السبت، تموز ٢١، ٢٠٠٧

لماذا يقض الإسلام مضاجعهم

يتبع المقال ردّ للأخ ابراهيم علّوش أدناه

- لجنة الاشراف على المدوّنة
______________


بقلم: محمد رياض

لا يخيف الغرب و كل طواغيت البشر شيء مثل الإسلام الثوري الصحيح, فالإسلام هو القوة الخارقة الوحيدة القادرة على توحيد العرب و تفعيلهم وإعادة إحياء إمبراطوريتهم من جديد و كل ما عداه من أيديولوجيات و افكار لا تساوي ثمن الورق الذي تكتب عليه و مقدر لها الفشل المحتوم لإنها ببساطة اجنبية مستوردة و غير قابلة للنمو في صحرائنا العربية.
و أنا لا اتحدث عن إسلام الدشاديش القصيرة و البراقع السميكة فلست إلا جاهلاًَ بعلوم الاقمشة و التفصيل و كذلك لا أقصد بحديثي إسلام رضاعة الصغير و الكبير فانا لا أحب الحليب و كل منتجاته و لا أفهم كذلك ما يعنيه عمرو خالد بدعوات التعايش و السلام فقد علموني في كلية القانون أن التعايش مع المجرمين و القتلة حماقة بل جنون. و بسبب قلة أدبي و ضعف إيماني لا أقلد مرجعاًَ و لا شيخاًَ و لا عالماًَ و لا فقيهاًَ و لا أي ( معصوم). فكل هذه الأنواع المستحدثة من الإسلامات و الألهة لا تروق لي. و قد صدق فعلاًَ من سمى هذه الأديان (بالأفيون).
و لكني أعرف إسلاماًَ اّخر جاء به محمداًَ عليه السلام راعي الغنم المدقع بالفقر والذي كان مثلي لا يفهم بالأقمشة و بأنواعها و لم يكن بأناقة عمرو خالد و أبهته طبعاًَ و لم تكن عنده حوزة و مجامع فقهية و مقرات و سيارات و مواكب و أموال و غيرها من المترفات مما عند مولانا فلان وسماحة فلان و السيد فلان و التي لو أطلعت عليها باريس هلتون لماتت حسداًَ و قهراًَ لأنها ستعرف عندها كم هي فقيرة و مسكينة.
و لكن محمداًَ الفقير خرج لقومه ليعلمهم" أن لا فضل لأحدهم على الاّخر إلا بالتقوى و أنهم كلهم من اّدم و اّدم خلق من تراب". نزل هذا الأمي من غار حراء ليقول لزعماء قريش و مترفيها "أن للفقراء حق في أموال الأغنياء" حق و ليس صدقة و كان يعلن بين الناس "أن ليس منا من بات و جاره جائع" "وان أعظم الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر". و طبعاًَ لم يرق هذا الطرح لزعماء قريش و مترفيها و لكنه و جد قبولاًَ كبيراًَ بين العبيد و الفقراء و المحرومين منهم.
أعلم كذلك أن هؤلاء العبيد و الفقراء تحولوا و خلال مدة قصيرة جداًَ إلى فلاسفة يعلمون البشرية كيف يكون الحاكم مسؤلاًَ أمام رعيته و كيف يسري القانون على الكبير و الصغير و كيف يكون نظام التكافل الإجتماعي و كيف تصبح القوة ضماناًَ لحماية الحق.
أعلم أن هذه الروح و تلك التعاليم لم توحد العرب فحسب بل صنعت منهم مقاتلين يعشقون الموت و أطقت عنانهم ليسحقوا إمبراطوريتي الروم و الفرس و تستحضرني هنا قصة الصحابي غير المتحضر ابداًَ و الذي أصر ألا يدخل على كسرى في ديوانه إلا برفقة جمله حيث لم يتعود هذا البدوي أن يفارق جمله أبدا , وكان أن دخل مع الجمل ولم يخلع نعله فوق السجاد الأعجمي الفاخر و كسرى و الامراء تنظر بدهشة و هم الذين تعودوا ان يسجد لهم الناس إجلالاًَ و تعظيما, ثم يبادره كسرى بالسؤال لماذا جئتم لبلادنا و ماذا تريدون ان كنتم تريدون مالاًَ أعطيناكم و إن كنتم جوعى أطعمناكم, و هنا ينظر إليه الصحابي غير المتحضر بإحتقار و يقول له "جئنا لنخلص العباد من عبادة العباد" و يخرج, ليقول كسرى لمن حوله "هؤلاء قوم لا يغلبون". جملة الصحابي غير المتحضر تلخص رسالة الإسلام الثوري الحق لقوم يعقلون.
من بين هؤلاء غير المتحضرين خرج الخليفة عمر بن الخطاب و الذي علمه نبيه محمد أن التعليم و العلاج و نفقة كبار السن و الغير قادريين على العمل هي وظيفة من وظائف الدولة وواجب من واجباتها تجاه مواطنيها و أن مهمة جهاز المخابرات المركزي الرئيسية هي تفقد أحوال الرعية و معرفة المريض الذي يحتاج إلى علاج و الجائع المحتاج لما يسد جوعه و العاجز الذي يحتاج من يأخذ بيده لقضاء حاجته.
علم محمد هؤلاء الغير متحضرين ان ثروات البلاد القومية هي ملك عام و لا يجوز ان تكون ملكية خاصة لأحد( الناس شركاء في ثلاث :في الماء و الكلأ والنار) . كذلك فدين محمد هو الدين الاوحد في التاريخ الذي شرع القتال لدفع الظلم و إستعادة الحقوق (أذن للذين يقاتلون بإنهم ظلموا و ان الله على نصرهم لقدير).
علمهم محمد ان الفرقة حرام و النعرة القبلية حرام و الحدود و المعابر (ومنها معبر رفح) حرام و انهم (أمة واحدة) و لا يجوز أن يمر عليها أكثر من ثلاثة أيام بدون أن تتوحد على رئيس واحد تتبعه كل الامة اي أنها امة لا يجوز لها إلا أن تكون ذات سلطة مركزية واحدة.
بربكم لو جاء أحدهم في زماننا هذا بمثل هذه الأفكار أما كنا سنسميه تقدمي!.
و محمد هذا لم يكن عنصرياًَ و لا متعصباًَ ابداًَ فقد إنضم لدعوته الثوريون من كل ارجاء الأرض و أصبحوا من صحابته المقربين, صهيب الرومي وبلال الحبشي و سلمان الفارسي, و قد أقر بالحرية الدينية و العقائدية للجميع بإعتبارهم مواطنين متساويين في الحقوق و الواجبات (لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) و معاهدة المواطنة في المدينة مع اليهود قبل أن يغدروا و العهدة العمرية في القدس خير دليل.
و طوال التاريخ و مع أن الإلتزام بهذه التعاليم كان في صعود وهبوط ومع أن الأمة أبتليت بقياصرة و أكاسرة من جلدتنا أستعبدوا الناس إلا ان كل مؤرخ منصف يعلم علم اليقين أن روح الإسلام كانت دوماًَ القوة الوحيدة التي إستطاعت أن توحد العرب كلما تفرقوا كما في تجارب نور الدين زنكي و صلاح الدين الأيوبي و يوسف بن تاشفين (دولة المرابطيين) في بلاد المغرب العربي و ان أية أرض أغتصبت من العرب لم ترجع و أن أي إنتصار رئيسي على أعداء الأمة لم يكن ليحدث بغير روح الإسلام العبقرية و ما تصنعه في نفوس العرب. و اليرموك, القادسية, حطين, عين جالوت أمثلة. التاريخ المنصف يذكر مثلاًَ أن مصر كانت ستضيع حين غزاها لويس التاسع ملك فرنسا في الحملة الصليبية الثالثة و أن المماليك لم يكن عندهم جيش و لا ما يحزنون, حتى خرج الشيخ الأزهري العز بن عبد السلام ليخطب في الناس محفزاًَ إياهم على الجهاد و الأستشهاد حتى خرجت القاهرة ورائه عن بكرة ابيها إلى دمياط و ألحقت بالفرنسيين هزيمة فادحة و أسرت ملكهم لويس.
و في التاريخ الحديث نسبياَ ًكانت كل الثورات الكبرى إسلامية. عبد القادر الجزائري (الجزائر), عمر المختار(ليبيا), المهدي(السودان), عز الدين القسام(فلسطين)....و في ايامنا هذه و بعد إنحسار مؤقت في منتصف القرن المنصرم عادت الصورة لطبيعتها و التي كانت عليها منذ ألف و أربعمائة عام و رجع الإسلام ليكون العامل الحاسم و المسيطر و المحرك الأول في الشارع العربي. و من يظن غير ذلك فهو متوهم مسكين.
و لكن الغرب يفهم هذا جيداًَ و مؤسساتهم و مراكز دراساتهم تحذر من خطر عودة الإسلام الثوري ليوحد العرب من جديد
و لهذا فهم يعمدون إلى تفتيت الإسلام من الداخل و تشتيته إلى مذاهب و مدارس شتى و إثارة النعرات و الأحقاد بين أتباعه و كذلك يعمدون إلى توظيف إمعات و خون في مراكز دينية رسمية حساسة ليقوم هؤلاء بوهب البركة و صكوك الغفران للحاكم و زمرته فيحللون الفرقة و يباركون الحدود و يفتون بالسلام و التعايش و يا ليتهم يكتفون بذلك بل و يعملون على تحويل الدين الإسلامي إلى مسخرة بين الامم أولم تلاحظوا أنه كلما حلت مصيبة بالأمة خرج أحد أعلام المؤسسة الدينية الرسمية بفتوى مثيرة للجدل تستند إلى حديث موضوع رواه مفجوع.
و الاّن هل عرفتم لماذا لا أطيق سماحتهم...لأنهم و ببساطة يقفون سداًَ بيننا نحن الجماهير و بين دين محمد.
و هل عرفتم لماذا يقض دين راعي الغنم مضاجع الظلمة و الطواغيت (المتحضرين)....لأنه و ببساطة حين يرجع سيذهبون....

-------------------

الردّ:


أخي العزيز محمد رياض

تحية طيبة لكل من اتبع نهج المقاومة ومحاربة الظلم من القوى والشخصيات الإسلامية والوطنية والقومية واليسارية.

أما بعد، وبالرغم من أهمية التأويل الثوري للإسلام في تعبئة وتحريض قطاعات كبيرة من شعبنا، ودور الإسلام الذي لا ينكر في تحريك النزعة الاستشهادية، الكارهة للدنيا، في صفوف شبابنا العربي، فإن طرح القضية باعتبارها قضية دينية، وباعتبار الغرب يحارب ديناً بعينه، فوق وغير المصالح والاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، يحتمل قدراً من عدم الدقة وضياع البوصلة.

ولنلاحظ مجدداً أن الغرب، الذي يعبر في النهاية عن نخب تحكم وتسير النظام الإمبريالي العالمي، لا يعادي الدين عندما يخدم مصالحه.

والدلائل على هذا أكثر من أن تعد أو أن تحصى. من التحالف الذي أقامه مع المجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفياتي إلسابق إلى تسهيل حركة الإسلاميين في عدة أنظمة عربية متحالفة مع الولايات المتحدة عندما كان يتلقى القوميون والشيوعيون أظلم الأحكام، منهم من قضى زهرة شبابه في السجون في فترة الصراع مع حركات التحرر الوطني والقومي في بلادنا.

والدلائل المعاصرة أكثر من أن تعد أو أن تحصى أيضاً، والدليل أن الإدارة الأمريكية ليست لديها مشكلة مع الإسلاميين في الولايات المتحدة الذين يركزون على الشعائر من الحجاب إلى اللحية، ويطالبون بعطل لحضور صلاة الجمعة، الخ... ما داموا يتجنبون القضايا الحقيقية التي تمس مصالح الإمبريالية أو سياساتها.

ناهيك طبعاً عن المشايخ الذين يفتون ضد العمليات الاستشهادية، والذين يبررون "السلام" مع العدو الصهيوني وقتال المسلمين في صف القوات الأمريكية، وكيف يحتضن هؤلاء ويعطون المنابر.

إذن المشكلة في الإسلام الثوري بالنسبة للإمبريالية هي نفسها المشكلة في حركات التحرر الوطني، وفي كل دعوات التحرر السياسي أو الاجتماعي، وهي أن الإسلام الثوري يمس المصالح الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية لقوى الهيمنة الخارجية وعملائهم الداخليين.

ولو تخلى الإسلام الثوري عن برنامجه السياسي والاجتماعي، فإنه لا يعود مشكلة بالنسبة للإمبريالية وحلفائها، في اللحظة التي يتوقف فيها عن أن يكون ثورياً.

وبعد ذلك لا مشكلة أن يرفع الآذان في الكونغرس الأمريكي، وأن يدعو كولن باول، وزير الخارجية الأمريكية السابق، زعماء المسلمين في الولايات المتحدة لإفطار رمضاني في وزارة الخارجية.

ولا مشكلة أن تتحالف أمريكا مع من يدعون الإسلام لشن عدوانها على العراق، ما داموا يسهلون العدوان، أي يتماشون مع مصالحها السياسية وغير السياسية، ولا مشكلة مع صاحب العمامة السوداء عبد العزيز الحكيم ما دام يقر قانون نفط العراق الذي يسلم 75% بالمئة من العائدات النفطية العراقية لمدة خميسن عاماً للشركات الأجنبية.

وقد يقول قائل أن إسلام هؤلاء المنافقين ليس صحيحاً، وقد يكونون منافقين فعلاً، وقد يكون الإسلام الثوري فقط هو الإسلام، ولكن لو نظرنا للأمور من منظور ديني فحسب، دون البرنامج السياسي والاجتماعي الذي يعبر عنه كل طرف أو قوة أو شخصية، وهو بيت القصيد، فإن أوغو شافيز يصبح أبعد عنا مثلاً من أصحاب مبادرة السلام العربية مثلاً مع أن شافير أشرف منهم بكثير، ويخدم مصالح العرب والمسلمين أكثر منهم مليون مرة، أليس كذلك؟

إذن فلننتبه من طرح الأمور خارج السياق الوطني والقومي. فالإسلام خارج هذا السياق يصبح إسلاماً غير ثوري. أي أن الإسلام الثوري هو بالضبط إسلام برنامج التحرر الوطني والقومي والاجتماعي، وعلى سبيل المثال، فإن الشيخ عز الدين القسام كان عضواً مؤسساً في حزب الاستقلال العربي ذي البرنامج القومي العربي (فرع حيفا في أوائل الثلاثينات)، وهذا لم يتعارض مع كونه شيخاً، وعبد الكريم الخطابي وعبد القادر الجزائري وعمر المختار كانوا رموزاً وطنية مناهضة للاحتلال أولاً، ولولا ذلك لما حاربهم الاستعمار، وقد وجد غيرهم كثير من "الإسلاميين" الذين كانوا على استعداد للتفاهم مع الاحتلال وبالتالي لم يشن الاحتلال حرباً عليهم لا دينية ولا غير دينية، لأنهم كانوا جزءاً من برنامجه السياسي.

على كل حال، لا شك أن الإمبريالية اليوم تشن حرباً ثقافية علينا، وهذا يعطي الإسلام أهمية إضافية في مقاومتها، ولكن حتى هنا، نتحدث عن المقاومة من منطلق الحفاظ على الثقافة الوطنية والقومية المستهدفة في كل أبعادها في زمن العولمة، وليس فقط في بعدها الديني الذي يقوم عن العدو على إنتاج ظاهرة إسلامية غير ثورية وغير جهادية.

وفي النهاية، أترككم مع هذه المادة التي تؤكد على أهمية العربية والعروبة في القرآن الكريم.

مع التحية،

أخوكم إبراهيم علوش

``````````````


العروبة والعربية في القرآن الكريم

(نشرت سابقا في لائحة القومي العربي و في موقع الصوت العربي الحرّ)

د. إبراهيم علوش

لا يمكن لقارئ القرآن أن لا يفخر بالعربية وأهلها، فليس بين العروبة والإسلام تضاد، بل تكاملٌ ووئام. ولكن العروبة قبل الإسلام كانت جاهلية، وباتت بعد الإسلام دولةٌ وحضارة، وقد نزل الإسلام على العرب أولاً وبلسانهم، وانتشر في العالمين بعزمهم، وقد جاءت في العربية آياتٌ محكماتٌ تذكرها بالذات، وتدلل عليها بالاسم، فلا يعقل بعدها أن يكون هذا الكم من الآيات القرآنية بلا مغزى. ولا يعقل أن لا يفكر المرء بمعناها. وأنظر مثلاً بعضها فيما يلي:

ففي سورة الرعد: "وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من وليٍ ولا واقٍ" (37).

وفي سورة الزمر: "ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كلِ مثلٍ لعلهم يتذكرون (27) قراناً عربياً غير ذي عوجٍ لعلهم يتقون (28)".

وفي سورة فصلت: "تنزيلٌ من الرحمن الرحيم (2) كتابٌ فصلت آياته قراناً عربياً لقومٍ يعلمون (3)".

ومن جديد في سورة فصلت: "ولو جعلناه قراناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجميٌ وعربيٌ قل هو للذين أمنوا هدىً وشقاء... (44)".

وفي سورة الشعراء: "نزل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذرين (194) بلسانٍ عربيٍ مبين (195)".

وفي سورة الشورى: "وكذلك أوحينا إليك قراناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها...(2)".

وفي سورة الزخرف: "إنا جعلناه قراناً عربياً لعلكم تعقلون (2)".

وفي سورة الاحقاف: "... وهذا كتابٌ مصدقٌ لساناً عربياً لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين (12)".

وفي سورة طه: "وكذلك أنزلناه قراناً عربياً وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً (113)".

وفي سورة النحل: "ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشرٌ لسان الذين يلحدون إليه أعجميٌ وهذا لسانٌ عربيٌ مبين (103)".

ولا أزعم الإحاطة بكل ما يرتبط بالعربية والعروبة أعلاه ولكن الأمثلة العشرة السابقة تثبت أن: 1) الوحي نزل بالعربية، 2) لأم القرى ومن حولها أولاً، أي لمكة والعرب حولها، ومن عبرهم لباقي العالمين، 3) بلغة عربية فصيحة لا تشوبها شائبة، 4) من أجل إنذار وهداية العرب بلغةٍ يفهمونها، لا بلغة غريبة عنهم، أي أنه ارتبط منذ البداية بالإنسان العربي.

فهذا تكريم كبير للعرب والعربية، ومسؤولية تهد الجبال، ولكن "إنما أنت منذرٌ ولكل قومٍ هاد" (الرعد، الآية 7)، "وإنه لذكرٌ لك ولقومك" (الزخرف، الآية 44)، بالإضافة لعدد من الآيات الأخرى التي تتوجه لقوم الرسول الأمين أو تتوجه للرسول، عليه الصلاة والسلام، لتحدثه عن قومه، فليس هناك أي شيء على الإطلاق في القرآن يرفض فكرة وجود قوميات وشعوب، كما هو معروف.

ومن بين هذه القوميات، كان موقف الإسلام إيجابياً من العروبة، دون جاهلية أو عصبية أو عنصرية ضد الأمم الأخرى، ولكنه ميز العروبة بالتخاطب بها وبتبني لغتها وبتحميل الرسالة والأمانة لقومها، وبأن الإسلام جاء امتداداً طبيعياً لتراثها المتأصل في الحنيفية التي ينتسب إليها سيدنا إبراهيم، وما كان التأكيد على أن إبراهيم كان مسلماً حنيفاً إلا للتأكيد على انتمائه الحضاري الأصيل، والحنيفية ملة أصيلة في الحجاز.

ويتخذ البعض مغرضاً ما جاء في الآية 97 من سورة التوبة من أن "الأعراب اشد كفراً ونفاقاً وأجدرُ ألا يعلموا حدودَ ما أنزل الله..." ذريعة للتهجم على العرب زوراً باسم الإسلام، ولزرع إسفينٍ بين العروبة والإسلام، ولكن هذا المنطق الشعوبي يعاني من مشكلتين مترابطتين هما: 1) الجهل باللغة العربية، و2) الجهل بالقران. فكلمة الأعراب تعني البدو، لا كل العرب، والمقصود في تلك الآية بالذات ليس كل البدو بل بعض المنافقين منهم، والآيات اللاحقة فوراً لما سبق تتحدث عن البدو المؤمنين: "ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قرباتٍ عند الله..." (التوبة، الآية 99)، ويتكرر الأمر مرتين بعدها في السورة نفسها بالحديث عن المنافقين من الأعراب ثم الذين تابوا وآمنوا.

إذن، لا مبرر على الإطلاق لمعارضة الإسلام بالعروبة أو العروبة بالإسلام، إلا إذا كانت العروبة جاهلية، أو كان فهم الإسلام شعوبياً مشوهاً، والفهم الشعوبي للإسلام يستخدم دوماً للسيطرة على العرب والمسلمين من الخارج ولتخريب علاقتهم ببعضهم البعض. وفي زماننا المعاصر، يتبع أن أي خلاف إن وجد ما بين الوطنيين والإسلاميين لا يجد سنده في القران الكريم أو الدين، بل في قضايا السياسة، والأسلم إسلامياً وقومياً أن يتفقوا، لا أن يختلفوا، لمواجهة أعداء الأمة المشتركين

لاستكمال النقاش اضغط هنا


ليست هناك تعليقات: