الجمعة، تموز ٢٠، ٢٠٠٧

المسجد الاحمر.. دماء ، شرارة وثورة


المسجد الاحمر.. دماء ، شرارة وثورة
الهجوم وعلاقته بتقارير هيئة "راند" الامريكية
جليد نصر الجنرال هل يغطي بركان الجيش؟


محمد لافي "الجبريني"

إن وصفا دقيقا لما جرى في المسجد الاحمر بالتفاصيل المركزية فيه هو امر بالغ العبثية، في ظل سيطرة طرف واحد على ما ينشر من أخبار شحيحة، وهو ما اريد له حتى تتحقق الحماية للاهداف الرئيسية والفرعية لهذا الهجوم الدموي الذي لم يستطع تبريره إلا شركاء الجنرال مشرف بذات العبارة بشقيها المحلي والدولي.."محاربة الارهاب" و"المحافظة على سيادة الدولة" إذ ان دور الاعلام الموجه في مثل هذه الظروف هو ما يعول عليه جماهيريا بموازاة الفعل الحقيقي الذي سيكون موجها الى الخصوم تحديدا وهم هنا التيارالاسلامي الذي يشكل الاكثرية في المجتمع الباكستاني في مواجهة الاقلية العلمانية الليبرالية، وحلفها الاستراتيجي الحالي مع النظام الديكتاتوري الذي يمثله الجنرال برويز مشرف.

ثورة إسلامية، أم فوضى أمريكية؟
ورغم انتهاء المعركة فإن غبارها لم ينجل حتى الان وربما يكون بحاجة الى سنوات ليستطيع احد ما نبش بعض اسراره، التي سيكون النظام الباكستاني حريصا عليها، حرصه على وجوده على السلطة التي باتت تستنزف اسباب دعمها من الغرب الامريكي، بعد ان تنكرت للأسباب الشعبية التي فضلتها على نظام بوتوالسابق.

عملية المسجد الاحمر يتفق معظم المراقبين على فظاعتها وفظاعة نتائجها المحتملة، والغير مفهومه من برويز مشرف، الذي سيسهم بشكل اساسي في خلق لعنة لن تفارقه حتى موته، على اعتبار غياب النظرة الثاقبة التي تؤكد بجلاء قرب اندلاع ثورة اسلامية عارمة في البلاد لن تكون مريحة أبدا لمشرف وحلفاءه الداخليين والخارجيين، وهي الفوضى الخلاقة بنسختها الاسلامية هذه المرة.

وبالنظر الى الطبيعة الأيديولوجية لباكستان، نلاحظ انها من الدول الفريدة في العالم التي قامت على اساس عقائدي –الى جانب "إسرائيل"- والتي جائت ردا على شعور بالخوف من الهيمنة الهندوسية على شبه القارة الهندية فكانت إقامة دولة ذات طبيعة دينية هو الرد على ذلك. لقد وعى المؤسسون الاوائل للدولة طبيعة النفسية الباكستانية التي آمنت بأن ترابطها العقائدي أساس امنها الاجتماعي لدولة متعددة الاعراق، وان الجيش هو ضمانتها في مواجهة العداء الهندي المعلن، الذي اشتدت عدوانيته مع بروز قضية إقليم كشمير ذي الاغلبية المسلمة والصراع عليه مع باكستان التي جندت الفصائل المسلحة المقاومة لمواجهة خطر الاحتواء الهندي. ومع ذلك نجحت بعض القوى العلمانية في الامساك بزمام السلطة وتجلت في ذو الفقار بوتو الذي كانت من اهم اسباب بروزه تركيزه على تقوية الجيش في مواجهة الهند وهو من ظهرت في عهده القنبلة النووية الاسلامية، الا ان هزائمه الأخيرة امام الهنود كانت السبب الشعبي الاقوى لإلتفاف الجماهير خلف الجنرال ضياء الحق ذي النزعة الاسلامية، وهو من أسس للعلاقات الوطيدة بين المجاهدين في افغانستان، ودعم بروز القوى الاسلامية في باكستان التي أخذت تنمو بشكل جعلها القوى الرئيسية في البلاد.

الهروب الى الأمام
الصراع بين مشرف والقوى الاسلامية التي كانت ذات يوم حليفة له، لم تصل بعد الى اقصى فصولها بالمسجد الاحمر، فرغم ان القبائل التي كانت قد اعلنت التهدئة مع الحكومة في بلوشستان قد إعتبرتها لاغية، الأ أن الصراع كان قد بدا فعليا منذ الغزو الامريكي على باكستان، والذي دعمه مشرف بإنقلابه على حلفائه الاسلاميين.

الهجوم على المسجد الاحمر أراد منه مشرف ايصال رسائل في اتجاهات متعددة..
أولها. للادارة الامريكية، التي سربت غير مرة معلومات عبر وسائل الاعلام، عن نيتها تدمير مفاعلات باكستان النووية، خشية منها من وصول الجماعات الاسلامية الى الحكم، عبر الحديث عن تدريبات تقوم بها قوات كوماندوز امريكي على مواقع شبيهه بأماكن تواجد تلك المفاعلات، ومن ثم الغزل مع الهند، فأراد مشرف أن يكسب ثقة الادارة الامريكية آملا في البحث عن المزيد من الدعم بأداء المهمة عن القوات الامريكية، وحتى لا تحرجه مرة أخرى بتنفيذ عمليات مشابهة لتلك التي قامت بها في مناطق القبائل على مدى السنوات الاربع الماضية. وبطبيعة الحال فقد بات مشرف يعتمد على الولايات الامريكية في بقاءه بالسلطة وفي حال تخلت عنه فالصورة واضحة لما سيحدث له من قبل الشعب.

شعرة معاوية
الرسالة الثانية. يوجهها مشرف بطبيعة الحال الى الشعب الافغاني وأحزابه الدينية، ومفادها أنه قطع شعرة معاوية مع التنظيمات ومدارس الطالبان التي دعمتها الدولة ذات يوم، وأنه بصريح العبارة وبدون مواربة إختار الاصطفاف مع السياسة الامريكية، وهو القرار الذي لا رجعة عنه، وبمثابة الهروب الى الامام بعيدا عن الشعب الذي بدأ يجاهر بعداء راديكالي للجنرال، وهو ما ظهر بوضوح أثناء حصار المسجد وبعد تدميره واشتداد العمليات تجاه الجيش الذي تجاوز ضحاياه الخمسين خلال أيام قليلة.ومظاهرات التشييع التي لا وسيلة لمشرف للرد عليها سوى بالمزيد من القمع والقتل.

الاسلام.. الامريكي
الرسالة الثالثة. فيوجهها للشعب بعمومه، ضمن تساوق غير بريء مع تقاريرمنظمة راند الامريكية، التي شددت على فكرة محاربة الاسلام "المتطرف"، مفردة مئات الصفحات حول فكرة اعادة خلق دين اسلامي جديد يعتمد الاعتدال والطرق الصوفية الروحانية البعيد عن "المغالاة" او عن رغبة تطبيقه كنظام حياة، والخطير وما يبرز نفسه كحالة تقاطع مميز، هي تاكيداتها أن هذه عملية التغيير الفكري هذه يجب ان يكون التركيز عليها مبدأيا في اطراف العالم الاسلامي، في تلك المناطق البعيدة عن المركز والقليلة التأثر بالأفكار العربية المتطرفة، وذلك بعزله عن تلك الافكار وتعبأة فراغها بالافكار الأمريكية الجديدة، وهو بذلك يستغل التشويه الإعلامي للمحاصرين بمن فيهم الفتيات والنساء من رواد جامعة حفصة، اللواتي أصر على التذكيربتعصبهن وسذاجة تفكيرهن حين تم اختطاف بعض الصينيات العاملات في الدعارة، ومن ثم تشبيه الزعيم الهارب بالمهزوز والذي يستخدم النقاب للهروب، وهي اشارة غير بريئة تدخل في مرحلة الحرب على رموز التدين والحملة العالمية على النقاب، وتبقى تلك الفكرة عصية على التنفيذ تحديدا بعد تلك العملية التي أدت الى أثر عكسي سيكون أكثر فداحة اذا ما وصل الامتعاض الى العامل الاخطر في الموضوع وهو الجيش..

الانقلاب تحت انقاض المسجد
الجيش والمخابرات الباكستانية لا ولم يحظ يوما بثقة الادارة الامريكية، بل هو على الدوام مصدر قلقها وخوفها المستمر حتى بعد عملية المسجد الاحمر، فمعظم العمليات المشتركة مع باكستان كان نصيبها إما الفشل، وإما أن يتولاها الجيش الامريكي بنفسه ويبقي الوجود الباستاني فيها شكليا، وهو ما تؤكده تقارير عن عدم اعتماد الادارة الامريكية على تقارير باكستانية قد تساعد في القبض على قادة القاعدة لخشيتها من وجود مؤامرة تشارك فيها الاستخبارات الباكستانية، ثم مرة اخرى نستذكر العمليات في مناطق القبائل التي كانت تتم دون أدنى تعاون مع الباكستانيين،فيما نذكر ان زيارةالمسؤولين الامريكيين لا تتم كما جرت العادة بالاعتماد والتعاون مع الاجهزة الامنية في البلد المضيف، فهي في باكستان تتم بتخطيط وتنفيذ القوات الامريكية فقط، رغما عن السيادة الباكستانية وكانت زيارة كلنتون الشهيرة خير مثال على ذلك الاستهتار حين تولى امن الزيارة المخابرات الامريكية دون اي اخطار لنظيرتها الباكستانية.، مما شكل غصة في الشعورالقومي حتى الان.

حاليا فإن السوء قد نال من الجيش الباكستاني، الذي بات العديد من ضباطه يتحدثون عن عدم تأييدهم لما قام به مشرف بإستثناء ؤلائك من حزب بنازير بوتو الوحيد الذي ايد مشرف على فعلته، خصوصا أن الكثير من كبار ضباطه ذوي خلفيات اسلامية والجذور القبلية، وأي تغيير جذري في بنية الجيش غير ممكنة بهذه السهولة مما ستدعي بقائهم والبقاء على خطرهم الذي فاقمه مشرف، خاصة وان الجنرال بات تحت رحمة جيشه المعتاد على عمليات التغيير والإنقلاب، حين تمس كرامته، كما حصل مع ضياء الحق، وبعد ذلك مع حليفته الحالية بوناظير بوتو.

المسجد الاحمر سيكون علامة فارقة في التاريخ الباكستاني مهما جرت الاحداث، ومجرد وجوده في الطريق الرئيسي الذي يجب على مشرف سلوكه لقصره سيعني الكثير في المستقبل، وصيحة الشيخ عبد الرشيد غازي إمام المحاصرين المقتولين تتردد، "إنا لن نسلم أنفسنا لأننا لسنا ارهابيين، وأن دمائهم ستكون الطريق الى الثورة الاسلامية" ذلك الشعار الذي سيستلهم منه مقاتلو القبائل والمنظمات ثورتهم القادمة على برويز.

ezza3tar.spaces.live.com


ليست هناك تعليقات: