الأربعاء، تموز ٠٤، ٢٠٠٧

التدويل والسيناريوهات المحتملة في قطاع غزة

د. إبراهيم علوش

إعلان محمود عباس في باريس يوم 29/6/2007 أنه اقترح على رئيس الوزراء الفرنسي ساركوزي، وعلى رئيس الحكومة الصهيونية أولمرت، وعلى الأمين العام للأمم المتحدة بوكيمون إرسال قوات دولية إلى قطاع غزة يمثل واحداً من السيناريوهات المرجحة لمواجهة سيطرة حماس على القطاع.

وإذا كان موجة التدويل في المنطقة، من لبنان إلى السودان، هي الموجة التي يسعى محمود عباس إلى ركوبها، فإن الخيارات الأخرى، غير خيار التدويل، بغض النظر عن أرجحية أي واحدة منها، تتراوح ما بين الخيار العسكري الصهيوني، أي اجتياح الكيان الصهيوني للقطاع، وخيار "التعريب"، أي وضع قوة فلسطينية في مقدمة قوة مصرية، تحت غطاء رسمي عربي، للسيطرة على القطاع.

وهناك أيضاً احتمالية فرض حصار طويل المدى على القطاع لخلق حالة من النقمة يمكن أن يوظفها الطرف الأمريكي-الصهيوني وأذنابه في إنتاج حالة شعبية مناهضة لحماس تعززها عمليات إرهابية بكل ما للكلمة من معنى ضد حماس والشعب الفلسطيني في غزة، وهو الخيار الذي طبقته حكومة الولايات المتحدة في العراق خلال التسعينات وفي نيكارغوا خلال الثمانينات، ومشكلة هذا الخيار أن نتائجه بطيئة وغير مضمونة، ويمكن أن يؤدي إلى تجذير موقف حماس، بالرغم من سهولة تطبيقه بالنسبة للطرف الأمريكي-الصهيوني وأذنابه.

ويمكن أن نضيف إلى هذه السيناريوهات، مرة أخرى بغض النظر عن إمكانية نجاح مثل هذا الاحتمال، محاولة إبراز "تيار معتدل" من داخل حماس يستعد للقبول بشروط الرباعية المعروفة وللدخول في لعبة الحوار والتفاوض اللانهائي مع الطرف الأمريكي-الصهيوني بذريعة انسداد الآفاق، في محاولة لشق حماس من الداخل ونقل أزمة السلطة الفلسطينية وحركة فتح إلى صفوفها، وهذا التوجه ألمح إليه عددٌ من الكتاب الأمريكان والصهاينة منهم مثلاً روجر كوهين في صحيفة الهيرالد تريبيون كما جاء في ترجمة مقاله في صحيفة "العرب اليوم" الأردنية يوم 29/6/2007.

ومن المفهوم أن مزيجاً ما من السيناريوهات الأنفة الذكر يمكن أن يطبق بشكل متوازي أو متسلسل، فالتوجهات الإستراتيجية غالباً ما تقوم على إيجاد خيارات متعددة ليتم اللجوء إلى أكثرها ملائمة في اللحظة المناسبة، ولا تقوم بالضرورة على الالتزام الحرفي بنص مكتوب ينفذه السياسي كما الممثل في فيلم سينمائي أو مسرحية.

على كل حال، ربما يكون اجتياح الكيان الصهيوني للقطاع وإعادة احتلاله السيناريو الأفضل لحماس، لأنه يفرض عليها التحول الفوري إلى قوة مقاومة ميدانية يومية، ويحشد الشعب العربي الفلسطيني في الداخل والخارج من حولها، ويعفيها من مسؤولية حل المشاكل المعيشية الرهيبة لأهل القطاع في ظل الحصار الخانق، ولذلك يمكن القول أن هذا السيناريو ليس الأكثر ترجيحاً في اللحظة الحالية، دون أن يمنع ذلك الكيان من ضرب القطاع بعنف، والتوغل فيه، ولكن دون إعادة احتلاله.

أما بالنسبة لخيار "تعريب الحل"، أو تعريبه وتدويله معاً، حسب النموذج السوداني في دارفور، فقد يواجه عقبة سورية في الجامعة العربية، إلا إذا جرى تطبيقه بالتوافق مع سوريا وحماس. وهو ما يعني أن تم أن صفقة ما قد جرت من خلف الستائر، وهو ما يضعف حماس جماهيرياً ويحملها مسؤولية تاريخية وسياسية كبرى إن تراجعت عما أقدمت عليه في غزة لتوافق عملياً على ما كانت ترفضه قبل الحسم مع أجهزة السلطة في غزة. ومن الضروري الانتباه للدور الذي ستلعبه السعودية في هذا المضمار.

والقاسم المشترك في كل هذه السيناريوهات أنها تضع حماس في موقف دفاعي. فلا بد أن يكون لحماس إذن خطة سياسية هجومية تقوم على التمترس المبدئي في المربع الأول عن طريق: 1) الإعلان أنها ليست معنية بأية سلطة، بل بنهج المقاومة، 2) التوجه نحو قواعد التنظيمات الفلسطينية كافة، وعلى رأسها قواعد حركة فتح، ولجماهير الشعب العربي الفلسطيني في الداخل والخارج لتأكيد الالتزام بعروبة كامل فلسطين وبنهج العمل المسلح والاستشهادي، 3) تحميل العرب والمسلمين كافةً مسؤولية دعم الجهاد في فلسطين.

فطالما بقي غموض فيما تريده حماس (سلطة أم مقاومة)، ستبقى حماس محاصرة في غزة، فإذا أزيل هذا الغموض، قد تفك حماس الحصار بالاندفاع إلى قلب كل الشرفاء في التنظيمات الفلسطينية، وعلى رأسهم الشرفاء في فتح. فلو تمكنت من إيجاد صيغة ما للتعاون الميداني ضد العدو الصهيوني مع المقاومين في فتح والجهاد والشعبية وغيرها من الفصائل، ومن تثبيت موقف سياسي واضح يتجاوز الفصائل وعصبياتها الجاهلية، سيصبح مشروع التدويل-التعريب-الحصار-الانشقاق هو المحاصر.

ليست هناك تعليقات: