الأحد، تموز ٢٩، ٢٠٠٧

بين الأردن وبلغاريا

الدكتور عزت السيد أحمد

قصة الممرضات البلغاريات باتت معروفة للقاصي والداني، ولا بأس من التذكير بالقليل لما في الذكرى من فائدة.
نحو مئتي طفل ليبي حقنوا بإبر الممرضات البغاريات الملوثة بفيروس الأيدز/ السيدا، وقد تبين أنَّ تلويث الإبر بهذا الفيروس لم يكن عن خطأ ولا عن سوء تقدير، ولا محض مصادفة، وإنما هي عملية مدبرة، مخطط لها، مقصودة.
بعد ثبوت التهمة بالأدلة والبراهين كما أطلعتنا وسائل الإعلام حكم بالإعدام على هواتي الممرضات والطبيب الفلسطيني الشريك بالعملية، والحكم باإعدام على قاتل عدل شرعاً وقانوناً.
هناك جريمة واضحة، مخطط لها، ومع ذلك فقد ثارت ثائرة العالم من الشرق إلى الغرب، واحتج العالم الغربي كله على ليبيا لأنها حكمت بألإعدام على من قتل مئات الأطفال، على من حكم بالموت على مئات الأطفال، ووضع هؤلاء الأطفال على النعش وهم أحياء.
العالم الغربي كله احتجَّ، والعالم كله راح يتوسط لدى العقيد القذافي، والعالم كله راح يضغط على ليبيا لتخفيف الحكم عن الممرضات البلغاريات، ولم يناضل أحد أقل نضال من أجل الطبيب الفلسطيني الشريك في العملية.
العالم الغربي كله يضغط على ليبيا لمنع إعدام المجرمات على الرغم من ثبوت إجرامهن بالأدلة، فالعالم الغربي كله يراهن بريئات، بريئات لأنهنّ أوروبيات قتلن عرباً، أي أنَّ من يقتل العربي بريء مهما كان سبب ارتكابه الجرم، في حين أنه عندما يجرح عربي شعور غربي ولوخطأ فإنَّ إعدامه حلال، بل واجب، حتى ولو كان فعله عن غير قصد، ولسنا بحاجة للأمثلة فإننا نعيشها، ألم يقتل البريطانيون برازليًّا لأنه يشبه العرب، قتلوه من دون ذنب، ذنبه أن شكله يشبه العرب، ومن يشبه العرب فهو موضع شبه، وأي حركة تجعل قتله حلالاً بل واجباً وطنيًّا، ولا يحق لأحد أن يعترض، وليس على القاتل أن يعتذر, ومثل ذلك كان شأن الهندي الذي قتله الأمريكان عقب أحداث أيلول، قتلوه لأنَّ له لحية تشبه لحية العرب، ومن له لحية تشبه العرب فإن قتله حلال، بل واجب إنساني...
قتل العرب واجب إنساني، لأنَّ قتل أي عربي يخدم الإنسانيَّة، ولذلك كان الدفاع الماجد من العالم الغربي عن الممرضات البلغاريات، واستمر الضغط والاحتجاج حتى ألغي حكم الإعدام، وعندما ألغي حكم الإعدام واكتفي بالسجن لم يقنع العالم الغربي بذلك فقد استمر الاحتجاج والضغط من أجل الإفراج عنهم، ليقولوا إنَّ دماء مئات الأطفال الذين دفنوا وهم أحياء على أيدي هاته الممرضات لا قيمة له ولا معنى.
استمر الضغط، وتم الاتفاق على نقلهم إلى بلدهم ليكملوا هناك مدة السجن التي حكموا بها، وبالفعل نقلت السجينات على طائرة خاصَّة إلى بلغاريا على أن يدخلن السجن ليكملن مدة الحكم.
ولكن الذي حدث ليس مخالفاً للتواقعات، فقد استقبلت المجرمات استقبال الفاتحات، البلغار كلهم كانوا بالانتظار ومعهم أكاليل النصر والفخر بإنجاز هواتي الممرضات.وأصدر الرئيس البلغاري على الفور مرسوماً بالعفو عنهن، ولم يدخلن السجن لحظة واحدة. والغريب أنَّ الرئيس القذافي أمر بأن يحتج على قرار العفو، وكأنه كان يتوقع أن يدخلنه فعلاً!!
هذا يعني تماماً ما أكدناه غير مرة: إنهم يعدون قتل العربي واجباً وطنيَّا، بل واجباً إنسانيًّا؛ من يقتل عربيًّا يقدم خدمة للإنسانيَّة يجب أن يكافئ عليها.
عادت المجرمات البلغاريات إلى بلدهن على وعد أن يدخلن السجن لقضاء فترة الحكم ولكن البلغار احتفلوا بهن، وأفرجوا عنهن.
في المقابل من ذلك تماماً نجد الأسرى الأردنيين في الكيان الصهيوني، لم يؤسر هؤلاء الأردنيون لأنهم يهربون الحشيش، ولا لأنهم يتآمرون على نظار عربي، ولا لأنهم فارون من العدالة، لقد أسرهم الكيان الصهيوني لأنهم مناضلون ضد الاحتلال الصهيوني، وبقوا في الأسر سنوات من دون أن يطالب بهم أحد، ومن دون أن يهتز لهم ضمير أيِّ حكاكم عربيٍّ، بل دعوني أقل إن المواطن العربي لم يكن يعلم بهم، ولذلك بقوا في السجن سنوات وسنوات، ولولا الفضائح الإعلامية في السنوات الأخيرة لما علمنا بهم، ومع ذلك لم تضغط الحكومة الأردنية، ولم تطالب بهم...
لسبب أو لآخر أفرج عنهم الكيان الصهيوني، انتهت مدة الحكم عليهم تقريباً، واقترب الإفراج النظامي عنهم، وأراد الكيان الصهيوني أن يهدي المملكة الأردنية هدية في هذا الزمن الصعب فأفرج عن بعض الأسرى الذين اقترب الإفراج عنهم، فدخلوا الأردن.
كيف دخلوا الأردن وهم المناضلون المدافعون عن كرامة وطنهم؟
بدل أن يستقبلوا استقبال الفاتحين، وبدل أن ينقلوا من الحدود ومواجع السجن إلى قصر يستريحون فيه ويكرمون ويحتفل بهم الناس نقلوا إلى السجن الأردني. سجنوا في الأردن الذي كانوا يدافعون عن كرامته وعزته، سجنوا في الأردن الذي يجب أن يكرمهم ويحتفل بهم، سجنوا في وطنهم على الرغم من أنهم قضوا مدة السجن التي حكموا بها ظلماً وعدواناً في الأرض المحتلة. سجنوا وحقهم أن يكرموا!!
هذا ما حدث في الأردن، وهذا ما حدث في بلغاريا
فكيف ينهزموا ولا ننهزم؟
وكيف ننصر ولا ينتصروا؟
بل كيف أن يمكن أن ننتصر وهذه عقليتنا؟

مع تحياتي

الدكتور عزت

ليست هناك تعليقات: