الثلاثاء، تموز ٠٣، ٢٠٠٧

لا معطيات لاستهداف إيران قريباً


محمود كعوش
kawashmahmoud@yahoo.co.uk


يتواتر الحديث بشكل متواصل حول قرب حدوث مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" من جهة وإيران من جهة أخرى. وعادة ما يتم استقراء ذلك على ضوء التهديدات المباشرة أو المبطنة التي يتراشقها المسؤولون في واشنطن و" تل أبيب" وطهران من وقت لآخر بسبب البرنامج النووي الإيراني. ففي حين يدعي المسؤولون الأميركيون و"الإسرائيليون" بأن هذا البرنامج مخصص لأغراض عسكرية ويحذرون من احتمال أن يصبح مدعاة لسباق نووي حاد وخطر في "منطقة الشرق الأوسط" حسبما زعم الرئيس جورج بوش في "تهويل" أخير له، يصر المسؤولون الإيرانيون على أنه مخصص لأغراض سلمية فقط.

هذا ما يستدعي طرح العديد من الأسئلة أبرزها: هل حقاً أن الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد يعني ما يقوله في تصريحاته النارية التي تنطوي على تهديدات للولايات المتحدة و"إسرائيل"، وبالأخص الثانية؟ وهل حقاً أن إيران تقف على طرف نقيض مع البلدين يجعل منها هدفاً عسكرياً مقبلاً، وعرضة لمواجهة ما تعرضت له كل من أفغانستان والعراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وعملائها في العالم؟

إن نظرة خاطفة على مجريات الأحداث التي أعقبت تفجيرات 11 أيلول 2001 وبالتحديد تلك التي ترافقت مع الإعداد والتجهيز لشن الحرب على أفغانستان وصولاً إلى غزو واحتلال العراق ومواقف إيران منها وكيفية تعاطيها معها، تدلل بما لا يدع مجالاً للشك على أن إيران لم تكن في أي من تلك الأحداث في وضعية المتصادم أو حتى المتعارض مع الولايات المتحدة، ولم تشكل في أي وقت تهديداً لها أو عقبة في طريق تنفيذ استراتيجيتها الاستعمارية الجديدة الخاصة بالوطن العربي والعالم الإسلامي.

وبما أنه يتعذر ليّ عنق الحقيقة أو حجبها بغربال، فإن أحداً في إيران لا يستطيع أن يخفي تعاون بلاده مع الولايات المتحدة وحلفائها لإطاحة نظام طالبان في أفغانستان قبل ست سنوات، فقد قدمت إيران في حينه كل المساعدات اللوجيستية الممكنة لقوات الغزو الأميركية التي اجتاحت ذلك البلد، وأمنت لها منطقة الحدود الغربية الوعرة بمنعها أي تسلل ممكن إليها من قبل قوات طالبان، وحدث التعاون الإيراني ـ الأميركي في إطار صفقة علنية قضت بتقديم إيران كل الدعم الممكن لقوات الغزو الأميركية مقابل ضمان الولايات المتحدة منح "حزب الوحدة الشيعي" الأفغاني مشاركة مميزة في نظام حامد كرزاي العميل الذي أنشأته في كابول، إلى جانب تسهيل عملية إعادة اللاجئين الأفغان الذين كانوا في إيران إلى ديارهم.

وفي العراق، عجّل تواطؤ إيران "المسلمة" الذي توافق مع تواطؤ مماثل من قبل بعض البلدان العربية وحياد من قبل بلدان عربية أخرى في التهام بلد عربي ومسلم في عام 2003 من قبل قوات "الشيطان الأكبر" الذي درج نظام "الثورة الإسلامية" على التبجح بمعاداته له، في إطار واحدة من أسوأ عمليات اجترار الشعارات الاستهلاكية في التاريخ الإسلامي الحديث!! وبذلك ضمنت إيران من خلال الإفك السياسي والتواطؤ مع "الشيطان الأكبر" الخلاص من نظام عربي مجاور كان قد شكل مانعاً صلباً لتصدير ثورتها إلى الدول العربية وبالأخص دول الخليج العربي، وجرعها لبعض الوقت السم "الزعاف" بدفاعه المستميت عن الجبهة الشرقية للوطن العربي الكبير، الذي تحاول الآن استباحته من خلال تمددها المريب داخل العراق. كما ضمنت تعزيز حضورها فيه من خلال تعزيز أوضاع الأحزاب والشخصيات العراقية ذات النزعات الشعوبية والتي هي بالأصل إيرانية على حساب العراقيين العرب، ومن خلال إقامة قواعد استخباراتية ثابتة ومتنقلة لها في معظم المدن العراقية، فيما يمكن اعتباره " انتقاماً إيرانياً من الإسلام والعروبة في هذا البلد ماضياً وحاضراً". ودللت على ذلك الجرائم الوحشية والبربرية التي ارتكبها مجرمو " منظمة بدر" و"جيش المهدي" وما زالوا يرتكبونها حتى الآن بحق عرب العراق من السنة والشيعة ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً، بدعمٍ وتأييد من سلطات الاحتلال الأميركية الفاشية والقوات الاستخباراتية التابعة لإيران "الشقيقة المسلمة"!!

ولأن الفلسطينيين الذين يقيمون في العراق منذ نكبة 1948 والذين لا يتجاوز عددهم 25 ألف نسمة كانوا قد تشرفوا بمشاركة إخوانهم العراقيين العرب في الدفاع عن حدود العراق وعن الجبهة الشرقية للوطن العربي إبان حرب الخليج الأولى، فإن سيوف قوات "منظمة بدر" و"جيش المهدي" المسمومة سُلطت على أعناقهم بلا رحمة أو هوادة وبلا وازع من ضمير أو شفقة إنسانية، في الوقت الذي يسرح ويمرح فيه رجال وعملاء "جهاز الموساد الإسرائيلي" في طول وعرض العراق تحت سمع وبصر سلطة الاحتلال وحكومة نوري المالكي العميلة والاستخبارات الإيرانية.

وأّستذكر في هذا المجال ما كان قد قاله محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي في عام 2004 في رد له على تهديدات دراماتيكية كانت قد أطلقتها الإدارة الأميركية ضد بلاده، قال أبطحي آنذاك: "لولا الموقف الإيراني وإيران لما سقط نظاما طالبان وصدام حسين، ولولا الموقف الإيراني والجهود الإيرانية لما نجح مؤتمر روما الخاص بالقضية الأفغانية"، ويومها شكر وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول إيران "على رؤوس الأشهاد"!! وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ما ذهبت إليه بخصوص الموقف الإيراني من احتلال كل من أفغانستان والعراق، و"الطبيعة الخاصة" للعلاقات الأميركية ـ الإيرانية!!

وحتى لو سلمنا جدلاً بأن إيران تعيش مواجهة دبلوماسية وسياسية "حادة" مع الولايات المتحدة بسبب برنامجها النووي وما يُزعم حول مخاطره على "إسرائيل"، إلا أن هذه المواجهة لم ترقّ بعد إلى مستوى يمكن معه القول بأن البلدين يقفان على طرفي نقيض يجعل من التصادم أو التعارض بينهما أمراً حتمياً أو احتمالاً ممكناً في المدى المنظور. فإيران باعتراف الخبراء الدوليين قبل الإقليميين لم تنتج بعد القنبلة النووية، وهي ما تزال تتمسك بعضويتها في "معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لعام 1968". وحتى لو فكرت بإنتاج هذه القنبلة فإنها لن تتمكن من ذلك قبل نهاية عام 2009، باعتراف الخبراء الدوليين والإقليميين أنفسهم وبعض المسؤولين الكبار في الإدارة الأميركية.

بالاستناد إلى المعطيات سالفة الذكر، يتبدى لنا أن من السذاجة التوقف كثيراً عند تصريحات الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد وبعض المسؤولين الإيرانيين الآخرين التي تحمل تهديدات مباشرة أو مبطنة للولايات المتحدة و"إسرائيل" وإعطائها أكبر من حجمها، أو حتى أخذها على محمل الجد والنظر إليها بغير العين التي يُنظر من خلالها إلى تهديدات مضادة تصدر من الأخيرتين بين الحين والآخر. فكما أن تهديدات نجاد تصدر لأغراض استهلاكية بحتة، فإن التهديدات الأميركية و"الإسرائيلية" المضادة تنطلق لذات الأغراض أيضاً، الأمر الذي يجعل من السذاجة تصديق أن إيران مستهدفةً وأن احتمال مهاجمتها من قبل الولايات المتحدة أو "إسرائيل" أو كليهما أمر مطروح، حتى لو أعاد الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد وجميع قادة طهران من جديد طرح جميع الشعارات الاستهلاكية المعهودة ضدهما!!

فهذه المعطيات ومعطيات أميركية و"إسرائيلية" وإيرانية وإقليمية ودولية أخرى لا يتسع المجال لسردها الآن تقود إلى الاستنتاج بأن احتمال أن تصبح إيران هدفاً عسكرياً مقبلاً يجعلها عرضة لمثل ما حدث في أفغانستان والعراق أمر غير وارد في الوقت الراهن أو في المستقبل المنظور، إن لم يكن مستبعداً تماماً!!

ليست هناك تعليقات: