الخميس، تشرين الأول ١٨، ٢٠٠٧

بطاقة معايدة سياسية للمقاومة العراقية وللقيادة العراقية

د. إبراهيم علوش

تتميز المقاومة العراقية عن غيرها: 1) بأنها قامت بالاعتماد على موارد محلية في زمن القطب الواحد دون دعم من أية قوة عظمى، 2) أنها وضعت حداً واضحاً بين الجد واللعب، فلم تسمح للميوعة بالانتشار في صفوفها تحت شعارات ركيكة مثل "الوحدة الوطنية" مع المتعاونين مع الاحتلال، أو "بناء الدولة" على 22% من العراق مثلاً بديلاً للتحرير، و 3) أنها تمثل نموذجاً فريداً ليس فقط في مواجهة المحتل والمشروع الصهيو-أمريكي، وفي الأداء العسكري الفذ، بل في استقلاليتها إلى حدٍ كبيرٍ عن القوى الإقليمية في المنطقة.

ولا يعود تميز المقاومة العراقية هذا لنهجها الواضح فقط، بل لعوامل موضوعية أهم مثل قوانين الجغرافيا السياسية، بالتحديد لحجم العراق الذي يتيح له أن ينهض بمقاومة بهذه القوة بموارد محلية أساساً، وهو الشرط المتوفر أيضاً للدول العربية الصغيرة، ولكن بدرجة أقل بكثير، ما دام لم يتوفر لها دعم إقليمي معتبر.

وبسبب حجم العراق وإمكانياته، ووزنه التاريخي والحضاري وموقعه، فإن انتصار المقاومة في العراق سيكون ذا أبعادٍ أكبر بكثير من نصر غيرها، مع أن كل نصر لأي فصيل من فصائل المقاومة العربية هو نصرٌ للأمة، وفخرٌ لها، وإضعافٌ لأعداء العراق، كما أن نصرَ العراق إضعافٌ لأعداء الأمة.

ومن الواضح أيضاً أن البنى التحتية للمقاومة العراقية تضرب جذورها في تاريخ الجيش العراقي كأحد أقدم الجيوش العربية في العصر الحديث، إن لم يكن أقدمها على الإطلاق، وفي التجربة العسكرية الكبيرة لمئات الآلاف من الشباب العراقي التي تكونت في خضم المعارك الطويلة مع التمرد الكردي، وفي حرب تشرين عام 1973، وفي الحرب العراقية-الإيرانية خلال الثمانينات، وفي المواجهة مع العدوان الثلاثيني عام 1991، وإبان احتلال العراق عام 2003. فالمجتمع المقاتل ليس كالمجتمع المسترخي... والمجتمع الذي فرض عليه موقعه ومشروعه النهضوي أن يدخل غمار الصراعات ليس كالمجتمع المتقاعس.

كما أن انطلاق المقاومة العراقية بهذه السرعة وهذا الزخم بعد الاحتلال مباشرة، وهو ما لم يحدث مثله أبداً في فيتنام والجزائر وجنوب لبنان وفلسطين وغيرها، مع كل المحبة والتقدير لتلك التجارب الرائعة في المقاومة، يدل بأن القيادة العراقية كانت تعد العدة للمقاومة بطرق غير تقليدية، وهو ما صرح به أكثر من مسؤول عراقي رفيع المستوى قبل الاحتلال، وبأن الشعب العراقي قد اتخذ قرار المقاومة.

وهكذا كان نشر السلاح وتدريب ملايين الناس العاديين عسكرياً من خلال القوات غير النظامية مثل فدائيو صدام وجيش القدس، وهؤلاء أصبحوا احتياطياً حقيقياً للمقاومة بغض النظر عن الفصيل الجهادي الذي قد ينتمون إليه....

وهكذا كان إصرار القيادة العراقية، فرداً فرداً، على عدم عقد أية مساومات مع العدو، وكان إصرارها على دعوة الناس للمقاومة ورفضها لأية صفقات تمس بسيادة العراق ووحدته، ولو كلفها الأمر حياتها وسلطتها، ومثل هذا الموقف المبدئي الصلب أفقد الاحتلال وأعوانه أي غطاء قانوني، مهما كان واهياً، لمشاريعهم السياسية، كما كرس مقياساً سياسياً واضحاً يصعب تجاوزه لأي كان...

فما دامت قيادة البلاد الشرعية ترفض الانخراط في الصفقات المشبوهة والمشاريع التسووية، فإن من يحد عن ذا الصراط المستقيم يصبح بعدها مجرد عميل أو ذنب صغير للاحتلال. ومع تقليص المنطقة الرمادية لا يعود هناك من بديل إلا المقاومة، ليس بهدف إيجاد مقعد على طاولة المفاوضات طبعاً، بل من أجل هدف بديهي عند كل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، إن كان البعض قد نسي، وهو هدف التحرير الكامل للأرض المحتلة، وكنس كل آثار الاحتلال بالكامل، وليس "التعايش" مثلاً...

وما زالت قيادات العراق الشرعية في سجون الاحتلال تُعدم رتلاً بعد رتل، دون أن يتزحزح فردٌ واحدٌ منها عن هذا الخط. ومع أن سقوط أي رمز ما كان ليُسقط المبدأ الذي كان يوماً يمثله، فإن أياً منهم لم يسقط، بل بقوا واقفين، فعاشوا واقفين، أو ماتوا واقفين، كنخل العراق، وبعضهم ينتظر وما بدلوا تبديلا.

ولكن المقاومة في النهاية من صنع الشعب العراقي وفصائله المجاهدة، والمقاومة ليست سلاحاً نارياً فحسب أو متفجرة، بل هي عقلية، وعقيدة جهاد، ومنهج في الحياة للأمة المقاومة... ومنهج في الموت للفرد المقاوم، وهي كلمةُ حقٍ وموقفٌ سياسيٌ صلبٌ، وهي صبرٌ جميلٌ في الأنواء العاتية أو في الرمال المتحركة، وهي جماعةٌ كفردٍ وفردٌ كجماعة، وهي يدٌ تفعل، وعقلٌ يعمل، وقلبٌ يُقبِل، وهي درجاتٌ كالإيمان، بعضها يؤدي إلى بعض كدرج السلالم. وهي الميزان الحساس في كل لحظة ما بين نور الوعي ونار الحماسة وبرد الضمير.

ولا نقول بأن المقاومة العراقية بلا أخطاء أو ثغرات أو خلافات، أو أنها لا تحتمل التطوير أو التحسين، ولكنها بطاقة معايدة يا كرام، إذن فلنهدها فقط لمن يقاتلون المحتلين، ودعونا ننهيها بالقول: كل عام وأنتم بألف خير يا أبطال المقاومة العراقية!


تعليق:

نعم والله, لا أحد يستاهل المعايدة في هذا الزمن العربي الردئ أكثر من المقاومة العراقية الصامدة البطلة في وجه المؤامرات والمكائد والجيوش المتعددة الجنسيات والمتعددة الأسلحة والمتعددة الكراهية والحقد للعرب خاصة والمسلمين المجاهدين عامة. المقاومة العراقية اليوم هي تاج العرب وعزهم وهي الشوكة الوحيدة القوية العربية النقية الباقية في حلق أنظمة الشر المتآمرة على هذه الأمة. أما آن لهذا الليل أن ينقشع وهذا الغيم الأسود أن يذهب مع الريح وهذه الوجوه الشريرة أن تيأس وتذهب ريحها الى بئس المصير؟
يا أرحم الراحمين يا الله, ارحمنا برحمتك وحبب قلوب المجاهدين بعضهم لبعض ضد عدو لا يعرف الخير ولا الرحمة ولا المحبة. أللهم سلحنا بعقيدة راسخة لا تعرف الهوان ولا النسيان ولا القبول بالشر ولا الطاغوت يا الله. أللهم حببنا ببعضنا وآلف بين قلوبنا وارحمنا وانصرنا على القوم الظالمين يا رب العالمين.

وكل عام والمقاومين من جميع الأديان والأعراق والألوان ضد أمة الشر بخير.

محمد شهاب

ليست هناك تعليقات: