم الطلقاء). طبعاًَ نسي أو تناسى سماحتهم أن أن أبا سفيان كان كافراًَ بإمتياز إلا أنه لم يكن أبداًَ (عميلاًَ) للروم أو للفرس.
وهكذا لم يحدث شيء و لم يبطش بأحد و بقي الأطباء القتلة على رأس عملهم و بقيت قيادات فتح و الشعبية و شركائهم حرة طليقة تجتمع و تعد لمصيبة و مصائب قادمة أخرى.
والحقيقة أن إعلام فتح قد نجح في لجم حماس منذ الأيام الأولى للنصر في غزة, فكلما أخذ أزعر كفاًَ على وجهه في غزة طنطن الإعلام الفتحاوي و المتحالف معه و الواقع في مناطق نفوذه و الخائف منه الأرض كلها من حوله, حتى باتت حماس تخشى التعرض لأي صعلوك خوفاًَ من ابواق الإعلام المضاد.
و اليوم لا زالت أزلام التسوويين تسرح و تمرح في القطاع و مرتبات منتسبي الاجهزة العميلة تصل كل شهر كاملة غير منقوصة من (تل أبيب) عبر طريق رام الله و هم في بيوتهم جالسون بإنتظار اليوم الموعود للتمرد الكبير لإرجاع غزة لسيطرة الموساد من جديد. كل هذا و مشايخ حماس تنظر و تعلم و تكظم الغيظ في القلب و تلتجأ إلى الله في صلواتها الطويلة المملة لكي يقينا كيدهم و يرده إلى نحورهم و يضرب الظالمين بالظالمين و يخرجنا من بين أيديهم سالمين, و كأن السماء تمطر ذهباًَ و فضة و كأن الله لم يضع في تلك الرؤوس عقولاًَ لتعرف كيف تتدبر أمرها.
و أغلب الظن ان عباس قد إستعان بأحدى الفتاحات البهائيات لتصميم عمل لعين لقيادات حماس يعميهم عن الرؤية إلى الأمام فلا يرون أمامهم إلا ضبابا كثيفاًَ يحجب عنهم رؤية مواضع أقدامهم, و هذا العمل اللعين أيضاًَ يحلي وجه عباس في عقول رؤساء حماس, ألم نرى كيف يستجدي هنية و مشعل مجرد لقاء عباس و الجلوس معه للحوار مع علمهم أنه عراب أوسلو و عميل لعين وسبب كل المصائب. مع أن الأمر يجب أن يكون بالعكس منطقياًَ فحماس هي من إنتصر وقهر و المهزوم في العادة يسعى للتفاهم مع الغالب و ليس العكس.
و كله كوم و مشروع خالد مشعل لإعادة تفعيل منظمة التحرير(سابقاًَ) الفلسطينية كوم, حيث يريد هذا الفارس العرمرم (و الذي لم يخبر الفروسية في أي ميدان بالمناسبة) إعادة تفعيل ال بي أل أووووووه, و إعادة التفعيل من وجهة نظر عبقرينا تعني إعادة توزيع المقاعد لتحصل حماس على حصة الأسد.... طيب ألم يعلم الأخ القائد أن هذه المنظمة عدلت ميثاقها للتخلى عن الكفاح المسلح و أنها إعترفت بشرعية إسرائيل على 75% من أراضي فلسطين الذي يريد القائد تحريرها و أنها أي المنظمة و قعت إتفاقية أوسلو المشؤومة و التي تلزم الفلسطينين بمنع المقاومة بل و قمعها أيضاًَ و بتنسيق إسرائيلي-فلسطيني, أولا يعلم مشعل أنه في القانون الدولي (إذا وقّع كيان إعتباري (المنظمة مثلاًَ) أو حكومة دولة على إتفاقية دولية فإن هذه الإتفاقية تعتبر نافذة و تلزم الإدارات اللاحقة للكيان الاعتباري و الحكومات الجديدة في الدولة), و لذلك فإن دخول حماس للمنظمة بعد الأتفاق على إعادة توزيع الحصص و المقاعد فقط و بدون التنصل من الميثاق المعدل و إعلان إلغاء ما وقعته هذه المنظمة من إتفاقيات مع أعداء الأمة يعتبر خيانة لله ورسوله و المؤمنين و الفلسطينيين و الرنتيسي وأحمد ياسين.
و بعد كل هذا ماذا يريد مشايخ حماس من الحوار مع عبد الشيطان و عن أية وحدة وطنية مع عملاء يتحدثون و عن أي تفعيل لمنظمة مكبلة بإتفاقيات دولية مهينة.

اللهم يا رب الأرباب أزل الضباب عن عيون أولي الألباب

ليست هناك تعليقات: