الأحد، تشرين الأول ٠٧، ٢٠٠٧

ما هي الأهداف الحقيقية للتصعيد الأمريكي الإيراني؟

إعداد: الكاتب والباحث طلعت "أبو عثمان أبو حاشية"/الأردن

تشهد المنطقة تصعيدا متعمدا ومخططا تقوم به الولايات المتحدة وإيران، مباشرة أو عبر أجهزتهما الخارجية ، لدرجة انه استحوذ على الاهتمام الرئيسي في المنطقة والعالم ! فما هي الأهداف الحقيقية لهذا التصعيد؟ وما هي حدوده؟ لتقديم جواب ينبغي ملاحظة ما يلي :

رغم حدة التصعيد بين الطرفين فان اتصالاتهما لم تنقطع ويهيئان لعقد اجتماع رابع رسمي بين السفيرين الأمريكي والإيراني في بغداد لمواصلة خطة تقسيم العراق، التي تم الاتفاق عليها بينهما.

و بعد أن تأكدت الأجهزة الأمريكية من أن الهزيمة محققة ولا مفر منها مهما حاولت أمريكا تغيير الخطط والقادة ، وبعد أن قدم الجنرال بتريوس والسفير كروكر تقريريهما وشهادتيهما أما الكونغرس الأمريكي ، وبعد أن بنا بوش على ذلك موقفه ، توفر غطاء من الدخان الكثيف لعقد صفقة إقليمية إيرانية أمريكية على حساب العراق والأمة العربية. إن الخروج الأمريكي من العراق يتطلب قبل كل شيء تنفيذ خطة تقسيم العراق إلى ثلاثة دول والتوقيع على عقد نفطي إستراتيجي طويل الأمد ، وهذان المطلبان الأمريكيان هما المقدمة الطبيعية للانسحاب وترك العراق فريسة للصراعات الداخلية المريرة بين دوله القزمة الثلاث ، وللصراعات الإقليمية العربية الإيرانية ، وبإشراف وضبط من قبل أمريكا.

ولأجل مواصلة الخداع وتضليل أطراف عراقية ، تريد أمريكا الحصول على دعمها وانخراطها في جهود عملية تضبط صلتها بإيران لصالحها ، بتحييد بعض القوى الداعمة لإيران داخل العراق وتعزيز قوة ردع البعض الأخر منها ، فان الشعار الذي تطرحه أمريكا لإقناع تلك الأوساط العراقية هو ضرورة ضرب إيران في العراق. إن ما تريده أمريكا في الواقع هو تقليم أظافر إيران في العراق وفي المنطقة وليس قصها وقص أجنحتها التي تحلق فيها ، ومن ثم فان مفهوم الصفقة بينهما مازال هو السائد وليس الانخراط في صراع أساسي.

فالمطلوب أمريكيا وإيرانيا خلط الأوراق في المنطقة كلها ، من خلال احتمال توجيه ضربات جوية وصاروخية انتقائية محدودة لإيران ، لان أمريكا بحاجة لكسب كل العديد من الأطراف العربية ، التي أذهلها قيام أمريكا ب(تقديم العراق هدية لإيران)، كما قالت تلك الإطراف ، ونتيجة لذلك أخذت تتخوف من النوايا الأمريكية الحقيقية فتحفظت في تعاملها مع أمريكا، أما الآن فان المطلوب أمريكيا هو إعادة تحشيد كل الإطراف العربية الممكن إقناعها بان تصطف مع أمريكا لضرب النفوذ الإيراني الذي تجاوز الحدود المسموح بها.

أما من جهة إيران فان تلوث وسقوط سمعتها في الوطن العربي والعالم الإسلامي نتيجة دورها المشين في غزو العراق وإثارة الفتن الطائفية المقيتة لأجل تقسيم كافة الأقطار العربية ، يجبرها على الإقدام على خطوة لتحسين سمعتها وتقديم حجج لمن كان يدعمها من العرب لاستئناف دعمها وتعزيزه. وهذا الأمر غير ممكن إلا عبر وسيلتين ، الاشتباك مع أمريكا في صراع محدود ، أو قيام حرب جديدة في لبنان أو بين سوريا وإسرائيل تتاح لإيران من خلالها الظهور بمظهر من يقاتل إسرائيل بالواسطة! إن التصعيد الخطير في لبنان وضد سوريا هو المكمل للتصعيد الخطير الأمريكي الإيراني.

إن الصدام الأمريكي الإيراني، إن وقع، فانه سيؤدي إلى اتفاق أمريكي إيراني على إقامة (شرق أوسط جديد) تكون إيران طرفا أساسيا فيه إلى جانب إسرائيل، مهمته إعادة رسم الخارطتين السياسية والسكانية للوطن العربي ، بطريقة تخدم الأهداف الأمريكية الإسرائيلية الإيرانية بالدرجة الأولى ، ويكون المتضرر الأكبر منه هو الأقطار العربية. وهذا التغيير يمكن أن يحدث عقب عاصفة صدامات عسكرية تشعلها عمليات القصف الجوي والصاروخي الأمريكية ، فترد إيران بضرب القواعد الأمريكية في المنطقة ومنشأت النفط العربية وهكذا تشمل الصدامات الخليج العربي والجزيرة العربية ، وقد تقترن بتغيير سياسي في إيران.

لذلك فان التصعيد مع إيران يقصد به التغطية على تطور الوضع العراقي والذي يتسم بسقوط الخيارات الأخيرة لكل من أمريكا وإيران في العراق ، من خلال الانتصارات العسكرية للمقاومة العراقية , وفشل مخطط إشعال فتنة شاملة بين فصائل المقاومة العراقية.

لقد أصبح جليا للإدارة الأمريكية من خلال تقارير جنرالات أمريكا في العراق بان الأسابيع والشهور القادمة ستكون حاسمة نتيجة إصرار المقاومة على التعجيل بحسم الصراع في العراق ووضع حد للاحتلال. وكان من أهم مؤشرات ذلك التصعيد الكبير في عمليات المقاومة وانضمام أبناء العشائر العراقية خصوصا في جنوب العراق ، بطريقة أوسع ، إلى المقاومة الوطنية في جهد شامل لطرد الاحتلال الذي وصل مرحلة من الإعياء لم يعد معها قادرا على خوض معارك شاملة ومتزامنة في كل العراق.

إننا ندعو الجماهير العربية ومثقفيها إلى الانتباه إلى اللعبة الإيرانية التي تنفذها مباشرة ، أو عبر أذرعها العربية ، والقائمة على استخدام الدم العربي والأرض العربية للدفاع عن إيران ومصالحها القومية. وهنا يجب أن نشدد القول على إن من غير المقبول الدفاع عن إيران وهي تحتل أرضا عربية في العراق والجزر والأحواز ، وتعمل وبشكل اخطر مما تفعل إسرائيل الآن لتغيير الهوية العربية للعراق وللأقطار العربية الأخرى. إن الموقف الوطني والقومي الصحيحان هما اللذان لا يفصلان موقف إيران في العراق ، وهو موقف دولة استعمارية معادية بكل ما تعنيه هذه الكلمة معنى ، عن موقفها من أمريكا والذي يقوم على التعاون معها وبنفس الوقت الضغط عليها لعقد صفقات على حساب الأقطار العربية. من هنا فان المطلوب الآن هو الإصرار على محاربة العدوين الخطرين للأمة العربية وبلا هوادة وهما أمريكا وإيران وتجنب الاتكاء على أحدهما ضد الأخر.

إن إيران هي الشريك الأساسي لأمريكا في احتلال العراق ، فدورها أخطر من الدور البريطاني بعد اللحظة التي تم فيها الغزو، فلقد بدأ الدور الإيراني بالتحول من الداعم إلى المشارك الأول لأمريكا ، والدليل هو أن الحكومة الثانية والثالثة للاحتلال تشكلت من أنصار إيران ووزارة الداخلية سيطرت عليها إيران ، وإعمال الإبادة والتطهير العرقي والمتستر بالغطاء الطائفي قامت بها أساسا عصابات إيران ، وبالأخص العصابة الإجرامية المسماة بجيش المهدي . هذه حقائق يعرفها ملايين العراقيين والعرب الأحرار، وألان بدأت أمريكا تعترف بها بعد أن أخذت إيران تحاول الحصول على مكاسب إقليمية في العراق والخليج وغيرهما أكبر وأخطر مما تريد أمريكا.

وفي ضوء ما تقدم , فإن إيران هي مخلب الوحش الأمريكي الإسرائيلي في العراق ، الذي لا نظير لوحشيته في كل تاريخ الوحشية في العالم لأنه الأشد وحشية وشراسة ، كما أثبتت تجربة وجود بيان جبر أو صولاغ وهو إيراني وزيرا للداخلية في ظل الاحتلال ، والذي سجل امتيازا عالميا باسمه في عالم التعذيب باستخدام (المثقاب) في التعذيب بثقب الجماجم والوجوه والأجساد حتى الموت. وفي ضوء هذه الحقيقة فان وضع إيران في الخط المواجه عدائيا لأمريكا مضلل تماما.

كما أن إيران تعمل على تقسيم العراق ، بتبنيها عبر الحكيم وغيره , شعار وخطة الفدرالية ، لأن تقسيم العراق يزيل من الخارطة القوة الأساسية التي منعت تمددها الإقليمي وتوسعها القومي ، رغم أن تقسيمه سيثير لها مشاكل مع القوميات المضطهدة في إيران ، ولكن إزالة العقبة العراقية أهم من أي مشكلة قد تواجهها إيران في الداخل بسبب تقسيمه ، خصوصا وأن أمريكا وإسرائيل تريدان تقسيم العراق قبل أي هدف آخر، وهو ما ورد في وثيقة الكاتب الإسرائيلي عوديد ينون وفي موافقة الكونجرس الامريكى على خطة لتقسيم العراق على أساس عرقي وطائفي.

وتنص الخطة التي صاغها ليزلي غيلب خبير السياسة الخارجية في إدارة الرئيس جيمي كارتر، علي وضع نظام فدرالي حسبما يسمح الدستور العراقي والحيلولة دون أن يتحول العراق إلي دولة تعمها الفوضى. وعلي تقسيم العراق إلي كيانات كردية وشيعية وسنية مع حكومة فدرالية في بغداد تتولي امن الحدود وعائدات النفط.

و لولا إيران لما نجحت أمريكا في إشعال الفتن والقيام بالتصفيات ضد عرب العراق ووحدتهم ، إذ لا توجد أداة عراقية لها تنظيم حقيقي يستطيع تنفيذ مخطط الاحتلال سوى التنظيمات الإيرانية ، أما فرق الموت غير التابعة لإيران فهي أقل أهمية وخطورة من تلك التابعة لإيران كما أثبتت التجربة الواقعية. وهنا, تسقط واحدة من أهم التعليمات الإيرانية لبعض المثقفين وأنصاف المثقفين العرب ، وهي الرد ، على من يقول بأن إيران شاركت بغزو العراق ، بالقول بأن حكومات عربية أيضا شاركت فيه , فلماذا تهاجمون إيران وتسكتون عن الحكومات العربية ؟ إن الرد بسيط وواضح وهو أن بعض الحكومات العربية التي ساعدت على غزو العراق ليس لديها مخطط خاص في العراق ، وإنما سهلت الغزو وخدمته بتسهيلات انتهت عند حصول الغزو ، وهذه الحكومات نتفق جميعا أنها بلا إرادة وطنية ، أما إيران فإنها دولة مستقلة أولا، وتدعي أنها ضد أمريكا وإسرائيل ثانيا، ولها مخطط ومطامع في العراق والوطن العربي ثالثا ، من هنا فان دورها لم ينتهي بغزو العراق ، كما هو حال دور بعض الأنظمة العربية ، بل ازداد خطورة بعد الغزو بتحول إيران من داعم ومسهل للغزو إلى شريك أساسي فيه ، والدليل هو أن القوة الثانية من بين قوى الاحتلال في العراق هي إيران وليس بريطانيا، فبريطانيا حجم دورها بوقوع الاحتلال وصارت حارسا للاحتلال فحسب ، أما إيران فأصبحت بالإضافة لكونها حارسا للاحتلال لصا يتحرك في كل الاتجاهات ليسرق العراق ويدمره لحسابه الخاص.

إذن الدور الإيراني في احتلال وتدمير العراق والعمل على تقسيمه دور أساسي كان تابعا للدور الأمريكي لكنه استقل عنه وأصبح منافسا له في تقسيم وتقاسم العراق.

إن من أشعل الفتن الطائفية طرفان أساسيان يكمل أحدهما الأخر وكلاهما يخدمان الغزو الأمريكي ، وهما الطائفية الصفوية والطائفية السنية التكفيرية ، فهما من تحركا مع أمريكا أو تنفيذا لأوامر أمريكا لتقسيم عرب العراق إلى سنة وشيعة، رغم أنهم كانوا موحدين طوال تاريخهم ولم تدخل هذه الفتنة إلا مع الاحتلال ، مع أن إيران قد حاولت إثارتها عندما وصل الخميني للسلطة خدمة لهدف قومي إيراني، وهو إقامة إمبراطورية إيرانية تشمل كل العالم الإسلامي وتعيد أمجاد فارس ، ولم يكن الإسلام سوى غطاء لخداع السذج. لقد وزعت إيران مليارات الدولارات في العراق والأقطار العربية ، خصوصا على النخب الإعلامية والسياسية ، من اجل تقسيم العرب إلى سنة وشيعة ، لان ذلك فقط هو الذي سيسمح بإلغاء العراق القوي والذي كان لقرون ولآلاف السنين السد الذي يمنع إيران من التوسع غربا ، وهو المجال الجيوبولوتيكي الحيوي الرئيسي لإيران وغرب إيران هو الوطن العربي.

ماذا نسمي هذا الدور الذي رأيناه في الواقع؟ هل هو دور طرف وقع في الخطأ؟ أم انه طرف يمارس الجريمة المنظمة؟ وما هو حجم هذه الجريمة؟ هل هو مجرد مساعدة وانتهى الأمر؟ أم انه دور مواصلة العمل على إنهاء قطر بكامله بتقسيمه وتشريد شعب بكامله؟ مما لاشك فيه أن الدور الإيراني هو دور طرف خطط لعمل كبير لعدة سنوات وهيأ مستلزمات النجاح ، ولم يكن مجرد أداة أمريكية على الإطلاق بل هو شريك كامل الشراكة التقت مصلحته القومية مع مصلحة أمريكا وإسرائيل في تدمير العراق تمهيدا لتقسيمه.كما تحاول أمريكا ألان

ليست هناك تعليقات: