الأحد، تموز ١٥، ٢٠٠٧

التوطين وحق العودة.. الى المخيم


"فتح" السمكة التي خرجت من البحر..
تل الزعتر بإنتظار نهر البارد..

محمد لافي "الجبريني"

تطوع العديد من الكتاب والمحللين في الفترة الاخيرة لطرق أبواب الكتابة الساخرة بعد ان بدا لهم وجود حدث يستجلب تجريب هذا النوع، الذي غذته بعض الرسومات الكاريكاتورية في تواءم يدل، إن على نوع مستفحل من الجهل، أو على مزيد من التواطئ، لتشكيل وجهات نظر تكون أكثر سهولة في تقبل نتائج لاحقة إن تم لها الحياة. إثر المسيرات التي قام بها أهالي مخيم نهر البارد المهجرين حين طالبوا بالعودة الى بيوتهم التي دمرها القصف المستمر من قبل الجيش اللبناني.

ولعل المراقبين جهلوا او تجاهلوا الفكرة الاساسية التي اعتمد عليها المتظاهرين الفلسطينين لرفعهم شعار حق العودة الى المخيم، الذي إرتقى تحته أول شهداءه في وجه مشروع التوطين الذي يجري طبخه على نار حامية يعتم عليها بغربال التصريحات التخديرية.

فتيل لبناني لقنبلة فلسطينية
وإن كان واضحا من إجماع التصريحات التي يطلقها اللبنانيون جميعا على رفض فكرة توطين الفلسطينيبن، لإعتبارات عامة، او خاصة بكل فريق واتجاه سياسي في لبنان –خاصة نظرية التوازن الطائفي- فإن ذلك المشروع لم يعد بمنئى عن التطبيق، برزت تجلياته على أرض الواقع، الذي يتسارع بإتجاه فوضى جورج بوش "الخلاقة" التي كانت محتملة بين الحين والآخر، لتكون البداية في فرض أمر واقع جديد، الا ان المفاجئة ائت بأن تنفيذ مشروع التوطين لن يتاخر أكثر و جاء مواكبا لفكرة "الفوضى الخلاقة" بل وسبق الذروة المتوقعة لها، ها الصيف أو الذي يليه على أبعد تقدير.

فمنذ بداية أزمة نهر البارد في العشرين من أيار الماضي، والمواقف اللبنانية غير محسومة، حتى تصريحات زعيم حزب الله حسن نصرالله بإعتبار المخيم الى جانب الجيش اللبناني من الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها، بقيت في إطار الكلمة التي تعبر عن ثوابت حزب الله فقط دون تدخل مادي. ومع علمنا ان السياسة لا تعترف بالمبادئ، فلا مجال للشك أن كل الفرقاء اللبنانيين إختاروا أن يغرق الجيش في وحل هذا المستنقع وحده، والاستعداد بصمت للمرحلة المقبلة في أثناء مراقبة ما ستتمخض عنه قرارات السلطة (الآذارية)، التي تحاول إنتاج مشاريع فوضوية فلسطينية في لبنان تعطي المزيد من الذرائع، وتجبر الفصائل الفلسطينية على التخلي عن فكرة الحياد في الصراع اللبناني، عبر زجها في هذا الصراع، الذي كان أول من ارتضى الدخول فيه( فتح سلطان ابو العينين وعباس زكي)، حين لم تكتفي بتبرير ما يقوم به الجيش في المخيم من قتل وتشريد، بل و تنطعت للقيام بدور الشرطي داخل المخيمات، الامر الذي لا نتائج له سوى زج الفلسطينين في أتون الصراع اللبناني المسعر بأياد خارجية، وتخيلات وآمال تغذيها تيارات لبنانية عن إعادة النفوذ الفتحاوي الذي اضمحل داخل المخيمات، بعد سيطرة التيار الامريكي على الحركة إثر إستشهاد زعيمها التاريخي ياسر عرفات.

قاعدة امريكية مكان المخيم، بالقرب من سوريا!
وبالعودة الى ما يجري داخل الخيم منذ حوالي الشهرين، ويجري التعتيم عليه بشدة، فإن المعلومات الواردة من مصادر هناك تقول أن ما ينوف عن 80% من مباني المخيم قد دمرت بذريعة "فتح الاسلام" التي تؤكد بإستمرار أنها زجت في قتال لا مناص منه سوى الموت ، بإنتظار "السحق" الذي يتوعد به الجيش اللبناني المخيم -غير المعترف به من قبل الانوروا – في نسخة معادة أكثر تحديثا لما تم في 76 حين تم محو مخيمات تل الزعتر وضبية عن الخارطة، ودارت شبهات حول تواطؤ فصائلي لتنظيف المنطقة المسيحية من الوجود الفلسطيني، وهي إشارة تستحق التوقف عندها من قبل القارئ!!

ولا تبدو من نية لوقف هذه الحرب الا بتحقيق الهدف النهائي وهو تفريغ المخيم نهائيا، تدميره، ومن ثم إزالته عن الوجود وضمه الى الاراض القريبة المخصصة لبناء قاعدة عسكرية أمريكية تكون قريبة من الحدود السورية التي لا تبعد أكثر من 15كم وفق مصادر لبنانية.

وفي ذات السياق كان أمين سر منسقية حق العودة ورفض التوطين خالد الرواس قد كشف لصحيفة "الانتقاد" اللبنانية "أن هناك أفكاراً طرحت على بعض الفصائل الفلسطينية تتعلق باستبدال أرض مخيم نهر البارد بقطعة ارض خارج المخيم، وتحديداً في منطقة عكار بالقرب من مخيم البداوي، لكي ينتفي معها عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى المخيم مجدداً"، والغرض من وراء ذلك برأي الرواس "غايات سياسية خطيرة هدفها إفراغ مخيم البارد تمهيداً للإطاحة به وتدميره وإزالته عن الخريطة الجغرافية، وربطه بالمشروع الذي نسمع به وهو استحداث قاعدة عسكرية أميركية ومطار في القليعات بحيث يكون مخيم نهر البارد أو المنطقة التي يقع عليها المخيم امتداداً لهذا المطار المفترض".

ويضيف الرواس هنا "إن استحداث أي قاعدة عسكرية يحتاج إلى ذرائع ومبرارات أميركية كما هو حاصل في أفغانستان والعراق، وبالتالي فإن الإدارة الأميركية سوف لن تألو جهدا في خلق جو من التوتر الأمني على الساحة الداخلية ينبع مما يسمى التنظيمات الأصولية، وذلك بحجة محاربة الإرهاب

ولعل الخطورة تكمن هنا برأي الرواس "في كون هذه الأفكار طرحت من قبل بعض فريق السلطة، وتحديدا قوى بارزة في الساحة السنية، وذلك تطبيقاً للمشروع الأميركي الإسرائيلي، على اعتبار أن إزالة أحد المخيمات من الوجود تعني فقدان الرمزية التي على أساسها ارتبط اللاجئون الفلسطينيون بالعودة إلى ديارهم".

رأس العودة المطلوب
إذن فقاعدة توطين "اللاجئين" الفلسطينيين تبق هي حجر الاساس فيما يجري من أحداث، ربما متفوقة حتى على مشروع نزح سلاح حزب الله، أو إقصاء النفوذ السوري والايراني في لبنان، فالاستراتيجيا الامريكية تعي تماما أن الوجود السياسي لأي طرف معاد، يظل من السهولة بمكان زواله أو تغيره، طبقا لمستجدات عالية اخرى، فيما الوجود الكينوني "الجيوسياسي –الذي تمثله المخيمات الفلسطينية بطيبيعة الحال- هو العائق الاساسي في وجه تنفيذ المشروعات الكبرى، وعلى رأسها ما تسميه "الشرق الاوسط الجديد"، وتعيدنا نظرة خلفية الى التاريخ الى قناعة بسهولة إحداث التغيير السياسي، حين تمكنت السياسة الغربية من جر منظمة التحرير الى شعار الممثل الوحيد، ومن ثم الاستفراد بها في المحافل السياسية والميادين العسكرية، لتترك الفلسطينين خالي الوفاض من القيادات الثابتة.

إن ما يجري الان من دماء في مخيمات شمال لبنان، وما يتم بصمت وتواطئ في الجنوب والوسط يدل بيقين، أن لا طرف سياسي يمكن ان يعول عليه الفلسطينيون، الذين ينظر لهم دائما على اعتبارهم ورقة يمككن اللعب بها في الظروف الدقيقة، الا أن ما لينظر اليه بجدية هو حقيقة ان دخول الفلسطنيين هناك في الصراع، لن تكون عواقبه مفيدة لأي من الاطراف سوى الخارجية، التي بات يحلو لها اللعب بنظريات "الحزام القاعدي" الجهادي، المهدد للأنظمة العربية، والحجة التي تساعد المنتفعين وأصحاب رؤوس الاموال الليبرالية المرتبطة بالغرب الأقصى.


وبذلك ينتقل مشروع التوطين الى المرحلة التالية، التي تشمل المزيد من التضييق على الفلسطيين لتقبل أي حل تقدمه الدول الغربية، كالتوطين، بما يتضمن.. هجرة، او جوازات سفر فلسطينية مع حقوق كاملة وهو ما يجري الان لآهلي نهر البارد كما قال الرواس عبر اعطائهم حق التملك في عكار.


ليست هناك تعليقات: